الأحد، 4 أكتوبر 2020

حبيس الكلمات ورهين التسميات.

الموقف الأول: 

- عندما شاهد حيوانا يحاول الدفاع عن نفسه ،يقفز هاربا من الأسر ويستشرس في الخروج من حصاره ويهاجم من يحاول حبسه ، قال: هذه غريزة طبيعية. لكن عندما شاهد إنسانا يفعل نفس الشيء ويدفع الظلم عن نفسه قال: هذا لا يجوز أن يثور على حاكمه. لأنهم أخبروه أن ذلك المظلوم قد ثار وربطوا كلمة الثورة بشيء سيء وبرمجوه على ذلك فنظر للكلمة وتجاهل الفعل وسببه. 
نعم أطلقت وسائل الإعلام عبر التاريخ الحديث كلمة "الثورة" بقصد أو بغير قصد على الخروج لدفع الظلم الواضح ضد المستبد المجرم واستخدم وعاظ الجهالة وعلماء السلاطين ومطبليهم ذلك الربط في الكلمات شر استخدام في وأد أي محاولة لرد الظلم ودفعه أو حتى شجبه. وكان هذا الفعل ،كعادة أفعال المستبدين وأعوانهم، ضد الإنسان وحريته بل هو مما ساهم في تكوين الجماعات الإرهابية لعدم استطاعة المجتمع التعبير عن نفسه وفضح ظالميه. 

الموقف الثاني: 

- عاد ذلك التاجر الغني المستقر من سفره وقال ما فعله هؤلاء الثوار الجهلاء غير مخطط وهو تسرع وقد أفسدوا كل شيء بسبب إنخفاض مصادر دخله وتقلص ثروته وهو الذي لم يعاني الظلم الذي عاناه أولئك الضعفاء وإن حصل واقترب منه بعض ذلك الظلم كان يشتريه برشوة الظالمين بالمال الوفير الذي لديه ولم يكن أغلب المجتمع يستطيع فعل ما يفعله ذلك التاجر الغني.  نعم لقد تسرعوا ولم يخططوا ولكنه أيضا كان أنانيا في رشوته للظالم ليحمي نفسه غير ملتفت لما يحصل لغيره.

الموقف الثالث: 

- قال دنيء الهمة: "كنا عايشيين" وقد كان راضيا بأن يأخذ الأخرين حقه (وهو ربما لا يدري أن المال العام حقه وحق المواطنين أصلا) أو ربما كان لديه مناعة من منظومة الظلم بحكم قرابة أو علاقة ولا يستطيع استيعاب عدم رضى الأخرين بما رضي به. نعم "كان يعيش وكذلك كان يعيش الأرنب في جحره".

الموقف الرابع:

- "خربوا البلد" ذلك المهاجر الذي يعود للبلد ليصيف كل عدة سنوات ويقضي شهرا ممتعا في ذلك "المصيف" حيث يشتري رضا الظالمين ورفاهيته وبعض السعادة المؤقتة وحتى رضا أٌقاربه ومعارفه ببعض الأموال والهدايا ويعود لهجرته بدون أن يعيش فترات الظلم والمعاناة اليومية. نعم لقد خربوا له مصيفه المفضل. 

الموقف الخامس: 

قالت: "زيوان بلدي ولا قمح الغريب" وقلت لها ولكن في البلد يوجد قمح فاخر يسرقه البعض ويأكلوه فلماذا أقنعوكي بالزيوان وتحاولي إقناع الأخرين به؟ 

--------------------

في كل موقف من هذه المواقف هناك كلمات ومصطلحات وتعبيرات تخذيلية أو تمويهية أو تشتيتية. سمها كما شئت ولكن انتبه لها.                       

كلنا نصبح رهائن لبعض التسميات ولكن إذا نظرنا بعمق وتجاوزنا التسميات والكلمات فربما نرى الصورة الكاملة وسنرى أن ذلك المظلوم المتسرع الذي عمل المستبد على تجهيله وتطويعه عبر عقود وساهم أولئك التجار على إفقاره وبرمجه المعلمين والوعاظ بشكل خاطيء وعلموه بعض العلم وأخفوا عنه البعض الأخر. ذلك المظلوم وصل لأخر ما يمكن أن يتحمله من ظلم حتى بلغ السيل الزبى ولم يبق أمامه إلا الذل والموت فاستحضر غريزة القطة المحاصرة واستجاب لفطرته كإنسان وصرخ صرخته متألما ثم خرج طالبا للحق محاولا دفع الظلم عنه بما يعلمه وبما يستطيعه وبقدراته المحدودة وعلمه البسيط وتسرع بحكم عمره وتأذى لقلة خبرته ولكنه خرج غير أبها بالنتائج التي نريده أن يحسبها ونلومه إن تسرع وقد نتعجب ونتجادل في مدى خبرته.

السؤال الأخير والموقف الأخير هو موقفك: لقد جرى ما جرى وذلك المظلوم قد صرخ فمع من ستقف؟ هل ستبقى دائرا في دائرة لومه وتبرر للظالم؟ هل ستبقى رهين التسميات وحبيس الكلمات؟ أم ستنصره ضد الظالم ما استطعت؟ 

 


الاثنين، 21 سبتمبر 2020

خلاصة كتاب نظام التفاهة - ألان دونو(لا تكن إمّعة)

ملاحظة شخصية على ترجمة العنوان: كان الأجدربالمترجمة استخدام كلمة الإِمَّعة أو الإِمَّعية بدل كلمة التفاهة فهي -من وجهة نظري- أدق وأقرب لما يحاول المؤلف أن يعبر عنه وللقارئ أن يحاول استبدال الكلمة كلما مرت معه في الخلاصة أو الكتاب ليتضح المعنى. 

- الإنسان التافه أو الإِمَّعة هو الشخص الذي تستطيع أي جهة ما نقل تعليماتها من خلاله بما يسمح بترسيخ نظامها حتى لو كان متخصصا أو محترفا في مجاله. هذا الشخص الذي يغير رأيه باستمرار ويتبع عبارة "عليك أن تلعب اللعبة" على رقعة الشطرنج الاجتماعي يرسّخ نظام التفاهة تدريجيا في ذلك المجتمع حتى يسيطر على كل شيء.  لعبة القوانين والتسلق والسرقة وغيرها يمكن ملاحظتها في العديد من المؤسسات والمجالات والوظائف. 

في الفصل الأول "المعرفة" والخبرة بيّن المؤلف كيف أن علاقة الجامعات اقتربت من الشركات التجارية وابتعدت عن عملية المعرفة الحقيقية وأن بعض الأساتذة أصبحوا سماسرة يبيعون نتائج الأبحاث للممولين وأن إخضاع الأبحاث الجامعية لمعايير المشروعات الخاصة هو شي ضار بهذه الأبحاث كما ذكر أن تزايد حملة شهادات الدكتوراه في الغرب يمكن ان يفسر السبب وراء كون العديد منهم عاطلين عن العمل وتطرق لتورط الكثير من الجامعات في استثمارات سيئة في جزر الجنان الضريبية. 


في الفصل الثاني: "التجارة والتمويل" ذكر الكاتب عدة أمثلة توضح أن السوق الاقتصادية يلعب بها خوارزميات بطريقة لم نعد نستطيع فهمها وأن النظام الاقتصادي يتم التلاعب به ويتم ايهامنا انه يوضع موضع التطبيق في قرارات الاشخاص الذين نعتمد عليهم من ذوي السلطة وأنه كلما تراجعت الأوليغارشية لعاداتها السيئة (فساد - تدليس - تفاهة) سارع "الخبراء" (الإمعات) الذين يتقاضون رواتبهم منها إلى إنقاذها خاصة المصابين بالطمع أو مرض المال حيث أن المال يصنع لهؤلاء الناس ساترا يخفي كل شيء والنقود تصبح القيمة المطلقة في عالم التفاهة وطبقة الأغنياء يراقبون جبال الذهب التي يكنزونها بينما من حولهم في ضنك العيش.

تحدث ألان عن مشاكل الاستعمار ومخلفاته في بعض دول أفريقيا وعن نهب مواردها وسيطرة المستعمرين على الحكومات المحلية ومحاربة الاكتفاء الذاتي وحتى استخدام المؤسسات غير الربحية للسيطرة والنهب. كما ذكر الحركات العمالية وهل هي سياسية أم لا وكيف أن بعض الدول تسمح بحركتها طالما لا تمس إطار السلطة. 


في الفصل الثالث - "الثقافة والحضارة" يفرق الكاتب بين الإقتصاد الروحي أوكما يصفه فرويد(الاستثمار الغريزي - مدخرات الطاقة) والإقتصاد المادي الذي يتكون من صفقات تجارية. الأول هو الفعال بمراكمة رأس المال ففن صناعة المال هو مسألة حوافز ثم يبين كيف أن النقود تخدم الفن وتستخدمه في نفس الوقت لتخبر عن نفسها باعتبارها وسيلة للتأثير في التفاهة (الإمعية) في أعظم حالاتها.  

يقارن الكاتب بين من يبحثون عن المال للتحرر من الجهود السيكولوجية والتراخي الأخلاقي (الأثرياء غالبا) وبين من يبحثون عنه كأجر للمعيشة ويأتي معه الصمت "اخرس انا ادفع لك" أو "ابتسم أنا ادفع لك" أو "الزبون دائما على حق".وهذا يشير إلى أن النقود هي عامل قمع وشراسة وعنف ينكره الأثرياء بينما هم يباشرونه ويكبته الفقراء فيما بسلمون أنفسهم له. 

يستشهد الكاتب بمقولة أدورنو وهوركهايمرفي أنه لا حاجة للسينما والاذاعة ان تتظاهرا بعد الأن بكونهما فنا. حقيقة الأمر هي انهما لا تعدوان ان تكونا اعمال تجارية وأنه لا اعتبار للفنانين فالعمل يفرض عليهم وفقا لأهداف السوق. وبعض الفنانين يلعبون اللعبة أو يتم التلاعب بهم من خلال قضايا إنسانية أو مشاعر لتحويل الأنظار عن القضايا السياسية أو الفساد.  أما التلفاز فهو يحد من التفاعل الاجتماعي ومحفز لتجارة الاستهلاك التي تقدم منتجات تحل المحل العاطفي للرابطة الاجتماعية.

 وينتقل لما ذكره هربرت ماركيوز عن أنه اذا كانت جميع طبقات المجتمع تتمتع بنفس أساليب الرفاهية فهذا لا يعني اختفاء الطبقية بل هو تأكيد لأي درجة يشارك المُسيطرعليهم في الاحتياجات والإرضاءات الضامنة للإبقاء على الطبقات المهيمنة. 

في الفصل الأخير "ثورة - إنهاء ما يضر بالصالح العام" يقول الكاتب أن الدعوات إلى التصرف والثورة تطلق في حالة ارتباك ظاهر ويعبرعن الخوف من ثورات مفتعلة يصحبها تغيير شكلي من قبل نخبة تحرص على التأكد من عدم تغير أي شيء وبالتالي يستمر الفساد والضرر بالصالح العام.

كتشخيص إضافي يقول أننا الأن نطور معرفة وتسمية الواقع الذي يوجد به الفساد والتفاهة (الإمعية) مقابل معرفة حركات الانعتاق ( red squares - occupy - spring uprisings) التي ،برغم عدم خلوها من الاخطاء، تستمر في محاولتها لتقويض وتخريب المؤسسات التافهة. 

خلال فصول الكتاب ذكر المؤلف العديد من المؤلفات والأفلام مثل: فلسفة النقود - سادة الندى Masters of the dew - المساعدة القاتلة - نقد العنف - زمن المهرجين - ديالكتيك التنوير - الرجل ذو البعد الواحد - المزيفون - الفهد - الأرض السلطة الحقوق. The Wanted 18 - Lets make money - White collar وغيرها. 


في الخاتمة "سياسات الوسط المتطرف" ضرب أمثلة عديدة على أن قيم الجناح اليساري قد فرغت من محتواها بحيث أن الكثير أصبح في الوسط ولم يعطوا أي أولوية لما يمكن ان تكون عليه المساعي الجمعية. وبالنسبة للجناح الليبرالي فقد ركب على موجة الأقليات ومقاومتها التاريخية واستخدمها كبضاعة لعرضها في واجهاتهم الانتخابية. إنهم لا يهتمون بكون الجامعة تعمل وكأنها معمل للسجق ما دامت هيئة التدريس والطلبة قد ضُمن لهم الاعتراف بهوياتهم المحددة. ينتقل للفوضوية ويقول أن من يميل إليها يكون بسبب وحشية الرأسمالية. ويبين كيف أن ردود أفعالهم وسلبيتهم وسخريتهم تلقي الضوء على سلبيات الأنظمة المسيطرة. 

أما بالنسبة للوسط المتطرف extreme center (الذي يمثل الإمعية بوضوح) فهو ،بحسب تقديم المؤرخ بيير سيرنا،  تناسخ مجموعة من قالبي السترات المكونين من سياسيين هادئين راجحي العقل ولكنهم يحافظون على مناصبهم من خلال التمسك بكلمتهم والتراجع عنها باستمرار. روحة وجيئة من دون توقف. وتدريجيا تم الانتقال من فترة كان المرء فيها مخلصا لقناعاته حتى لو كلفته حياته إلى فترة فاسدة سمتها هشاشة وتغير الكلمة كل يوم. ثم تطور ذلك مؤخرا إلى اللغة الخشبية "لا تعتبر قد رجعت في كلمتك إن لم تقل شيئا".

من ضمن التشخيص يؤكد الكتاب أننا نعاني حدة نقص في الفكر الجمعي وأن الطبقة الوسطى مشتتة وملهاة بالكثير من الأمور منها الاستهلاك والأسعار والمزايا المهنية. 

تحدث أيضا عن "دين الشركة" و"دين العلامة التجارية" وعبادة تلك العلامات كونها "ضرورة للمستهلك أو إيمان منه". إضافة لإجبار الموظفين على تبني ممارسات الطائفة وفرض دورات في التفكير الايجابي ومطالبتهم ان يكونوا بشوشين في هذا "العالم الشجاع الجديد" . أما "المواطن" فقد انحدرت به الحال الى "فرد" تتقلص قيمته احيانا لحد يضطره للتساؤل حول مصدر السلطة.  التي تعني بالنهاية قوة عدائية. السلطة اصبحت غالبا شركات أو اشخاص اعتباريين-قانونيين. 

يؤكد الكاتب أنه يتم تغطية وتمويه العديد من أسباب المشاكل الرئيسة بأغطية وهمية وإخفاء الأسباب الحقيقية وأن الحال وصل لأنه لا يمكن لأحد في هذه الأيام أن يشجب تفاهة أو توسط الأشخاص الذين يحاولون اخذ مسافة متساوية من الجميع.

في أخر صفحة يسأل الكاتب بصيغة يائسة ما الذي يمكن عمله حول شرور زماننا حيث اقتصاديات شركات البترول أشبه ما تكون بالمافيا والانتاج الاعلامي مصمم للتلاعب بناء على اساس من التجارب العصبية وقارة من البلاستيك تتشكل في المحيط الهادي وتوترات تثور بلا هوادة في مناطق الصراع الجيوسياسي؟ ما الذي استطيع عمله أنا الشيء الصغير النكرة المجبر على أكل البيتزا المجمدة بداخل شقتي المكونة من نصف سرداب واعيش في محيط من معدل البطالة المرتفع والايجارات العالية ووحشية الشرطة؟

الجواب هو توقف عن السخط وانتقل لما بعد ذلك. إعمل بلا هوادة لخلق قضايا وجيهة. التق مع أخرين في تجمعات بخلاف الطائفية والشللية. إسخر من الايديولوجيات، اختزل المصطلحات التي تريد البروباغندا كتابتها في جوهر ذواتنا وحولها الى موضوعات مجردة للتفكير. تجاوز أساليب السيطرة التي تمارسها المنظمات وحاول خلق بنى تشبهنا. كن راديكالياً. (بمعنى أن تنظر للب الأمور وجوهرها وأسباب المشاكل الرئيسية ولا تكن إمّعة).



الأحد، 6 سبتمبر 2020

هاجِر...

 - تنويه. إن كنت في منعة وقوة وتستطيع التغيير للأفضل في بلدك فليس بالضرورة أن ينطبق عليك النص التالي ولكن إن لم تستطع على الأقل قول "لا" لظلم أو لظالم في بلد إقامتك فأنصح بالمتابعة. وبالنسبة لاستخدام كلمة هاجر فهي بمعنى السفر والانتقال والترحال هنا وليس بالضرورة المعنى الديني للهجرة ومع ذلك وبما أن الأعمال بالنيات فيمكن لكل شخص استحضار نية الهجرة من بلاد الظلم الى بلاد أقل ظلما واستبدادا وكل لما هاجر له. 

عبر التاريخ  القديم والحديث كان من وظائف المستبدين وكهنة الحكام والسلاطين أن يثبّتوا ويصبّروا الناس على ظلم الحاكم وقسوته وطمعه. الأمثلة كثيرة على ذلك وأكتب هذا النص لتشجيع المستضعفين على التحرك والهجرة للبحث عن الأفضل لهم ولمستقبل أطفالهم علهم يستطيعون حيلة أو يهتدون سبيلا. 

تخيل أن يقول أحدهم لشعب كامل عليكم أن تهاجروا من أرضكم ...

في العصر الحالي ربما ينعت بالجنون ولن يستمعوا له لتعلقهم بأرضهم وممتلكاتهم وكل الماديات التي حولهم ولا يخطر ببالهم أن هذه الماديات صنعها الإنسان ويمكنه أن يصنعها من جديد ولكنه إن خسر نفسه وحريته فسيخسر هو وذريته كل شيء عبر العصور القادمة. 

وردت لنا هذه الهجرة الجماعية في قصة موسى عليه السلام وهجرة بني إسرائيل معه ولم يكن وحده الذي هاجر بل كثير من الأنبياء هاجروا ومنهم ابراهيم وعيسى وصالح ومحمد عليهم السلام. 

وفي عصور الجاهلية وردت أشعار تحث على الهجرة لمن خاف الظلم فقد قال الشنفرى 525م في قصيدته التي مطلعها: "أقيموا بني أمي  صدورَ مَطِيكم":

وفي الأرض مَنْأىً للكريم عن الأذى  * وفيها لمن خاف القِلى مُتعزَّلُ

لَعَمْرُكَ ما بالأرض ضيقٌ على أمرئ * سَرَى راغباً أو راهباً وهو يعقلُ

وقال الشاعر الجاهلي عبد قيس بن خفاف البرجمي:

واترك محل السوء لا تنزل به  ***  وإذا نبا بك منزل فتحول

دار الهوان لمن رأها داره    ***   أفراحل عنها كمن لم يرحل


تأتي الهجرة كمخرج عندما لا ينجح أي علاج بديل للاستبداد والظلم الشديد وتصبح هي الحل بل في حالات معينة قد تكون فرضا وواجبا لا مهرب منه ويحاسب عليه الشخص الذي يعتبر ظالما لنفسه في اختيار بقائه تحت نير الظلم والطغيان كما ورد في القرأن الكريم: " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ".

وفي أغلب الأوقات يلحق الظالمون بالمهاجرين لقتلهم أو إرغامهم على العودة للاستعباد والذل الذي كانوا به كما لحق فرعون وجنده بموىسى وبني إسرائيل لمنعهم من الهجرة. وقد حاول المشركون في مكة اللحاق بالمهاجرين إلى الحبشة وإعادتهم أيضا وصعّبوا الهجرة على غيرهم فمنعوا بعضهم من والدته وزوجته وأولاده أو ماله وأمثلة غيرها.

يحاول المستبدين أيضا التحايل على المستضعفين وحصرهم في خيارين. إما البقاء تحت الظلم والعيش بذل وامتصاص دمائهم تدريجيا من خلال تضييق المعيشة عليهم وفرض ضرائب عالية وأتاوات على كل شيء ويأخذون أولادهم للخدمة العسكرية غصبا وقد يستعملوهم لقتل أخوتهم من الأحرار المقاومين للظلم وإما الحبس والموت والدمار.

الملاحظ هنا أن المستبد يريد أن يبقي هؤلاء الناس تحت حكمه بشتى الطرق والوسائل ويلاحظ هنا أيضا أنه قد يستخدم أحيانا أسلوب الخطاب الديني لتصبيرهم وبعض أتباع المدارس الدينية المتأثرة بالاستبداد عبر مئات السنين تجاري المستبدين في خطاباتهم لا شعوريا وبدون إدراك أنهم يوجهون الناس نحو الهلاك.

هناك دائما خيارالابتعاد والهجرة. المشكلة الرئيسة في اختيار البقاء هو أن يصبح الشخص مثل ذلك الضفدع الذي يسخن تحته الماء تدريجيا ويعتاد على محيطه حتى يغلي الماء ويموت بدون أن يشعر أو أن يصبح مثل ذلك القرد الذي يمسك بالطعم الموضوع في الفخ بدون ان يستطيع إخراج يده حتى يقبض عليه الصياد ويقتاده للسيرك أو للبيع. 


لقد حث القرأن على الهجرة في قوله تعالى " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة" وفي الحديث : "إن الرجل إذا مات في غير مولده، قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة" كما شجع صلى الله عليه وسلم الكثير من المسلمين الأوائل على الهجرة للحبشة.


السؤال الذي يرد بعد ذلك هو إلى أين؟  والإجابات تتعدد ولكن في اعتقادي أنها تصب بطريقة أو أخرى في هدف البحث عن عدل أكثر أو على الأقل ابتعاد عن ظلم يتزايد فقد قال الكثير من الحكماء أن العدل أساس الملك وأنه بالعدل تحيا الامم والمعيار الذي ذكره الرسول للمهاجرين هو العدل وليس الدين أو المسافة "إنَّ بأرض الحبشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عنده".

إن أردت أن أوصي أبنائي أو عائلتي وأصدقائي عن أفضل بلد للعيش والسكن سواء الأن أو في المستقبل فلن أوصيهم بالذهاب ل أغنى بلد أو أجمل بلد أو البلد الأكثر التزاما دينيا في المظاهر أو في كل الأفعال ما عدا العدل أو حيث تتوفر الخدمات والرفاهية وغيرها من الخيارات والإغراءات الكثيرة. 

الذي سأوصي به هو البحث عن البلد الأكثر عدلا أو الأقل ظلما وهذا - من وجهة نظري - هو أساس الحفاظ على كل الأشياء الجميلة التي تم ذكرها فالظلم يشوه الجمال ولن يكون عندك مال إذا عم الفساد والظلم وحتى الدين لن يكون كاملا في بلد ظالم وستضيع الحقوق وغيرها بضياع العدل. العدل يقوم بحفظ كل شيء  من إنسان وحيوان ونبات.


ورد في الحماسة للبحتري العديد من الأشعار حول الهجرة منها قول قيس الأنصاري: 

وما بعض الاقامة في ديار  ***  يهان بها الفتى إلا عناء.

وقول أوس التميمي: 

أقيم بدار الحزم ما كان حزمها  ***  وأحر إذا حالت بأن أتحولا


بقيت الهجرة منتشرة في العصور اللاحقة بعد هجرة المدينة فقد كان هناك عشرات الألاف من الصحابة في مكة والمدينة المنورة وهاجر أغلبهم وانتشروا في الأرض (وانتشر الدين مع انتشارهم سواء سلما بالمعاشرة والقيم والمعاملة أو بمحاربة الظلم والطغيان للملوك المستعبدين لشعوبهم الذين منعوا نشر الفكر والقيم بشكل سلمي لأهداف السياسة والحكم التي تأثر بها ملوك الشرق لاحقا أيضا) وتتابعت الهجرة لأقصى الشرق ولو قرر أوائل المهاجرين عدم الذهاب أو العودة من ماليزيا واندونيسيا مثلا لما كان هناك بحدود 300 مليون مسلم الأن. 


في العصر العباسي يقول الشاعر صالح عبد القدوس: 

وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ  ***  وخشيتَ فيها أن يضيقَ المكسبُ

فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا  ***  طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ


وكان الشافعي 767-820م من المشهورين بالهجرة والثناء عليها وقد وردت له الأبيات التالية: 

تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا *** وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ   ***  وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ

وَإِن قيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ وَمِحنَةٌ  ***  وَقَطعُ الفَيافي وَاِكتِسابُ الشَدائِدِ

فَمَوتُ الفَتى خَيرٌ لَهُ مِن حَياتِهِ  ***  بِدارِ هَوانٍ بَينَ واشٍ وَحاسِدِ

وقال ايضا:

ارحل بنفسك من ارضٍ تضام بهـا * ولا تكن من فراق الأهل في حرق

فالعنبرُ الخامُ روثٌ في مواطنهِ * وَفِي التَّغَرُّبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُنُقِ 

وينسب له كذلك: 

ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدب * مِنْ رَاحَة ٍ فَدعِ الأَوْطَانَ واغْتَرِبِ

سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ * وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ

إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ * إِنْ سَال طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ


وبعد ذلك قال البستي  1010 م :  

إذا نَبـا بـكريـمٍ موطِـنٌ فلَـهُ * * * وراءهُ فـي بسيـط الأرض أوطـانُ

وإن نبَتْ فيك أوطان نشأت بهـا * * * فـارحـل فكـل بـلاد الله أوطـانُ





x

وورد في تائية أبو إسحاق الإلبيري:

ولاتلبث بحي فيه ضيم *** يميت القلب إلا إن كبلتا

وغرب فالتغرب فيه خير *** وشرق إن بريقك قد شرقتا

وعند ازدياد الفتن وانتشارالظلم في الأندلس نادى ابن العسال (ت 1095م) في أهل الأندلس بالهجرة وربما قد فاز ونجى من سمع نصحه في ذلك الوقت: 

شدّوا رواحلَكم يا أهلَ أندلس *** فما المقامُ بها إلاَّ من الغَلَطِ

الثَّوب ينسلُّ من أطرافه وأرى *** ثوبَ الجزيرة منسولاً من الوسطِ


وبعده بقليل قال الحريري صاحب المقامات المشهورة:

لا تصبون الى وطن *** فيه تضام وتمتهن

وجب البلاد فأيها  *** أرضاك فاختره وطن 


وقال ابن المقرب العيوني بحدود القرن الثاني عشر:

قمُ فاشدد العيس للترحال معتزما *** واِرم الفجاج بها فالخطب قد فقما

 وَلا تلفت إِلى أَهل ولا وطن   ***  فَالحر يرحل عَن دارِ الأذى كرما 


وقال عبد العزيز الدريني في القرن الثالث عشر:

عجبت لمن يقيم بدار ذل *** وأرض الله واسعة فضاها

 فذاك من الرجال قليل عقل *** بليد ليس يدرى ماطحاها 

فنفسك فز بها إن خفت ضيما *** وخلى الدار تنعى من بناها 

فإنك واجد أرضا بأرض *** ونفسك لا تجد نفسا سواها 

ومن طريف ما ذكره ابن الوردي 1292م في لاميته الشهيرة قوله: 

حبك الأوطان عجز ظاهر  ***  فاغترب تلق عن الأهل بدل

أخر ما قرأته بخصوص الهجرة كان كتابا لعالم الاقتصاد بول كوليير ذكر به أن المهاجرين قد يصبحون فاعلين ضد الاستبداد في البلاد التي هاجروا منها وخطر كامن للمستبد عندما يقفون ضد أخطائه ويشكلون معارضة خارجية (طبعا سيتهمهم المستبد وأعوانه بالخيانة) إضافة لكونهم برنامج مساعدة لامركزي يحسن حياة الملايين من الشعوب الفقيرة كما بين أن الهجرة المستمرة تقرب الناس من بعضهم وتعرفهم على بعضهم أكثر مما يقلل من العنصرية حول العالم. 

هذا أشهر ما وجدته من الأقوال بخصوص الهجرة والحث عليها وربما هذه الأصوات كانت خافتة في عصور الاستبداد أو الترف كما أذكر أيضا أن بعض القبائل أو الأسر من العرب كانت لا تفضل أشعار الهجرة في تلك الأوقات حتى لا يتغرب عنهم أبنائهم وربما كان هذا تغليبا للعاطفة على العقل. وفي العصر الحالي تغيرت الحدود والأساليب ولكن بقيت الهجرة خيارا أمام الملايين من البشر حتى لو مشيا على الأقدام هروبا وتهريبا وتسللا وغيرها من الطرق.

عند مقارنة حال من هاجر بحال من بقي ينبغي اعتبار ان اول عدة سنوات ستكون صعبة جدا على  المهاجرين فهم في مرحلة بناء جديدة ولكن قارن على مدى عشرين سنة أو اكثر وغالبا وبالمجمل ستلاحظ أن حال من هاجر اصبحت أفضل بكثير من حال من بقي تحت  نير الظلم والاستبداد (وهو منتشرفي العالم ولكنه نسبي). 

في الختام أقول أيها الإنسان المظلوم أنت لست جماد فتحرك -إن استطعت- إلى بلاد تحترم العدل ولا تربي أولادك عبيدا للمستبد ولا تبقى في بلاد ظلم ظهيرا للمجرمين والظالمين إن استحال عليك التغيير.


 

الأحد، 23 أغسطس 2020

أسطورة العنف الديني - ويليام كافانو

هل هناك فعلا عنف ديني لا عقلاني وعنف غير ديني عقلاني ومبرر؟ هذا ما يناقشه كتاب الأستاذ ويليام كافانو مع تنبيهات مفيدة وأمثلة توضح وتدلل على كلامه الذي يهدف لتفكيك أسطورة العنف الديني من أجل تحرير العقل والدراسات الأكاديمية عن التصورات المغلوطة التي انتشرت في أوروبا والغرب الحديث.


في الفصل الأول بعنوان تشريح الأسطورة يقول كافانو أن الفكرة القائلة أن للدين نزعة تشجع على العنف هي فكرة رائجة ولكن معظم من قال ذلك لم يعرِّف الدين بشكل دقيق لأن أيديولجيات كثيرة يطلق عليها علمانية، كالقومية على سبيل المثال، لديها نفس طقوس وأفكار ومعتقدات ما يسمى بالدين، كما يكون لدى المؤمنين بها حقيقة مطلقة في مخيلتهم وادعاء أنها خير مطلق. وكما يطلق على الدين، فإن هذه الأيدلوجيات العلمانية تسبب الإنقسامية (نحن وهم) والإقصائية وتخضع القومية لأفعال لاعقلانية أحيانا مثل الحماسة والحمية والتعصب ولها طقوس مثل تحية العلم والنشيد الوطني وقد يتحول أتباعها للقتل أيضا من أجل الدولة القومية. يؤكد المؤلف بأن الحدود الفاصلة بين الدين والقومية العلمانية غير واضحة وأن "القومية العلمانية هي دين" وتخضع لكل ما يخضع له الدين.

لقد استولت الدولة الناشئة على المقدس لتصبح هي نفسها نوعا جديدا من الدين، وقد ترافق ذلك مع انزياح في القيم التي يقاتل البشر من أجلها.  ففي الدولة القومية، تم تأسيس عنف مختلف كالموت في سبيل الوطن. 

بناء على ما ذكر فإن وصف العنف بعلماني أو ديني لا يملك قيمة تحليلية على الإطلاق، بل هو مضلل وخادع وينبغي تجنبه. 


في الفصل الثاني يشرح الكاتب لفظ معنى ديني  Religio ما قبل الحداثة وكيف أنها كانت من المفردات التي تدور حول مفهوم الطاعة الاجتماعية في روما القديمة وكيف تطورت الكلمات حتى القرون الوسطى وكيف أن العلاقات بين الكنيسة والسلطة المدنية كانت معقدة ومتغيرة باستمرار عبر تاريخ العالم المسيحي. 


أما حول العالم فذكر عدة أمثلة على كيفية تحول بعض المسميات لدين. فالهندوسية مثلا كان اسما يطلق على جميع من في الهند، ولكن تم تحويلها لاحقا لدين. والبوذية كذلك تم اختراعها كدين من قبل الأوروبيين لتطلق على مجموعة تعاليم وعبادات متعددة تأملية وطقوسية مرتبطة بالعرافة وغيرها. مع أنه لا يوجد في البوذية مفهوم للإله يوازي ذلك المفهوم المسيحي للإله، ولكن صنفها الأوروبيون كدين لمقارنتها مع المسيحية وتحييدها إلى المجال الخاص وإتاحة المجال العالم لسيطرة الدولة العلمانية. وكذلك حصل مع الشنتو اليابانية والكونفوشية الصينية والطاوية وغيرها.

يسرد الكاتب تعريفات وظيفية للدين مثل تعريف دوركهايم : "الدين هو نظام موحد من الاعتقادات والممارسات المرتبطة بالأشياء المقدسة ،أي الأشياء المتمايزة عن غيرها والمحاطة بحرمة" ويؤكد أن الوظيفيين (مقابل الجوهرانيين) محقين بالقول أن الظواهر العلمانية كالرأسمالية والقومية هي ظواهر دينية بامتياز كما يذكر أقوال ل Robert Bellah وWill Herberg وHayes وتعريفهم للأمريكانية ونمط حياتها كدين.

يتساءل كافانو أنه اذا كانت القومية دينا فلماذا ننكر ذلك؟ والجواب لأنه يعرضها للتحدي ويجعلها نظيرة لبقية الأديان غيرها وبذلك نحميها ان تكون عرضة للمنافسة وهكذا نطبق نفس القاعدة القديمة بألا نلفظ أو نمس بعض القدسيات.

أهم المشاكل في أسطورة العنف الديني ليس في أنها تدين أنواعا معينة من العنف وإنما في أنها تنحي أنظارنا عن تفحص الأنواع الأخرى من العنف. العنف الموصوف بالديني يستحق اللوم دائما أما الموصوف بالعلماني فهو عنف ضروري تارة أو يستحق المديح والتمجيد تارة أُخرى. 


في الفصل الثالث بعنوان أسطورة الخلق، يسرد الكاتب الأسطورة المهمة التي يعتمد عليها الكثير كسردية للعنف الديني. تقول الأسطورة: انقسم المسيحيون لطوائف دينية متنازعة واقتتلوا فظهر خطر الدين ولحل المشكلة صعدت الدولة الحديثة وتم تهميش الولاء الديني وأصبح من الواجب كبح الشعور الديني في المجال العام واتحد الجميع على اساس الولاء للدولة ذات السيادة والمحايدة دينيا .  هذه القصة التأسيسية شبهها بسفر التكوين الخاص بالدولة العلمانية الحديثة وهي تحمل بعدا خلاصيا من الخطر القاتل. 


من شروط هذه السردية أن يكون المتقاتلين على خلاف ديني (كاثوليك ضد بروتستانت مثلا) والحقيقة أن هذا لم يحصل، فقد تقاتلت معظم الفرق الدينية مع بعضها أو ضد بعضها وشكل بعض المنتسبين إلى بعض الطوائف تحالفات مع طوائف أخرى. يذكر الكاتب أمثلة متعددة لذلك. ومن الشروط أيضا أن يكون سبب الاقتتال هو الدين وليس السياسة أو الاقتصاد  وأن تكون الأسباب الدينية منفصلة تحليليا عن السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا أيضا لم يحصل، فكثير من الحروب كانت سياسية أو اقتصادية قبل أن تكون دينية. والشرط الأخير هو أن صعود الدولة الحديثة لم يكن سببا للحروب، وهذا أيضا دلل عليه بأن بناء الدولة كانت عملية خلافية وصراعية في جوهرها ومبدأ السيادة يتطلب دمج وتركيز جميع السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت سيادة الحاكم. إنتصار الدولة كان بسبب القدرة العسكرية التي نشأت نتيجة القدرة على الوصول لرأس مال مدني وعبر إكراه دافعي الضرائب. إن صعود الدولة الحديثة ساعد في تعزيز الخلافات وإقناع الناس بإسطورة العنف الديني. 

في الفصل الأخير يشرح كافانو استعمالات الأسطورة ولماذا تم نشرها ثم ما فائدة التخلي عنها. 

تم استعمال هذه الأسطورة لعمل التالي: 

- تبرير نشر الأشكال الغربية من الحكم وتبرير العنف ضد الفاعلين الدينيين على أساس أنه عنف عقلاني في مواجهة عنف لا عقلاني. 

- شرعنة الإخلاص للدولة القومية وتدعيم النظام العلماني وتهميش الفاعلين الموصوفين بالدينيين من الحيز العام وتهميش الخطابات والممارسات الموصوفة بالدينية.

- تشكيل وصياغة السياسات المحلية وشرعنة ترتيبات معينة للسلطة في الغرب الحديث.  

- تشكيل وصياغة المواقف الغربية تجاه المجتمعات غير الغربية، وتشكيل إجماع داخلي بشأن السياسة الخارجية. 

- الأسطورة توهم المؤمنين بها وتحثهم على وصف الأخرين بلاعقلانيين -عنيفين او غير طبيعيين. 

- هذه التصورات كلها تخلق نقطة عمياء في التفكير الغربي حول مدى تورط الغرب في العنف ويصبح من غير الضروري تفحص علاقة الغرب بالعالم غير الغربي بشكل عميق وحقيقي.

- فوائد التخلي او تنحية هذه الأسطورة الخاطئة:

1 - تحرير الأعمال والأبحاث والكتابات والتجارب القيمة حول العنف ومعرفة الأسباب الحقيقية له والتخلي عن السبب الوهمي. 

2- رؤية طبيعة العلمانية الغربية باعتبارها مجموعة ترتيبات اجتماعية وليست حلا كونيا.

3- سيتخلص الغرب من أهم العقبات لفهم العالم غير الغربي ولتبني مقاربة اكثر انفتاحا مع الجميع.

4- نزع الشرعية والتبريرعن أعمال العنف التي تدعي أنها عقلانية ضد العنف الموصوف باللاعقلاني.

5- التخلي عن هذه الأسطورة سيساعد المواطنين في أمريكا على التخلص من أبرز عوائق النقاش العمومي الجدي حول أسباب معادات السياسات الأمريكية في الخارج.



العنوان الاصلي للكتاب: 

The Myth of Religious Violence: 

Secular Ideology and the Roots of Modern Conflict










الأربعاء، 5 أغسطس 2020

مفارقات شارع الواتساب

إن شبهنا أو تخيلنا أن مجموعة واتس "عامة" ،تحوي مائة شخص أو أكثر، بأنها حي أو شارع ففي ما يلي بعض ما  يحصل يوميا في هذا الشارع من مواقف وطرائف بعضها يحتاج للتفكر قليلا:

- أحدهم يخرج من نافذة بيته ليصبح أو يمسي على جميع من في الشارع. 
- يلحقه أخر بعد عدة ساعات ليصبح أيضا أو يمسي على الجميع نظرا لاختلاف الوقت لديه. 
- شخص يلقي نكته عبر مكبر للصوت ليسمعه جميع أهل الحي (وغالبا تكون سمجة بالنسبة لبعض سكان الشارع الأخرين نظرا لتفاوت الأمزجة والأوقات والظروف). 
- بعد ساعتين  يضحك صديق الذي ألقى النكته أمام الجميع ويرسل "ستيكر" ضاحك. 
- شخص يبيع أو يسوق لعمله وبضاعته ومحله وأخر يسأله عن السعر وربما يفاصله أمام الجميع. 
- أحد سكان الشارع يدخل في حالة طرب ويشارك الجميع بمقطع لفنان منكر الصوت يقوم ببعض الحركات الغريبة.
- جاره الذي يسكن في أخر الشارع يكون في حالة خشوع وتعبد ويرسل رسالة تحوي مقاطع أيات من القرأن الكريم أو أحاديث. 
- عطار الشارع يوزع وصفات مجانية على الجميع تشفي كل العلل بما فيها الأرق وتجعل الكهل شابا وتقوم النائم وتهديء الذي به صرع وتشفي من البواسير والمواسير ومتوفرة بكل بساطة في الخل والبقدونس والفول والبصل والثوم وبعضا من اليانسون وغيرها ولكن يجب ان تتبع خلطته بالتفصيل. 
- شخص جائع يفكر بالعشاء يرسل وصفات أو مقاطع فيديو لبوراك أو ما شابهه تحوي مناظر طعام لذيذة لإثارة الشهوات والرغبات وتحريك المعدة عند البقية. 
- صاحب محل شاورما في شارع قريب يقوم بإرسال دعاية مع عرض خاص للجميع. 
- شخص يتمشى بصمت في الشارع ويتفرج بدون إصدار أي صوت. 
- مخبر الحي يتابع أيضا بصمت لمعرفة من يتكلم في السياسة وتصنيفه ثم كتابة التقارير عنه. 
- شاب متحمس جدا لكل خبر سواء سياسي أو حوادث يجري كحامل الجرائد يصرخ في الشارع ويشارك تلك الأخبار كل عدة دقائق. 
- الحكيم الذي يلقي حكما على سكان الحي أغلبها قص ولصق وصلته من أصدقائه. 
- صاحب "الجمعة المباركة" الذي يظهر كل  يوم جمعة ليعلنها مباركة للجميع ثم يختفي. 
- صديقان في حوار خاص بصوت عالي امام الجميع أو عدوان يتشاجران أمام الجميع أيضا.  
- "بلطجي" أو "مشكلجي" الحارة الذي يعارض كل الأشخاص  في الشارع ويفتعل جدالا أو شجارا. 
- الشخص الشاعري الذي يرسل قلوب وورود للجميع تعليقا على ما قالوه. 
- حوار عائلي تم إذاعته على الشارع كله بالخطأ. 
- محلل سياسي لا يترك كبيرة أو صغيرة حول العالم إلا ويحللها لأصحاب الحي. 
- عابر سبيل يتمشى بصمت في الشارع ولكنه لا يتفرج على اي شيء مما يجري حوله. 
- شخص يحاول أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة لكه غالبا لا يلقى اهمام من أغلبية الحي لانشغالهم بزحام الشارع. 
- أحدهم يشارك نعوة أحد الأشخاص في حي قريب والجميع يبدأ بالتعزية (حتى بدون وجود ذوي المرحوم معهم)
- في الشارع يوجد ذلك الشخص الذي يحب مشاركة صوره مع جميع أعضاء الحي كل يومين. 
- أحد سكان الشارع يعرض فيدوهات لا معنى لها ولا فائدة منها قد تحوي صور ومقاطع لحيوانات تقوم بأعمال غريبة أو أصوات خراف وماعز مع موسيقى ظنا منه أنه يضيف محتوى ولإظهار أنه مشارك نشيط أمام المختار. 
- الجالس في قهوة الشارع يرسل صورة فنجان القهوة مع وردة او صينية مذهبة وقطعة شوكولا كل ما شرب قهوته وجاره في الطاولة المجاورة كهل متقاعد يحرص أن لا يترك أي خبر او رسالة تمر عليه إلا ويرسلها لكل سكان الشارع وحتى الشوارع المجاورة قبل مغادرة المقهى في  أخر اليوم وهو مرتاح البال. 
- المحفز النفسي الذي يرسل مقاطع بها موسيقى هادئة وأقمار وبحار وأنهار ونصوص تخبرك ان كل شيء سيكون على ما يرام وأنك تستطيع التغلب على كل مصاعب الحياة بعد مشاهدة المقطع كاملا. 
- مختار الحي (الأدمن) إما يحاول ضبط الشارع وربما سيخسر بعض الصداقات لحزمه أو يكون ضمن أحد الفئات المشاركة أعلاه وربما يشارك في تشتيت انتباه الحي وإضاعة وقت جميع السكان متجاهلا المسؤولية الدينية والاجتماعية ومحابيا لأصدقائه حتى لو شاركوا أتفه أنواع المحتوى. 
- درويش الحي يضع مقاطع وأدعية غير مدققة وأحاديث ملفقة واذا جرفه الحال وضع فيديو لأخر"حضرة" لشيخه وأصحابه. 
- صاحب الجريدة الحكومية في الشارع الذي همه ،حسب الأوامر، إشغال الناس بما فعلته الحكومة الكريمة من إنجازات أوالتحول لذباب الكتروني وإشغالهم بأي أخبار لتشتيت فكرهم عن أخطاء الحكومة ومشاكلها وفسادها. 
- شخص يخاف على نفسه وماله في الحي يهاجر تاركا الشارع كله لأن أحد المارة كان قد شتم الديكتاتور الحاكم. 
- شخص أخر غادر بسبب أنه تلقى عرض مختار (أدمن) في شارع أخر منافس. 
- حكواتي الحي يوزع قصصا حقيقية وخيالية على الجميع. 

هناك طبعا الكثير غيرهم من الأمثلة الإيجابية ولكن وجب التنبيه على الأمثلة التي يجب الانتباه لها والانتباه منها وطبعا المسؤولية الأولى ،من وجهة نظري، هي على إدارات هذه المجموعات التي تسمح بضياع وقت الناس وتشتيتهم وأذكرهم أنهم محاسبون يوما ما.
هناك مسؤولية أيضا على من يعرف أضرار ومفاسد هذا التشتت والضياع ولا ينبه سكان الحي عليه ويفضل الهروب من هذه المجموعات بدل البقاء وإدامة التذكيربهذه المضار. 
 قالوا قديما "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت" وأضيف لذلك الأن "أرني مجموعاتك أقل لك من أنت". 
دائما ما نصحني جدي ،رحمه الله،  بالابتعاد عن الشوارع واللعب بها وربما كان هذا أحد أسباب التزامي وحبي لقراءة الكتب التي لاحظت وتأكدت بعد تجربة أنها تفيد في تعميق الأفكار والاستفادة من الوقت اكثر بكثير من قراءة كل تعليقات الواتس والضياع في "ماجرياته" وتشتيت الوقت والذهن والعقل والنفس لذلك أنصح كل عزيز بالابتعاد عن الشوارع كل ما اتيحت الفرصة ومحاولة تصفح كتاب للحصول على صفاء ذهني أكبر وربما سعادة اكثر. 

<br/>

الخميس، 23 يوليو 2020

خلاصة كتاب - الماجريات لإبراهيم السكران

الماجريات هو ما جرى من الأخبار والأحداث وتعني اشتغال الناس بالأخبار والأحداث التي لا نفع فيها والتشتت في متابعة وسائل التواصل وفي تقصي الأنباء والشطحات العقدية والشذوذات الفقهية والتقليعات الفكرية والجدل حولها والانجرار لمطاردة المهاترات الفكرية والقضايا الصغيرة ومماحكاتها ومغايظاتها المتبادلة والدوران اللاواعي في هذه الدوامة الذي يفضي بالمرء الى الانفصال التدريجي عن روح العمل والتنفيذ والانتاج. 
هذا التشتت والإفراط ترتب عليه سلبا تدهورالشهية العلمية واستثقال القراءة الجادة والبحوث الطويلة مع قلة الصبر على الدروس ومجالس العلم وزيادة الرغبة في متابعة الاحداث السياسية والوقائع اليومية والمهاترات الفكرية ومشاغبات القضايا الصغيرة أما إيجابا فقد حصل نمو للوعي بالواقع واللغة السياسية وزيادة مخزون تفاصيل الاحداث.

النقد المطروح هنا هو لكبح المغالاة والإفراط وليس للتوقف كليا عن أي متابعة وللتنبيه بين معرفة الواقع وبين الغرق فيه والتمييز بين المتابعة المتفرجة والمتابعة المنتجة والتفريق بين المتابعة زمن التحصيل والتعلم والمتابعة زمن العطاء والانتاج إضافة للتمييز بين توظيف الألة لخدمة الإنتاج أو الارتهان للألة في التحول لمستهلك للمحتوى وأخيرا لمعرفة الفرق بين فصل السياسة ومرتبة السياسة. 

قديما ذكر العلماء الماجريات التي كانت في وقتهم ،مثل الكلام في جزئيات احوال الناس وماجرياتهم ومداخلهم ومخارجهم والكلام الفارغ ولهو الحديث، ونبهوا أن الطاقة الذهنية محدودة ويجب استغلالها وأن صحبة الماجرياتيين فيه ضياع للوقت وهو من خلو البركة. 
أما في الوقت المعاصر فقد ذكر الكاتب إدمان النت وإدمان التواصل الشبكي والتصفح القسري والأعراض الانسحابية وأن هذا الإدمان أغلب دوافعه هي الهروب النفسي من تعقيدات المهام والمطالب لتحاشي المشكلات الحقيقية او المتخيلة اكثر من إغراء المحتوى نفسه. 
من مظاهر الماجريات الشبكية المعاصرة التي شرحها: التصفح الملثم - العمى الزمني (فقد الإحساس بالزمن) - إدمان البيانات والإغراق المعلوماتي  - النبأ المتدحرج  (متابعة وتعليق ثم تعليق على تعليق دون تحديد وقت)  - لحظات التسلل  (عند ضغط العمل - عند الفراغ - وعند بداية العمل او حتى بدل التأمل والعبادة) - مجاراة النظراء والأصدقاء - المهاترات الشبكية ( متابعتة المهاترات والمماحكات الفكرية والقضايا الصغيرة) وغيرها من الأمثلة.
يعيد الكاتب التأكيد أن المطلوب هو التوازن في التعامل مع كل ما تم سرده وليس القطع الكلي. 

في الفصل الثالث يركز الكتاب على الماجريات السياسية كونها تأخذ حيزا كبيرا من حياة المفكرين ويفصل الفروق بين الأنماط الأربعة للعلاقة بين السياسة والخطاب الشرعي التي تشمل: (العلمنة - السلطنة - التعميم - التخصص) وشرحها ثم سرد أمثلة ونماذج للدراسة حتي يعايش القاريء الخبرات والتجارب كوسيلة تحفيز أو كما عبر عنها ل "تضميد الجراحات الدافعية". 

الأمثلة هي لخمسة أشخاص معروفين يشتركوا في أنهم مفكرين عاملين مصلحين مؤثرين في محيطهم ونماذج للحياة العلمية الجادة استغلوا وقتهم ولم تشغلهم الماجريات وهم:

- البشير الابراهيمي الذي ولد في الجزائر وعاصر الاحتلال الفرنسي وفرض اللغة الفرنسية اجباريا وتعاون الفرنسيين مع الطرقية الصوفية لتخدير الشعب وشراء ذمم بعض المنتسبين للعلم لتبرير تصرفاتهم. رأى البشير أن أفضل طريقة للمقاومة هي ثلاثة أمور (تعليم منظم - مأسسة العلماء - إعلام إصلاحي). فساهم في إنشاء جمعية العلماء الجزائريين وعملوا على بناء المدارس ونشروا مجلات علمية أهمها "مجلة البصائر" وعمل سنين طويلة على "روح الاستنهاض" ونشر الوعي.
أهم مكونات مثال البشير الابراهيمي هو التمييز بين لباب السياسة (بناء الأمة -العقيدة - الأخلاق - العلم - الوعي - العمل - الإنتاج) وقشور السياسة (الجدل السياسي بين التيارات الحزبية والانهماك في الجدل الانتخابي وسمسرة الأحزاب والمهاترات السياسية التي تشغل الشعب عن القضايا الحقيقية.)

المثال أو النموذج الثاني هو المفكر مالك بن نبي الذي ناقش مفاهيم الاستعمار والحضارة وصنع مفهوم "القابلية للاستعمار"  كما أكد على أهمية الأفكار ومركزية القيم الأخلاقية وأولوية العمل أو الفعالية. 
لاحظ بن نبي أن معظم المجتمع انخرط في الخطابات السياسية وتجاهل العمل الفعلي والانتاج على الارض وصار يتوهم أن الأحزاب وصناديق الانتخابات هي التي ستحل أزمات الواقع وترتقي بالمجتمع وتصنع التقدم والحضارة ولذلك انتهى إلى تشبيه الاستغراق في المطالبة السياسية المتكررة بالحقوق ،بدون عمل وإنتاج، بخرافات المتصوفة واطلق عليها لقب "الدروشة السياسية" حيث أن الدروشة الصوفية تبيع الحروز والتمائم والدروشة السياسية تبيع أوراق الانتخابات والأماني الخيالية. 
مالك شارك وتحمل المسؤولية وكان لديه جدية في المطالعة والقراءة إضافة لتركيزالتفكير والتأمل سعيا للوصول لفهم الواقع وتقعيد ظواهره وهذا لا يصدر عن شخص استسلم للماجريات. 

النموذج الثالث هو أبي الحسن الندوي (الندوي هو لقب لكل من اعتزى الى "ندوة العلماء" أي نسبة مدرسية لا عشائرية).
سؤال الندوي الأول وضعه في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟" ورسالة الندوي تناقش اشد حالات التصعيد في التورم الماجرياتي السياسي الذي تعدى الاهتمام المفرط بالصخب السياسي الى تأويل الاسلام نفسه بأن غرضه المشروع السياسي وقد نقد وعارض المودودي في هذه الأفكار.
الندوي كان شخصية فاعلة ومؤثرة وشارك في عدة مشاريع علمية مؤسسية. كما مر في سيرته مظاهر جدية صارمة في معاناة العلم وتاريخ الثقافات ما يزكي هذه التحذيرات من الانهماك في الماجريات.

النموذج الرابع كان مميزا مع عبد الوهاب المسيري الذي ألف العديد من الاعمال الكتابية سواء في دراسة وتفسير الظاهر اليهودية معرفيا أو نقد الحداثة الغربية ومنتجاتها الفكرية وأهم اعماله الموسوعة اليهودية التي استغرقت قرابة 30 عاما عانى فيها من رحلة للكويت اثناء الغزو لإنقاذ كتبه ومراجعه ومن تهديدات عديدة وسطو وسرقة على منزله في امريكا وتركه لعمله حتى يتفرغ للموسوعة ثم نسخه عدة نسخ منها وتوزيعها حول العالم لخوفه من سرقتها. 
عمل المسيري على استثمار المفاهيم التي طرحتها مدرسة فرانكفورت والمتأثرون بها مثل زيغمونت باومان الذي درس اطروحاته في نقد الحداثة وتأثر بهربرت ماركوز واليسار الجديد ثم بماكس فيبر وفرديناند تونيز الذي فرق بين كميونتي وسوسياتي (التي ترجمها ل مجتمع تعاقدي - مجتمع تراحمي) واستخدم مصطلحات الاغتراب والتشيؤ والتسلع والإنسان ذو البعد الواحد. 
يرى المسيري أن متابعة الأحداث والماجريات اليومية يجره لدوامة الحدثية فيشل قدرته على الإنتاج ويحوله لكاتب حدثي لذلك قرر أن تكون متابعته للأحداث ثانوية وقرر تحاشي كتابة الماجريات السياسية لذات الغرض وطرح مفاهيم تلخص أسلوبه مثل "الإنفصال المؤقت عن الواقع" ، "العزلة النسبية"  و"الإنغلاق النسبي". 

النموذج الأخير كان مع فريد الأنصاري الذي كتب رسالة الفجور السياسي لمناقشة ترسيخ الانحلال في المجتمع عبر التمكين للفساد الخلقي وزعزعة البنية الخلقية للمجتمع بينما الحركات الدينية تضخمت لديها دوائر الاهتمام بالماجريات السياسية ورهاناتها بدل التركيزعلى إصلاح الأخلاق ومواجهة هذا الإنحلال. ثم أصدر رسالة البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي التي تناقش إشكالية الاستغراق في الماجريات السياسية وتنقد المبالغة في هذا الاستغراق.
يصرح د فريد الانصاري أن أكبر خطأ وقعت فيه الحركة الاسلامية هو انشاء حزب سياسي لها حيث أشغلت الناس بهموم دنيوية وخطاب مادي بالدرجة الأولى وإنهماك في الماجريات السياسية ودعا لتجاوز التنظيمات الحركية إلى ما سماه "التنظيم الفطري" وللخروج من الحركات الإسلامية والتحليق في فضاء الدعوة العامة.

في الختام يلخص إبراهيم أن جميع المفكرين في الأمثلة أعلاه استغلوا وقتهم وأنتجوا وحذروا من الماجريات ويلفت الانتباه كيف أن الكثير يظن أن حمل هموم الأمة وقضاياها يستلزم الاستغراق في متابعة الواقع وأحداثه ولكن العلماء المصلحين وعمالقة الفكر في هذه الأمثلة وغيرها يتبنون رؤية نقيضة لذلك. 
يؤكد الكاتب على أهمية فهم الواقع سواء الفكري او السياسي واستيعاب أنماط تشكله وصيغ تفكيره وطبيعة احتياجاته وأن المطلوب هو التوازن في متابعة هذا الواقع ويعيد أيضا التذكير بمشاكل اللهاث وراء الماجريات الشبكية على حساب التحصيل والتفكر والإنتاج ويقدم بعض الحلول منها مفهوم الصوم عن الأخبار الذي بلوره أندرو ويل والذي يشابه ما فعله المسيري مثل "الإنفصال المؤقت" و"العزلة النسبية" إضافة لمحاولة التذكر المستمر لأهمية الوقت الذي يمضي ولا يعود وأن بعض العلوم لا يمكن تحصيلها بوقت قصير ولا يستوعبها عمر الشخص الواحد واستحضار هذه الأفكار قد يحفز الشخص للتركيز على العمل والإنتاج وعدم الانجراف للتفرج والمتابعة ومماحكة الماجريات. 



الخميس، 16 يوليو 2020

خلاصة كتاب - سيكولوجية الجماهير لغوستاف لوبون

غوستاف لوبون كتب في عدة مجالات لكنه يعتبر مؤسس "علم نفسية الجماهير" وأشهر كتبه تعلقت بعلم النفس الاجتماعي مثل كتاب "سيكولوجية الجماهير". 
هذا الكتاب اهتم بمسألة الجاذبية الساحرة التي يمارسها القادة او الديكتاتوريين على الجماهير والشعوب ويفيدنا وينبهنا عندما يشرح لنا جذور تصرفاتنا العمياء التي تدفعنا للانخراط في جمهور ما او التحّمس لزعيم ما فلا نعي ما فعلناه الا بعد ان نستفيق من الغيبوبة وربما جعلنا هذا أكثر حيطة وحذرا في الانبطاح أمام أي زعيم جديد. 

في مقدمة الكتاب يقول لوبون أن قوة الجماهير تنشأ عن طريق نشر بعض الافكار التي تزرع في النفوس ببطء ثم بواسطة التجميع المتدرج للأفراد من خلال الروابط والجمعيات ثم تتبلور الأفكار وتتشكل النقابات التي تبدأ بالضغط على السلطات. إن الأحداث الضخمة التي تنقلها كتب التاريخ ليست الا أثار مرئية للمتغيرات اللامرئية التي تصيب الأراء والتصورات والعقائد وعواطف البشر خلال انتشار تلك الأفكار. يؤكد لوبون أن أخر سيادة في العصر الحديث هي قوة الجماهير وجبروتها وإننا ندخل في عصر الجماهير. 

في الفصل الأول يعرف الجمهور بأنه مجموعة اجتمعت بتحريض معين وانصهروا في روح وعاطفة جماعية عابرة ومؤقتة تقضي على التمايزات الشخصية وتخفض من مستوى الملكات العقلية الفردية وتتمتع بخصائص محددة ومتبلورة تشكل كينونة واحدة وتصبح خاضعة لقانون الوحدة العقلية للجماهير ويغلب عليها تصرفات اللاوعي من أهم هذه الخصائص أيضا  ذوبان الشخصية الواعية للأفراد وتوجيه المشاعر والأفكار في اتجاه واحد حتى أن الفرد في الجمهور هو مشابه لشخص منوم مغنطيسيا.
أما أسباب ظهور هذه الصفات فمنها شعور الفرد بالقوة مع المجموعة ومن ثم انصياعه لغرائز الجماعة والعدوى العقلية والذهنية والانصياع لهذا التحريض لدرجة قد تصل لعدم الوعي وأحيانا هذا اللاوعي يصنع التاريخ الذي يحتاج تغييره الى بطولات لا واعية الى حد ما. 

في فصل عواطف الجماهير وأخلاقيتها يسرد الخصائص الأساسية للجماهير التي منها سرعة الانفعال والنزق، سرعة التأثر والتصديق والسذاجة، العجز عن المحاكمة العقلية، انعدام الرأي الشخصي والروح النقدية، المبالغة في العواطف والمشاعر، نسج الأساطير وتضخيمها، التطرف في المشاعر (كالنساء حسب تعبيره)، التعصب والاستبداد والنزعة المحافظة.  
الخطيب الذي يريد جذب الجماهير ينبغي ان يستخدم الشعارات العنيفة ويبالغ ويؤكد بشكل جازم ويكرر بدون إثبات أي شيء عقليا وعندما تترك الجماهير لنفسها فإنها تمل تدريجيا من فوضاها وتتجه لا اراديا نحو العبودية لقائد ويذكر لوبون أن الجماهير قد تكون مجرمة (كما كان يعتبرها الطبقات الاقطاعية) وقد تكون أخلاقية فاضلة كريمة نزيهة ومضحية. 

في الفصل الثالث يؤكد الكاتب أن الأفكار تستعصي على الجماهيرإن لم تكن بسيطة وهذه الأفكار تأخذ وقتا طويلا لتترسخ في نفوسها أوالخروج منها أما المحاجات العقلية فهي سطحية - تعميمية ولا يمكن التأثيرالكبيرعلى الجمهورعن طريق تفكير عقلاني ويستشهد بخطابات قادة كثيرين بأنها لتعبئة الجماهير وليست لمناقشة فلاسفة ومفكرين مثلا. بالنسبة لمخيلة الجماهير فهي لا تعرف معنى المستحيل - كالنائم في حلم. ما يدهشهم هو الجوانب الساحرة والأسطورية من الأحداث وطريقة عرضها.
يضرب في هذا الفصل أمثلة على نابليون الذي تظاهر بأنه كاثوليكي ثم مسلم ثم بابوي متطرف حتى يقوم بالتأثير على مخيلة الجماهير ونيل اعجابهم .

ينتقل الكتاب لنقاش العوامل البعيدة المكونة لعقائد الجماهيرفيصفها بأنها عمل طويل وبطيء سابق يدخل ضمنها التقاليد والزمن والعرق والمؤسسات والتربية والتعليم  ثم تأتي العوامل المباشرة أو القريبة التي تثير الجماهير وتجيشها وتهيجها فمثلا يذكر أن من العوامل البعيدة للثورة الفرنسية كان نقد الكتاب والمفكرين للنظام القديم وتجاوزاته عبر فترة طويلة ثم أتت عوامل مباشرة كخطابات الخطباء ومقاومة البلاط الملكي لإجراء اصلاحات زهيدة لم تعد ذات معنى. وينبه المؤلف هنا أن الانجليز والرومان نجحوا في الحفاظ على مؤسسات الماضي لفترة طويلة عن طريق تعديلها تدريجيا.
ينتقد لوبون نظام التعليم الذي لا يرفع مستوى الأخلاقية لدى الأشخاص ويقول أن اكتساب المعارف التي لا يمكن استخدامها هو وسيلة لتحويل الانسان الى متمرد. 

يسرد الكتاب العوامل المباشرة لتشكيل أراء الجماهير مثل الصور والكلمات والعبارات أو الشعارات (مثال: اشتراكية، مساواة، قومية) ثم الأوهام فمن يعرف إيهام الجماهير يصبح سيدا لهم ومن يحاول قشع الأوهام ربما يصبح ضحيتهم ثم يأتي عامل التجارب التي عاشها الشعب مثل الحروب والنزاعات وغيرها.
الجماهير تضع نفسها بشكل غريزي تحت سلطة زعيم ما وهؤلاء القادة ليسوا في الغالب رجال فكر ولايمكنهم ان يكونوا باستثناء من لديه عقيدة أو إيمان قوي وإرادة دائمة قوية، وهذا شيء نادر. القادة هم رجال ممارسة وانخراط ووسائل تحريكهم للجماهير هي: التأكيد  القاطع بدون برهان- التكرار حتى الانغراس في اللاوعي ثم الإيمان الذي يؤدي لتشكل تيار الرأي العام. عدوى إيمان الجماهير تنتشر مثل الجراثيم حتى انها تنتقل عبر الطبقات الاجتماعية الدنيا الى العليا. 
أما وسائل التحريك اللحظي المؤقت كمظاهرة مثلا أو متراس فالقادة المحركين بحاجة لقوة الكاريزما أو هيبة شخصية لتحريض الجماهير.
فرق لوبون بين الكاريزما - الهيبة الشخصية الطبيعية ،التي يملكها نابليون مثلا، وبين الهيبة الموروثة الاصطناعية التي تكون بسبب ثروة أو اسم عائلة أو لقب أو منصب وقد تختفي الهيبة مع الفشل والأشخاص الذين عرفوا المحافظة على الهيية ابتعدوا عن مناقشة الجماهير وأقاموا مسافة بينهم. 
من التحليلات التي تحوي مفارقات أن عقائد الجماهير تأتي من افكار عليا (فلاسفة أو مفكرين غالبا من طبقات المجتمع العليا) ظلت غالبا لفترات دون تأثير واستولى عليها قادة مسحورون بها ونشروها في أوساط الجماهير لتصبح شعبية ثم تعود وتؤثر على تلك الطبقات العليا بعد موت صاحبها بوقت طويل. 

يقول لوبون أن رأي الجماهير يميل الى ان يصبح هو الموجه الأعلى للسياسة وينوه ان التطور وسرعة تغير اراء الناس الذي حدث خلال 30 عاما (في وقته) مدهش الى أبعد حد حيث أن كل الأراء تفقد هيبتها وتبلى بسرعة والأفكار التي تلهب حماستنا نادرة والانسان الحديث مصاب باللامبالاة اكثر فأكثر. 

في الفصل الأخير يذكر الكاتب أصناف الجماهير سواء المتجانسة التي تجمعها روابط عسكرية أو دينية مثلا أو غير المتجانسة مثل محلفي محكمة الجنايات أو جماهير الانتخابات ويضرب أمثلة مفيدة بهذا الخصوص نشاهدها حتى وقتنا الحالي خاصة في ما يتعلق بالانتخابات والمرشحين وتنافسهم والتصويت والبرلمانات التي تعطي أهمية عالية للفصاحة الخطابية على حساب الفكر ويؤكد أنه على الرغم من كل صعوباتها فإن المجالس النيابية تمثل افضل طريقة وجدتها الشعوب حتى الأن من اجل حكم ذاتها ثم بشكل اخص من اجل التخلص من نير الاستبداد والطغيان الشخصي ونبه أن ما يهدد المجالس النيابية خطران هما التبذير الاجباري للميزانية والتقييد التدريجي للحريات الذي بدوره يقلص الطاقات والحوافز ويضخم دور الحكومات فتصبح تدريجيا سلطة استبدادية وهذه لن تدوم. من وجهة نظر لوبون فالحضارات تبنيها وتوجهها النخب المثقفة القليلة العدد وربما كان مجيء عصر الجماهير يمثل احدى اخر مراحل حضارة الغرب. أيضا حذر لوبون ،في ذلك الوقت، من انتصار الاشتراكية لأن نزوات السيادة الشعبية ستكلف ثمنا غاليا جدا.

 أشار الكاتب أن مظاهر التحلل والاباحية توهم بعض الشعوب بامتلاك الحرية وهو لا يعتقد بدوام الحضارة في شعب أو عنصر ما بل أن مسار الحضارة متغير ومتنقل عبر التاريخ.
 وختم الكتاب بتحليل دورة حياة الشعوب ،تحليلا يذكرنا بما كتبه ابن خلدون منذ قرون، وكيف انها تتحول من أفراد الى جماهير متفرقة الى شعب واحد ثم وصول للقمة وبعدها توقف ثم فقدان المثال الاعلى القديم الذي جمع هذه الجماهير وتتلاشى القوى الاخلاقية التي كانت تملك زمام المبادرة فيحصل انحلال  لجماعات اصغر أو افراد معزولين. (انتقال من حالة بربرية لحضرية عن طريق ملاحقة حلم ما ثم انحطاط وموت عند فقد الحلم قوته).

Portrait of a man in his thirties with swept back hair and a large beard
غوستاف لوبون
ملاحظة:  الكتاب نشر عام 1895 وترجمة الكتاب لهاشم صالح عام 1990.

الثلاثاء، 21 أبريل 2020

خلاصة كتاب - الحياة السائلة

الحياة السائلة هو كتاب للفيلسوف وعالم الاجتماع زيغمونت باومان.

يعرف باومان العالم السائل بأنه عالم حديث تتغير ظروف أفراده بسرعة لا تسمح باستقرار الأفعال في عادات وأعمال منتظمة. هذه التغيرات تحدث بسرعة شديدة خطيرة يحياها المرء في حالة من اللايقين والخوف من أن تأخذه بغتة أوالفشل في اللحاق بالمستجدات. الحياة السائلة هي حياة استهلاكية مستمرة ومنتج ضخم للنفايات ويكثر بها من ينعم بالثراء المادي والفقر الروحي حيث يجري الكثير خلف سراب مستمر. 

يذكر الكاتب في الفصل الأول "الفرد تحت الحصار" مفارقة الفرد والجماعة حيث يجب تميز الفرد ولكن الجماعة تتطلب تشابهه معها وهذه معضلة محيرة ثم يفصّل مواضيع الهوية التي تصارع لتحرير نفسها بين حدين متطرفين: الفردية والانتماء الكلي. الفردية يتمناها المرء ولا يدركها والانتماء الكلي هو بمثابة ثقب أسود يبتلع كل ما يقترب منه.

الهوية أصبحت محصلة جهود يبذلها الفرد وحده وينشغل بها ويضيفها لنفسه وهي مؤقتة. حرية الباحث عن الهوية كحرية راكب الدراجة، إن توقف عن تحريك الدواسة سقط ولا بد من الحركة للاستمرار، ضرورة الاستمرار مأزق بلا اختيار ولكن البديل هو أسوأ. ثم يتطرق الكاتب لتغني الطبقات المثقفة والنخبة بالهوية مع انعزالهم وابتعادهم والهوة الكبيرة بينهم وبين الأخرين.

في الفصل الثاني " من الشهداء إلى الأبطال ومن الأبطال إلى المشاهير" ينبه باومان ل "عدوى المحاكاة" وهو السلوك المحتمل لكل المتفرجين والمشاركين بحماسة في الحدث وعلاقة ذلك بالغرائز والدوافع الوطنية التي يمكن أن تباع حاليا لأعلى مزاود من أصحاب سلاسل المطاعم ومنظمي المباريات الرياضية ومديري الوكالات السياحية وكيف يتحول الأفراد إلى "مستهلكون سعداء قابعون داخل المواطنين".

كلما تقدم المجتمع الحديث السائل تراجع الشهداء والأبطال الذين يجدون مأواهم الأخير حاليا بين الشعوب التي تحارب ،حربا خاسرة، ضد قوى عسكرية ومالية عولمية رهيبة تحاصر الأراضي البكر الباقية لتغرس نموذج "حياتها الجديدة". أما هؤلاء الأبطال فغالبا ما يصبحون أداة أو مجندين في أيدي مستغلين محتالين.

الفصل الثالث بعنوان "الثقافة خارج السيطرة والإدارة" يشرح مسببات اغتراب الفرد الحديث عن العالم ومنها مرونة القواعد وميوعة القيم وتعارض الاستهلاك الصارخ مع الإبداع الثقافي ويضرب أمثلة كيف أن السوق الاستهلاكية تروج للتداول السريع للأشياء وتحويلها لنفايات لرميها بسرعة وأن الفن الجيد والفن السيء قد تقرره الصالة الفخمة ذات الإسم اللامع إضافة لتحول العلامة التجارية لقيمة وتلك العلامات التجارية صارت تمنح للرمل والقمح والمعادن ومواد وسلع كثيرة لا نهائية كان يعتقد انها محصنة ضد هذه العملية.

حتى الفن الحديث يحوي الكثير من القص واللصق والتناقضات والتفتت الذي يعكس التجربة الحديثة السائلة حيث أن المضمون والمعنى تحول ل "لحظة خاطفة".
أما بالنسبة للإدارة فغالبا ما تصبح قمعا لا موجب له. والعلاقة بين المدير والمدار هي علاقة صراع في جوهرها والمعايير التي يوظفها المديرون ،سماسرة السوق، تجاه القصًر تحت وصايتهم في عمليات التقويم والضبط والثواب والعقاب هي معايير استهلاكية تسويقية تحتفي بالاستهلاك والاشباع والربح الفوري.

الخوف والأمن والمدينة هو عنوان الفصل الرابع ويصرح به الكاتب أننا عاجزون عن خفض السرعة المذهلة التي يسير بها التغيير حيث ينهمك البعض في تحصين أنفسهم من الأخطار ، المألوفة وغير المألوفة، بحبس النفس وراء الأسوار واستئجار حراس وكاميرات وألبسة وسيارات ضخمة ولكن كل هذا يؤكد شعور الاضطراب ويولد المزيد منه فكل قفل اضافي بعد شائعات جريمة وكل تعديل للنظام الغذائي بسبب "الذعر من الطعام" يجعل العالم يبدو أكثر إثارة للهلع والفزع وتستمر المخاوف في استمداد قوتها من نفسها. الحماية من الخطر كان حافز أساسي لبناء المدن التي تميزها الجدران والأسوار العالية. ولكنها منذ مائة عام تقريبا ترتبط بالخطر ،لا الأمان، فحياة المدينة تتحول للرعب وهيمنة الخوف والغرباء. أكثر أشكال الأسوار الدفاعية شيوعا هي المجمعات السكنية ،المتزايدة، المغلقة بالبوابات والحراس والكاميرات أو التي تتبع طريقة الترهيب بواجهات مهيبة.

بعد بيان أن الشركات الضخمة أصبحت كيانات عملاقة مفترسة تستولي على الأسواق وتستخدم القوة الاقتصادية للحصول على ما تريد يركز الكاتب في الفصل الخامس على المستهلكين في مجتمع حديث سائل يحكم ويقيم أعضائه بقدرتهم الاستهلاكية وما يتبعوه من سلوك استهلاكي. يقوم المجتمع الاستهلاكي على وعد اشباع الرغبات ولكن وعد الاشباع لا يحتفظ بسحره إلا بعدم الاشباع. فالوصول للاشباع التام هو نهاية المجتمع الاستهلاكي. عدم الاشباع هو محرك الاقتصاد المتمركز حول الاستهلاك والمستهلكين المترفين لا يعبؤون بالقاء أشيائهم في عالم النفايات ولا يأسفون أبدا بل يفعلوا ذلك بأريحية وأحيانا برغبة ولذة غير معلنتين فالرمي يعد بالتجديد وتجارب حسية جديدة لذلك المجتمع الاستهلاكي هو مجتمع اسراف وتبذير.
المتلازمة الاستهلاكية التي تغزو العلاقات والروابط بين البشر تتجاوز الانبهار بملذات الطعام والشراب والملذات الحسية وتقوم في المقام الأول على نفي شديد لفضيلة الصبر وإرجاء الرغبات (وهي مبادئ المنتجين) وأصبحت الفضيلة هي الاستجابة لسحر السلع والرغبة الإدمانية في شراءها أما اللامبالاة بهذه السلع أوعدم امتلاك الموارد فتمثل خطايا يجب استئصالها أو رفضها في مجتمع المستهلكين الذي تتفكك به حتى الروابط الأسرية ويصبح الأطفال مستهلكين

يطرح باومان مواضيع العلم والمعرفة في الفصل السادس "تعلم السير على الرمال المتحركة" حيث يشبه التعليم السائل بالقذائف الذكية التي تغير اتجاهها بشكل مستمر لتحديد الهدف مقارنة بالتعليم الصلب الذي كان يحدد الهدف مسبقا. التعليم السائل يجب استمراريته مدى الحياة لحصول التمكين وتحقيق الأهداف وجعل العالم أفضل وأكثر رحابة والا اصبح بلا فائدة. في هذه الأزمنة الليبرالية الضارية يقبل التعليم الذاتي بخطاب يبيح للدولة التنصل من مسؤولياتها في توفير التعليم الجيد الذي هو حق أصيل لكل مواطن في مجتمع ديمقراطي.

الديمقراطية في خطر لأن الأفراد عاجزون عن ترجمة تعاستهم الفردية الى اهتمامات عامة مشتركة وأفعال جمعية. فالشركات أخذت تشكل محتوى أغلب الإعلام السائد وخصخصة الفضاء العام وتصبح المشاركة المدنية ضعيفة وعاجزة تدريجيا مع تواري القيم العامة. المستهلك عدو المواطن والكثير بدأ يدير ظهره للسياسة بلا مبالاة في خضم الحياة الاستهلاكية .

يجب معرفة أن الحريات ليست ممتلكات يكتسبها المرء مرة وللأبد وليست في أمان بل لا بد من رعايتها يوميا بخبرة المواطنين المخلصين وعلمهم وأفعالهم الواعية وإلا جفت وتهمشت لذلك تعليم المواطنة هو مستمر مثل التعليم التقني.

الهيمنة عبرغرس الجهل واللايقين أرخص من السيطرة القائمة على النقاش الدقيق والجهد الدؤوب للاتفاق على الحقائق وأمام هذا الجهل من السهل أن يشعر المرء بالضياع والحظ السيء ومن الأسهل ان يحل به الضياع والحظ السيء بدون أن يشعرفالجهل يفضي إلى شلل الإرادة.

في ختام الكتاب "التفكير في أزمنة مظلمة" يذكر باومان مقولة الشاعر البولندي تشيسلاف ميلوش: "إن المفكرين والفنانين الذين يختاروا أو يضطروا للمنفى يبصرون أزمة البشر التي لم يكن لهم أن يبصروها لو أنهم ظلوا في الداخل”. ثمة نعمة في ثوب نقمة تمثلها العزلة والغربة والاغتراب.

بعض الحلول التي طرحها عبر الكتاب هي التسلح بكلمة "لا" لنفي ورفض السيولة والاستهلاك المذكور والعزم على تغيير الأمور بجهد متواصل والتسلح بمعرفة الخير والشر والتصور المستقبلي وإعادة الروابط المتينة والصداقة والثقة ومهارات التفاعل البشرية إضافة لتفعيل المجال العام للمشاركة الدائمة لا اللقائات العابرة العارضة وجعله مجالا للحوار والنقاش والمواجهة والاتفاق. وصنع فضاء عام عولمي جديد وسياسة كوكبية حقيقية مع مسؤولية واعتراف جمعي باعتمادنا على بعضنا من اجل حاضرنا ومستقبلنا.



الاثنين، 2 مارس 2020

المسؤولية الاجتماعية في المجال التقني. IT Social responsibility


المسؤولية الاجتماعية Social responsibility هي واجب يقع على عاتق أي كيان، سواء كان منظّمةً أو فردًا، للعمل لمصلحة المجتمع ككل والتي بالتالي ستعود لمصلحة الفرد وأسرته والمقربين منه. 
هذه المسؤولية يمكن أن تكون سلبية، عبر الامتناع عن مساعدة وتشجيع الاستبداد والأعمال الضارة، أو ايجابية من خلال القيام بأفعال لمصلحة المجتمع او ضد مصالح الأشرار والمستبدين والأنظمة الديكتاتورية القامعة والقاتلة لشعوبها. هذه المسؤولية أيضا يمكن تأصيلها كهدف أو واجب أساسي في جميع الديانات أو في جميع الايديولوجيات سواء الدينية او غير الدينية. 
لقد أثبت التاريخ والحاضر في عدة أمثلة واضحة أن الظلم يعم ويزداد عند السكوت عنه، فما بالك بالتعاون معه؟.
قد تكون أنت وأسرتك بأمان اليوم وربما تستفيد بشكل ما مما يحصل ثم تدور الأيام دورتها سواء الأن أو على أبنائك من بعدك وتعود دائرة الظلم عليهم إذا لم تقف أو حتى تحاول ايقاف هذا الظلم بأي وسيلة ممكنة حتى لو كانت مجرد عمل صغير جدا.  هذا الالتزام يشجع الأفراد والشركات على تحسين العالم بشكل مستمر بفوائد تعود على الجميع. 

من هذا المنطلق يمكن القول أن لكل مجال عمل مسؤولية اجتماعية وكوننا نعيش في عصر التقنية والمعلومات فهناك حصة كبيرة من هذه المسؤولية على الأشخاص التقنيين وكل من يعمل في هذا المجال.
قد يتساءل البعض وكيف يمكن ذلك؟ 
كيف تستخدم التقنية لمحاربة الاستبداد والانظمة القمعية ومن يدعمها بطرق قانونية بسيطة وبدون خبرة تقنية عالية ...
الإجابة عن هذا تتعدد ولكن في ما يلي بعض الأمثلة مما استطعت التفكير به وسيتم الإضافة عليه لاحقا:

- نشر اي محتوى أو وعي ضد المستبد.
- مقاطعة الشركات التقنية (وغير التقنية) التي لها علاقة بالمستبدين أو في مصدرها بلاد الظلم والاستبداد وعدم شراء منتجاتها أو على الأقل إعطاء الأولوية لشركات غيرها. 
- عدم التعاون مع التقنيين الداعمين للمستبدين أو توظيفهم والامتناع عن الانخراط في أعمال قد تساعد أولئك المجرمين في إيذاء الأخرين.
- الرد أو التبليغ عن الذباب الالكتروني الخادم للديكتاتورية أو الذي هدفه إلهاء وتشتيت الجماهير عن المواضيع المهمة.
- الضغط على زر عدم الاعجاب او على الاقل تجنب وضع لايكات لمشهورين داعمين للمستبد أو مشتتين للرأي ومن ينشر التوافه الغير مفيدة.
- الضغط على إعلانات الجهات الفاسدة المستبدة او داعميها بدون الشراء منهم. (لتكبيدهم مبالغ الضغط على الاعلانات ونفاذها بسرعة)
- تشغيل قنوات البث أو أي محتوى يستهلك بيانات (ترافيك) بشكل عالي من سيرفراتهم بدون مشاهدتها. وعمل ذلك من اكثر من جهاز iptv إن امكن.
- التبليغ عن اي محتوى يمكن الشكوى عليه في حال كان الناشر داعما لنظام ديكتاتوري قمعي.
- شراء البضائع والخدمات من مصادر معروفة بابتعادها عن الاستغلال وتحكيم مبدأ ال Ethical sourcing أو اعتبارات التعامل والشراء الأخلاقية أو اعتبارات أخلاقيات مصادر الانتاج (لم أجد تعريب قطعي  لهذا المصطلح مع العلم انه منتشر جدا في الغرب ولكنه ليس منتشرا في البلاد العربية وهذا مؤشر سيء) 
- عدم فصل المسؤولية الاجتماعية عن التخصص بحيث يمنعك ذلك التخصص المهني من فضح الجريمة أو حتى الإشارة لها. 
- عدم نشر اي محتوى يفيد المستبد او يشتت انتباه الناس عنه في حال كان يرتكب أعمال اجرامية.
- نبذ من يدافع عن المستبدين والديكتاتورية في المجموعات الاجتماعية وعزلهم وإبعادهم حتى لا يعملوا على ضرر الأخرين في تلك المجموعات أو نقل بيانات ومعلومات تضر بهم لجهات أخرى. 
- التبليغ عن مواقعهم وخدماتهم لحكومات الدول الديمقراطية في حال كان هناك مقاطعة وكانت مواقعهم في تلك الدول الحرة الرافضة للاستبداد.
- المشاركة في أي إعلام أو فرصة تقنية لإظهار مساوئ  وفضح تلك الأنظمة الإجرامية. 
- طرح ومشاركة المزيد من الأفكار والطرق.
قد تبدوا بعض هذه الأعمال صغيره وغير ذات أهمية لكن بزيادة العدد واستمرار العمل  تكبر النتائج التي قد لا تكون محسوسة بشكل مباشر احيانا.

Business, Idea, Style, Concept, Goals, Guidelines

السبت، 22 فبراير 2020

خلاصة كتاب أسس التقدم عند مفكري الاسلام ل د. فهمي جدعان

أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث للدكتور فهمي جدعان هو مرجع لنظريات وأراء المفكرين في الشأن العربي والإسلامي في الأزمنة الحديثة.
يبدأ الكتاب بسرد المراحل الثقافية – الاجتماعية كما نظر لها ابن خلدون وهي  1- تنوير ديني وبناء حضارة 2- توقف حضاري وتوازن 3- اختلال التوازن والانحطاط 4- اليقظة والنهوض. 
 يعرف الكاتب التقدم على أنه فكرة تعبر عن مفهوم اجتماعي - تاريخي - معياري أخلاقي  (نسبي) وهو مرتبط بالتطور والتغير (هو تغير مرتبط بقيمة) وهو اقدم من الثورة العلمية الصناعية والفلسفة الداروينية.  وعبر العرب سابقا عن التقدم بكلمات مثل الترقي والتمدن أوالتحسين والفوز والصلاح. وينبه الكاتب أننا غارقون في مفهوم علمي - تكنولوجي خالص للتقدم بمعنى أن التقدم العلمي مرادف للتقدم الإنساني وليس بالضرورة الربط بين الإثنين.

 في الفصل الأول "ميتافيزيقا التقدم" يذكر الكاتب اختلاف الأراء القديمة في تقييم العصر ونظرتها السلبية أو الإيجابية للمستقبل والعلوم مع ملاحظة الكاتب للفلاسفة المقربين من الحكام (الكندي - ابن سينا - الغزالي - ابن رشد)  مقابل غيرهم مثل (السجستاني - التوحيدي – الفارابي) كما يذكر أن التقدم أنواع (ثقافي - كوني - روحي ...) والذين حملوا في نفوسهم الأمل بالتقدم كانوا نخبة شبه معزولة اجتماعيا.
 في ما يلي أبرز المفكرين وأفكارهم بهذا الخصوص : 
- الجاحظ  ينعت عصره بالكفر الذي اتى بعد التوحيد ثم الفجوروللتغيير يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
- الطرطوشي يقول "ذهب صفو الزمان وبقي كدره فالموت تحفة كل مسلم". 
- الغزالي اعتقد بالفساد والتدهور ثم التجديد في دورة مئوية. 
- ابو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي دافع عن الفلسفة وتعلمها. 
- الفارابي وابن رشد قررا ان كل شيء في الفلسفة قد قيل في عصرأفلاطون وأرسطو. وهذا حد من الابداع الفلسفي الخالص عندهما.
- السجستاني: صيرورة الكون وتحوله يتم في كل ساعة وهو في تطور مستمر نحو الخير والكمال والمستقبل أفضل.
- ابن سينا ادرك ان الهداية ليست محصورة بمن سبق فقط والحقيقة لم تستنفذ وفي الوسع البحث الدائم عنها. 
***
في الفصل الثاني "الحقيقة والتاريخ" ينتقل الكاتب لسرد الأراء التالية: 
- الماوردي  كان لديه نظرة توازن بين الدين والدنيا لأن الإنسان بحاجة للتحكم في دنياه للتزود منها لأخرته والتي كانت مخالفة لفكرة  "الخلاص شخصي" عند الغزالي فالعاقل هو الذي لايشتغل بدنياه إلا لاستعداده لمعاده وهي تمضي كالظل. أما مقاصد التكليف عند الماوردي فتنصب على النفع للإنسان وبالنسبة للعلاقة بين الفرد والدنيا فهي جدلية طردية.   
- الطرطوشي أيضا جرى على نفس شعورالغزالي  بمقت الدنيا والعدول عنها لشؤون الأخرة. 
- ابن خلدون انتبه لمرور مراحل النهوض والانحطاط  ولاحظ أنه قد اذن للعمران الذي سبق بالانقراض لحتمية ذلك في نظره وتحول فكره للواقعية و لمنطق العقل الصارم. يرد جدعان على الجابري في ادعاءه ان ابن خلدون كان لا يهدف للتعرف على قوانين الاجتماع ويؤكد أنه كان يريد الكشف عن القوانين التي تتحكم في الصيرورة - التاريخ. 
- البرت حوراني قال أنه يمكن تغيير حتمية ذلك الزوال بتبديل عصبية ابن خلدون لشريعة دينية ويذكر الكاتب أن هذا ممكن قبل التحول للملك. 
- نظرية العوائد عند ابن خلدون تتكلم عن تغير طبيعة الناس وعوائدهم ومزاجهم -نفسياتهم وسيكولوجيتهم - فما يألفه الانسان يسود على طبعه ويصبح خلقا وملكة وعادة تنزل منزل الطبيعة والجبلة.
- يذكر الكاتب أن أحد أسباب الانحراف وعدم لحاق الثورة الصناعية في فترة تطور المجتمع العربي الاسلامي الكلاسيكي هو تحقير الحرف اليدوية والعملية هابطة بأصحابها لمراتب دنيا. 
 ***
الفصل الثالث الدخول في الأزمنة الحديثة:
- لاحظ ابن خلدون 1400م أن دولة العرب وأيامهم قد درست وانتهت.
- انتقل الحكم  للأتراك الذين حولوا اللغة الرسمية  للتركية وبقيت الدول العربية بمشاكلها المزمنة والأنظمة الاجتماعية والاقطاعية  وبسبب الحروب التوسعية (وليست الدعوية) زادت الضرائب المدفوعة لذلك الجهد العسكري. 
- دخل العالم العربي الأزمنة الحديثة باعتباره جزء من الدولة العثمانية وواجه ما واجهت وعند سقوطها وجد نفسه ضعيفا ممزقا مستعمرا في مواجهة معركة التقدم. 
- في بدايات القرن التاسع عشر كان الأزهر يكتنفه الجمود والتقليد وناس يغلب عليهم التصوف والخرافات ولم يكن هناك اثر يذكر للعلوم الطبيعية واهمل امر المدارس وامتد ايدي الاطماع لأوقافها حتى توقفت وانتهبت وتشابه الوضع في بلاد الشام. 
- الشيخ حسن العطار بعد حملة نابليون يذكر: " إن بلادنا لا بد ان تتغير احوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها" (يقصد التقدم العلمي) وسعى في ارسال تلميذه الطهطاوي لباريس الذي عمل عند عودته على طبع المقدمة والبحث عن سبب انهيارالامم وبنائها وكيف السبيل للتمدن والتقدم وعكس أراءه في "تخليص الابريز في تلخيص باريز" و"مناهج الألباب المصرية في مباهج الأداب العصرية". 
- الطهطاوي يقول أن التمدن أصلان: معنوي في الاخلاق والعوائد والأداب للوصول لفعل الخير للجميع ومادي هو الاشتغال بالعلوم والمنافع العمومية (اندوستريا) والبراعة والمهارة في العمل والصناعة.
- خير الدين التونسي عضو المدرسة الحربية والزيتونة  ربط بين التقدم العمراني وبين العدل والحرية. فتقدم المعارف يحتاج مؤسسات معتمدة على العدل والحرية أو "منظمات مؤسسة على العدل السياسي"  مشابهة لغيرنا ممن تقدم. 
 - محمود قبادو (تونس) ،"مكتب العلوم الحربية"،  الذي يلاحظ تقدم السلاح الغربي. وتوقف خوف الغرب من الدولة الاسلامية بعد استحداث " الصواعق الصناعية" أي الاسلحة النارية الفتاكة. وذكر أن تلك هي سنة التداول التي تأتي لصالح من يسعى ويعمل. (ذكر قبادو المرايا المحرقة وبصريات ابن الهيثم) وأهمية العلم.
- قبادوا نظر للموضوع نظرة مباشرة بالعلم تحصل القوة والتفوق المباشر بينما الطهطاوي قال بالحاجة لعملية  تنسيق وتكييف لما تؤثر به الحياة الصناعية التقدمية في الحياة الدينية والروحية. 
-  أحمد بن أبي الضياف 1876م المتأثر بابن خلدون وبخير الدين التونسي. تحدث عن انواع الملك: -المطلق القهري وهو يعارضه الشرع والعقل- الجمهوري حين يقدمون شخصا باختيارهم لفترة معينة كما في بلدان أمريكا وغيرها - والملك المقيد بقانون شرعي او عقلي سياسي.
- محمد بيرم التونسي عاصر خير الدين وابن الضياف ولاحظ ما لم يلاحظوه من خلل في النظام النيابي الفرنسي من رشوة لبعض المناصب واعتقادات بخرافات باطلة في الغرب كحلول الأرواح والبخت حيث كان البعض ينزهها وهي حاوية لخرافات مشابهة لما في الشرق. 
- جمال الدين الأفغاني ت 1897 جاء في زمن الاستعمار وأغرته فكرة توحيد الأديان السماوية الثلاثة الموسوية والعيسوية والمحمدية لما لاحظ من الاتفاق بينها.  ثم رجع عن ذلك وادرك ان الداء هو "انقسام سكان الشرق وتشتت ارائهم واختلافهم على الاتحاد واتحادهم على الاختلاف" رغم مرورهم "بأوقات نحسة" ويقفون على شفير الهاوية والخطر. والخلل هو مااعترى العقائد من خلل وتشويه وهذا سبب الضعف والتخلف.  
- بالنسبة للأفغاني فأسباب الانهيار الخارجية هي (حروب الصليب والمغول والتتر والغرب) والأسباب الداخلية(التوسع العثماني والمسألة الشرقية - سياسية التتريك في المنطقة العربية - غياب العدل والشورى - دخول العنصر الأجنبي وتراخي العصبية -الانغماس في السفه والترف والبذخ والسرف  وحرص المسؤولين على طيب المطعم ولين المضجع وتطاول في البنيان - وتردي الأخلاق وذهاب الفضيلة بشكل عام) 
- التمدن المادي هو ليس تمدن حقيقي فتمدن الحروب هو جهل وهمجية وتوحش. التمدن هو ذو بعد أخلاقي إنساني.  لذلك الغرب يتقدم ماديا اما إنسانيا فهم فيه صنوان والجميع متأخر. 
- علي يوسف يرى أن "التمدن دهري" و"المدنية دائمة مستمرة في الوجود تابعة لوجود الانسان مرتقية بارتقائه" وتعريف التمدن هو " الكمال للمجتمع الانساني" أو هو "تمام نظام الهيئة الاجتماعية" 
- عبد الله النديم وهو مصري معاصر لعلي يوسف وقع ايضا في اغراء التركيب بين الاسلام والفكر الغربي وقال أن الأشياء تتميزبضدها وأسباب التقدم الغربي الرئيسية هي توحيد الممالك والسلطة والجامعة الدينية والمحافظة على هذه الوحدة. إضافة لعوامل فرعية هي: 1- حرية الكتاب في نشر الافكار بعكس الشرق 2- الاستثمار في الصناعة والتجارة مقابل الملذات والشهوات أوالاستيراد في الشرق 3- تشجيع الاختراعات والصنائع النافعة مقابل الاهمال 4- مكافحة الأمية مقابل ترك العلم توهما ان انتشاره يهدد أنظمة الحكم 5- الأخذ بنظام المجالس والنواب والشورى مقابل الاستبداد 6- إحداث الأمم الأوروبية لمجالس السمر الفكري والأدبي والمدني العام مقابل مجالس الشرقيين من غيبة ونميمة وشهوات. يقرر النديم أن "الدين الاسلامي كان السبب الوحيد في المدنية وتوسيع العمران أيام كان الناس عاملين بأحكامه" ويحث على قيام العلماء بالنهوض والارتفاع بالأمة. 
- علي مبارك  يقول ببساطة وتبسيط أن "اتساع دائرة العلم والمعلومات" هو الذي نقل البلاد لأورباوية من حالة التوحش والخشونة لدرجات الكمال والسطوة والاعتبار. إضافة لنمو الثروة وزيادتها والتقدم في الفلاحة والتجارة والصناعة والملاحة. وسبب التخلف هو انحسار تعظيم العلم وأهله وانحراف الخلف عن سيرة السلف في نبذ مصالح الأمة وجريهم وراء شهواتهم الخاصة.  يتفق علي مبارك مع خير الدين في ان العلم والعدل أساس التقدم والجهل والظلم أساس التقهقر.

                                             ***

الفصل الرابع - التوحيد المتحرر
- يذكر الكتاب أن نشأة التصوف ترتد لظاهرة الفساد الاجتماعي والسياسي في الحياة الاسلامية اضافة لظاهرة "العقلنة" المسرفة التي تجلت في علم الكلام والفلسفة الهيلينية بينما قلل أهل السنة من شأن الفاعلية الانسانية الحاسمة على الأرض مقابل المعتزلة الذين انتهوا الى الغلو في تمجيدهم لصورة مجردة لله وللإنسان. وصاحب هذا كله تقهقر سياسي واجتماعي وفوضى وفساد. 
- حاول مفكرين محدثين اصلاح علم الكلام بالتأكيد على ان المطلوب ليس هو العلم بوجود الله بل الاتصال وتجديد الصلة به (محمد اقبال - بن نبي  - محمد عزيز الحبابي وعثمان أمين وقبل ذلك محمد عبد الوهاب وقبله ابن تيمية) 

- علم الكلام لم يؤلف به جديد يذكر منذ القرنين الثالث والرابع الهحري حتى ظهرت "رسالة التوحيد" لمحمد عبده. 
- محمد عبده: سلطة العقيدة والوجدان على الانسان اقوى من سلطة العقل فهي تكبح الشهوات وتحثه على الخير وتذكره بالله.  أما المذهب السائد في الاسلام فهو التوسط بين الجبر المطلق والاختيار المطلق. بالنسبة للانحطاط فسببه لا يرجع للعقيدة الاسلامية بل لانقلاب الصورة الاصلية لها وتوقف فاعلية أهلها انفسهم. 
- الكواكبي: الجبرية والزهد موجودين في جميع الديانات لتحد من شره الطبيعة البشرية في طلب الغايات ولكن معظم المسلمين لجؤوا للقدر والزهد عندما غلب عليهم  جهل الاسباب والمسببات الكونية والعجز عن كل عمل. 
- حسين الجسر: تصدى لمجابهة العلم الحديث فكتب الرسالة الحميدية و الحصون الحميدية للتصدي عقليا - برهانيا للفلسفات الجديدة. 
- ثلاثة رواد ساروا في طريق الجسر وكان كتاباتهم مشهورة في النصف الأول من القرن العشرين وهم 
- طنطاوي جوهري ت1940م (مصر) الذي حث على علوم الفلك والبيولوجيا. فمن اراد معرفة الله - التوحيد الحقيقي - فعليه ان ينظر في عجائب هذه العلوم المدهشة.  
- محمد جمال الدين القاسمي (سوريا)  صاحب كتاب دلائل التوحيد. المليء بالأدلة الفلسفية والعلل. "كلما ازداد المرء علما بفنون الكون والطبيعة ازداد معرفة بموجد الكون وأياته"
- محمود شكري الألوسي (العراق) يستند الى أن العقل(العلم) والنقل كلا منهما يصدق الأخر ويؤيده.
- إضافة لمفكرين غيرهم مثل محمد عزيزي الحبابي من المغرب وعثمان أمين من مصر صاحب الفلسفة "الجوانية". (امتداد لنظرة محمد عبده وبرجسون واقبال الابتسمولوجية. وهي طريقة روحية لرؤية الأشياء بمعنى أن تلتمس الباطن دون ان تقنع بالظاهر وان تبحث عن الداخل بعد ملاحظة الخارج وان تلتفت دائما الى المعنى والقيمةوالماهية والروح من وراء اللفظ والكم والمشاهدة والعيان).

- لقد أوقع تقدم العلم التطبيقي الإنسان في "غربة" مروعة وليس ثمة مخرج له من هذه الغربة الا بإحراز تقدم في "علم الروح" وفي الانتصار للمثالية وفي ختام هذا الفصل يحق لنا الاعتقاد ان الفكر الاعتقادي الاسلامي الحديث - رغم ضعفه العلمي الفلسفي-  قد تحرر في اواسط هذا القرن من قيود وتصورات كثيرة كانت تكبله وتمنعه من القيام بدول فعال وحيوي في الحياة النفسية والاجتماعية والأخلاقية للمؤمنين.

                                            ***

الفصل الخامس  - دروب الفعل
- في هذا الفصل يتفق عدد من المفكرين أن الانحطاط يعود أولا وأخرا لأسباب سياسية منها الفرقة والاختلاف. أبرز الأفكار في فصل دروب الفعل هي التالية: 
- أبي الهدى الصيادي أيد السلطان بصيغة الدعوة لاتحاد داخلي وانقياد تام له وقال ان أحكام القوانين الغربية الحديثة محرفة من اصل احكام شرعية وان الزمان يقتضي االاخذ بها فا"المساواة الزمنية هي مساواة شرعية" وهاجم الوهابية قائلا انها خرجت من الدين كالسهم بخروجها عن طاعة الخليفة المعظم ظل الله على الارض ويجب طاعته عادلا او جائرا.
- رشيد رضا ( من تلاميذ الجسر): شد الرابطة وتوثيقها بين المسلمين بإجراءات كأن يعرفوا تاريخ بعضهم ويكون لهم طرق للتعارف كالجرائد والاجتماع في الحج وغيرها.  كما يجب الاصلاح الديني والاصلاح التربوي للوصول للاصلاح السياسي.  والاصلاح الديني لا يكون بعمار المساجد والتكايا والرواتب بل أعمال تناط بالحكام والعلماء وأصحاب الوظائف الدينية. وأول شروط الاصلاح السياسي الحكومة الشورية بالعدل بموظفين اكفاء أجراء لا مستبدين.  وهذا يحتاج استعداد الأمة للإصلاح (من خلال نشر العلوم والاداب الاجتماعية والاخلاقية والأفكار) . ليس الدين هو المؤشر لصلاح الأمم (وماكان ريك ليهلك القرى واهلها مصلحون)  بل الظلم والصلاح هما قانونا الترقي والانحطاط ومبدأ الصلاح هو تعميم التربية والتعليم والاصلاح الديني الاجتماعي. 
- محمد توفيق البكري (شيخ مشايخ الصوفية) قال أن مستقبل الامم يتوقف على امرين طبيعيين هما كثرة السكان وخصب المكان ومن البديهي ان مستقبل الاسلام كبير وشأنه خطير وللارتفاع بالمسلمين يجب الحرص على العلم ونادى أيضا بجامعة اسلامية. 
- إنتبه مفكرون لخطورة فكرة الجامعة وسيطرة شخص عليها وملابساتها وإثارتها لغير المسلمين وأولهم محمد عبده ورد على ذلك  بتفاصيل. 
- عبد الحميد الزهراوي: لاحظ أن فكرة الجامعة تعني الاتفاق "ان القرأن كناب الله جاء به محمد رسول الله" ولكن هذا الاتفاق لم يمنع الاختلاف في تاريخ المتفقين.  "فمنذ اختلف المسلمون ثلمت جامعتهم ولم يتفقوا سياسيا بعد عهد عمر ولا دينيا بعد عهد علي". 
- رفيق العظم: أقواله مشابهة للزهراوي والإثنين مالا للقومية. 
- شكيب أرسلان: كان داعيا للجامعة الاسلامية وكذلك محب الدين الخطيب وأكدوا ان نهضة الاسلام مرهونة بنهضة العرب. أكد ذلك أيضا محمد كرد علي.
- عبد الرحمن البزاز(العراق) : وحد بين الاسلام والقومية وجعل من الاسلام دينا قوميا عربيا. فالتعارض بين الدين والقومية تعارض ظاهري نشأ من سوء فهم وسوء تصوير وتفسير للدين وللقومية التي تصور الناس انها لا تقوم الا على دعوة عنصرية او عصبية بل هي ترتكز على "الروابط اللغوية والتاريخية والأدبية والروحية والمصالح الاساسية في الحياة"  لكنه عدل موقفه في 1952 فقال انه دين العرب  ولكنه ليس خاص بهم حصريا دون سواهم "كما هي اليهودية". وينادي بتوحيد عربي وليس إسلامي لأن الثاني ليس عملي في الظروف الراهنة لأسباب جغرافية وسياسية واجتماعية. 
- المؤرخ عبد العزيز الدوري (العراق) وافق البزاز في كثير من طرحه. 
- ساطع الحصري:  اتجاه قومي خالص وفلسفة وضعية مع عشق الأفكار القومية الأوروبية.
- عاد المصلحون الدينيين "الواقعيين" لمفهوم "الجامعة الاسلامية"  والاتحاد الروحي والمحبة والنصح والأمور المعنوية التي "ليس للمادة حظ فيها" ومنهم التونسي الطاهر بن عاشور. 
- مالك بن نبي قدم صيغة معتدلة للجامعة الاسلامية سماها "كومنولث اسلامي"  في صيغة لا تتشدد للوحدة الشمولية ولا تتراخى في مفهوم الأخوة المعنوية.
- الكواكبي: تعددت علل التقهقر والتخلف في الدين والأخلاق والسياسة ولكن اهمها هو الاستبداد فهو علة العلل كما ذكر في طبائع الاستبداد. (أم القرى - البليغ القدسي - المولى الرومي - الامام الصيني ). أكد أن البلية فقدنا للحرية والعدالة والأمن وأن الحرية هي روح الدين وهي أعز شيء على الانسان بعد حياته بفقدانها تفقد الأمال وتبطل الأعمال وتموت الأنفس وتتعطل الشرائع وتختل القوانين.
- محمد رشيد رضا: قال أن استقلال الفكر ومكافحة الاستبداد ونشدان الخروج عنه والتنبيه لذلك في العصر الحديث هو مما يدين به الشرق والمسلمون للغرب.
- عبد الحميد الزهراوي: قام بمحاربة  "التحجر الفقهي والعطالة الصوفية وتقديس التاريخ والأزمنة المظلمة " وهي جميعا وجوه للاستبداد. المذاهب فرقت المسلمين أما توقف الفقهاء عند الجزئيات فهو صنعة ومصالح. نشط  في السسيولوجيا السياسية وذكر نصوصا فيها نقد قاسي اثار عليه نقمة الجماهير والمشايخ التقليديين. نادى بالإصلاح الديني وقال ان السعادة الحقيقية هي في تغليب المنافع العمومية على المنافع الشخصية والسعادة الذاتية لا تتحق بشكل صحيح الا ضمن سعادة مجموع الأمة.  قال الشيخ "ان الروح الذي كان غالبا في ذلك العهد هو روح استعباد لا روح استبداد بسيط" و"التربية السياسية تقع على عاتق الجمعيات" .
- شكيب أرسلان: ظل الى جانب الاتحاديين في دخولهم الحرب مع ألمانيا. وحاول كبح جماحهم وصدهم عن اعدام فريق مستنيري العرب. ولكن جميعهم  خسر المعركة وسيطرت انكلترا وفرنسا. 
- أسماء من نادى بالتغريب (نبذ الشرق واللحاق بالغرب أو ليبرالية أو علمنة) من المفكرين وسمي ب"الدائرة الصماء": أحمد لطفي السيد - شبلي شميل - سلامة موسى - طه حسين - محمد حسين هيكل - علي عبد الرازق - محمود عزمي - منصور فهمي - اسماعيل مظهر.  ومنهم من عاد للأصالة العربية الاسلامية لاحقا.
- محمد حسين هيكل: ادرك وجود ازمة روحية لدى الغرب منذ 1920 وكيف أنه يلتمس لها علاجا في فلسفة الهند وادرك أن السياسة الأوروبية تدعم انشطة تبشير مسيحي في الأمة الاسلامية أو تأييد أنصار الجمود الإسلامي. 
- علال الفاسي: في الخمسينات من القرن العشرين وفكره يشتمل على قدر كبير جدا من المرونة والوعي والقدرة على التكيف مع العصر وربما يمكن القول انه أحد الأصوات العربية الاسلامية النادرة التي تكلمت بلغة العصر دون الخروج من قيم الاسلام الجوهرية : "أعظم طابع يميز الديانةالاسلامية هو بناؤها على اصول متينة تجعلها قابلة للتطور والسير دائما إلى الأمام"  "النظر والتفكير الدائب"  لتحقيق الغاية من خلق الانسان "خلافته" وهي عمارة الأرض واصلاحها من اجل خير الانسان في الدارين على حد سواء" (علال الفاسي - النقد الذاتي.) 
- في هذا الفصل فرق الدكتور فهمي جدعان بين "المنجزات التقنية" وبين "المادية" في الحياة الحديثة التي تغزوها تلك المنجزات التقنية والتي جرت العادة على نعتها ب "المادية".
- علي عبد الرازق اخطأ وأصاب (أخطأ في وصفه بعض الأمور بأنها ليست من الدين وطالب بفصلها واصاب في وصفه هالة الخلافة الملكية وقدسيتها) وربما فعل ذلك لتجنب الخلاف مع السلطان فواجهه العلماء ولكن صرخته تلك نبهت الكثير من المفكرين بعده ووجهتهم للتفكير النقدي.
- خالد محمد خالد 1950 حاول احياء دعوة علي عبد الرازق وطالب ب"عزل هذه الكهانة الخبيثة وتنقية الدين من شوائبها". 
- عبد الحميد بن باديس ت 1940 مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. عبر عن فهم جديد لمنصب الخلافة متفقا مع عبد الرازق. 
- حسن البنا وجماعته دعت لتصور شامل يضم تحت جناحيه كل التجليات النظرية والعلمية للإسلام. واستبعدت مصطلح الحزب لكنها لم تنبذ مضمون العمل الحزبي أي العمل السياسي. اقترب البنا من التصور الديمقراطي المعمول به في الغرب.  من أغرب ما يمكن ان يلاحظه الباحث أن نظام "الحزب الواحد" الذي وضع دعائمه جمال عبد الناصر هو نظام استلهمه من افكار حسن البنا نفسه مؤسس الجماعة الذي رأى ضرورة ان تحل جميع الأحزاب المصرية (لتعددها وتناحرها) وتجتمع قوى الشعب في حزب واحد. 
- عبد العزيز جاويش ت 1929م: ألح بشدة على القول بمجاراة الشريعة لأحكام التمدن والترقي. "الإسلام صالح لكل زمان ومكان".
- الدكتور السنهوري: نادي بوجوب الرجوع للشريعة عند مراجعة التشريع المصري وعدم اقصائها من مصادره كما كان الحال في القرن الذي قبله.وكذلك احمد حسين المحامي. 
- عبد القادر عوده: درس الشريعة 1945 لمقارنتها بالقانون الوضعي  وقرر سموا احكام الشريعة في القانون المدني والجنائي. 
- بينت دراسات الغربيين انفسهم أثر الفقه الاسلامي في القانون الفرنسي خاصة (سيد حسين ومحمد صادر فهمي وعودة).
- العقاد: "أقرب الأقوال الى سند السيادة في الاسلام هو الرأي القائل انها عقد بين الله والخلق من جهة وعقد بين الراعي والرعية من جهة فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". 
- ذكرالكتاب النبهاني وحزب التحرير وجعله الخلافة مقابل الديمقراطية. 
- أحمد عروة: المهمة الأعظم والأصعب هو خلق الأحوال الروحية والعقلية والاقتصادية والاجتماعية لبعث المجتمع الاسلامي.
- ختام هذا الفصل أن قضية المفكرين المسلمين السياسية تحتاج لصيغ أكثر نجوعا تركز اكثر على الديمقراطية المعدلة التي تكلم عنها البزاز وعوده والفاسي وينبغي الاعتراف ان التجارب التي تمت حتى الأن لا تبعث على الرضى ويجب القول ان الفصل الكامل للاسلام عن البناء الاجتماعي والسياسي هو امر لا يعكس النظر للمشكلة من داخل الاسلام نفسه.
                                           ***
الفصل السادس - القيم 
- يقول خير الدين التونسي ت1890  "أن التمدن الاورباوي تدفق سيله في الأرض فلا يعارضه شي الا استأصلته قوة تياره ولا نجاة الا لمن يحذوا حذوه". وهذا يقطع ما اشار اليه ابن خلدون من رابطة جوهرية بين الحضارة ونهاية العمران وان الغلبة والعمران والمعارف لا تحمل بالضرورة في طياتها بذور فنائها. مضى قرن كامل قبل النقد الكامل هذه النظرة. 
- رفيق العظم ت1925 : التقدم المدني الانساني مرهون بالثروة والعلوم والعمران والقوة السياسية في الجماعة إضافة للروابط الاجتماعية وما ينشأ منها من تعاون وتعاضد. وتلاشي العمران وخراب البلدان ليس نتيجة حتمية. التلاشي محكوم بأسباب يمكن تحديدها ويمكن تلافيه أو الافلات حتميته . أما أسباب التحول وتقلب الدهور فيمكن تلخيصها في 1- اختلاف مشارب غايات الإنسان  2- اختلاف الفطرة 3- سرعة او بطء التمدن 4- الحروب الدائمة 5- تسارع الاقتصاد في الترف والسرف والفواحش  والغلاء دائم  فيضطر الناس للاقدام على المحظورات لتحصيل النقود فتزداد السرقة والغش ويزداد الفقر والتأخر فتتلاشى المدنية 6- اختلاط المتمدنين بغير المتمدنين يكون سببا لتقدم غير المتمدنين على الأخرين.

- علي يوسف ت 1913 تسويغ سيطرة القوي المتقدم مدنيا على الضعيف وهذا يسوغ هيمنة الغرب ويغيب الحق والعدل.

- المفكرين السابقين يميزون بين المدنية الحقة والباطلة. المدنية الحقة ليست في التوسع في الماديات وانما قبل كل شي هي سيرة تكسب المتمدن صحة في الجسم والعقل وسعادة في الدنيا والأخرة. إنها اخلاق فاضلة تثمر ائتلاف الافراد واتحاد الجماعات وسعي وعمل لعمارة البلدان وارتقاء الحالة الاجتماعية واكتساب الفضائل وابتعاد عن مناكر الاخلاق وتشييد صروح العلم.

- الهجمة الغربية على الاسلام وتمدنه قد شحنت الجو الفكري الاسلامي في اواخر التاسع عشر بحمى الجدل الديني واندفع الكتاب المسلمون في التيار الذي خطه الغربيون وراحوا يدورون في الجدلية الغربية نفسها ما بين دفاع وهجوم وتسويغ.

- محمد فريد وجدي ت1954 رأى أن  "الإسلام روح المدنية الحقيقية وعين امنية النفس البشرية ونهاية ما ترمي اليه القوة العقلية".

- الإصلاحي البيروتي مصطفى الغلاييني ت 1944: رد على كتاب "مصر الحديثة" للورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر وزعانفه بكتاب "الاسلام روح المدنية"  يؤكد فيه انه دين يرافق العقل ويمشي مع المدنية ويصافح الانسانية. ويعزز قول محمد عبده "ان الاسلام محجوب بالمسلمين".

- مالك بن نبي ت 1973: أبرز مفكر عربي عني بالفكر الحضاري منذ ابن خلدون (استاذه الأول).
فكرة الانطلاق لدى مالك هي أن " مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ولن يفهم او يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته الى الاحداث الانسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات او تهدمها" . أما الخلاص من الاستعمار فيحتاج لتحول نفسي من "القابلية للاستعمار".
 الحضارة عند مالك هي انسان وتراب ووقت وهذا كله بحاجة لمركب والتحليل التاريخي يدل ان المركب الذي رافق تركيب الحضارة هو "الفكرة أو الاعتقاد الديني أو الايديولوجي". ولكل حضارة حياتها او "دورتها" من نهضة - توسع للأوج - ثم أفول. وهذه الدورة خالدة لكنه ليس يؤوسا كابن خلدون ذلك أن المبدأ الذي تعبر عنه الأية " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" يجعل الأسباب في أيديهم.
أي محاولة للنهضة او اعادة البناء ينبغي ان تستند لوعي كامل بتاريخ هذه الحضارة والمراحل التي مرت بها او انتهت اليها(روح -عقل - غريزة) . في مرحلة الغريزة او بعدها يوجد "انسان ما بعد الموحدين" وهو انسان يعمل لحسابة الخاص (فردية وغرائز) فينحط المجتمع وتتهيأ القابلية للاستعمار ثم الاستعمار. وأول واجبات العالم الاسلامي هو ان يقطع المسافة التي تفصله عن التقدم المادي بدون الارتداد عن المثل الاخلاقية وكذلك الجمع بين العلم والضمير وبين الخلق والفن.

- سيد قطب: لا يعنى بالتحليلات الفلسفية مثل مالك بن نبي بل يقرر قضايات مباشرة. وينظر للمجتمعات على انها مجتمعات جاهلية مع موقف سلبي من الحضارة الغربية بشهادة الكسيس كاريل صاحب كتاب الانسان ذلك المجهول. (يبين كاريل في كتابه ان التقدم العملي المادي لم يصحبه تقدم مواز ومكافيء في علوم الانسان بل ان الانسانية مهددة بالمادية التي تضغط على السمو العقلي والعاطفي والجمالي والأخلاقي للذهاب  لكارثة والحل هو تقدم علوم الانسان).الإسهام الأكبر لقطب في مسألة الحضارة هو تأكيده على تعديل الحضارة الغربية على اساس مثالي واقعي تتحقق فيها انسانية الانسان وتسحب المادية الخالصة.

- ذكر أيضا في هذا الفصل محمد البهي وعلال الفاسي. وقال بأن العديد من المفكرين المسلمين في العالم الحديث امنوا بأن "التمدن" او الحضارة تستحق ان ترقى لمرتبة "القيمة" التي تدفع بصاحبها للتميز الانساني وقد صعقوا بالحضارة الغربية فوحدوا بينها وبين التقدم لكن ما لبثوا ان ابتعدوا عنها مدركين مخاطرها وانها على ضرورتها التقنية يجب ان تكون ذات وجه انساني. 

- عبد القادر المغربي ت 1965 يدعو للإصلاح الديني كوظيفة من وظائف علماء الدين الذين لم تلههم مناصب الجاه ولم تشغلهم امور دنياهم عن النظر في الاصلاح. ويقول بإجتهاد العلماء مجتمعين لا منفردين مستندين على الأصول لا على أراء السابقين. 

- شكيب ارسلان ت 1946: رجل المسائل السياسية - المسألة الشرقية والمسألة الاسلامية والمسألة العربية. كان من أنصار الدولة العثمانية  ولكن بعد سقوطها بدا له ان الانحطاط سببه علل اخلاقية وأن المسلمين فقدوا الأسباب وتغيروا. 

- عبد الحميد بن باديس  ت1940: صلاح التعليم أساس الإصلاح. ويميز بين الإسلام الذاتي والإسلام الوراثي. والطريق للاسلام الذاتي هو التعليم وهو ما يعول عليه.

- محمد ابن الخوجة الجزائري ت1917:  ركز على تعليم النساء وان الجهل يهوي بهن في مهاو مخيفة ومفاسد كثيرة واعتقادات فاسدة ولكن لولا جهل الرجال لما وصلت النساء لهذه الدرجة من الجهل والضلال.
- قاسم امين ت1908: بدأ بأفكار ابن الخوجة وراعى الأصول الدينية في كتاب "تحريرالمرأة" ثم اصبح راديكاليا وكتب "المرأة الجديدة" والذي يعكس وقوع "انتقامي من الشيوخ التقليديين" في احضان الليبرالية الغربية البورجوازية واستخدم الفاظ كضرورة تمزيق الحجاب ومحو اثاره او سلب حرية النساء وغيرها  ليبرالية قاسم امين المسرفة تدخل المرأة المسلمة في متاهة يصعب التعرف على نهايتها.

- ملك حفني ناصف ت 1918 - "باحثة البادية" اتخذت موقفا وسطيا بين التقليد والتغريب فيما يخص الحجاب والاختلاط ونقد بناء للزواج واسقطت دعوة الربط بين الحجاب والسفور وبين التقدم والانحطاط لدى الأمة بدلائل من الغرب والشرق والتاريخ والحاضر. من مشهور قولها "قومو اخلاقكم واصلحوا انفسكم فإن فسادكم أدعى الأسباب الى تحجبنا".
- نظيرة زين الدين: ربطت الفكر بالثياب وادعت أن أول درجة من سلم الرقي هو السفور.
- الطاهر الحداد - تونس 1935: الأحكام يجب ان تتغير مع الزمان (حتى الأحكام الصريحة) تغيير الارث والزنا وحظر تعدد الزوجات ومثلت اراءه في رأي المحافظين إبطالا لأحكام القرأن القطعية.

- محمد بن علي السنوسي ت 1860 السنوسية  هي حركة إحياء من الطريق الاجتماعي - الاقتصادي يتجسد في الوحدات الجماعية التي تسمى الزوايا. ولها قيمين يديروا شؤونها ويحكموا بين الناس. ولها نشاط مشترك بعمل فيه الفرد للمجموع ويتكفل المجموع بحاجات الفرد. 
- رفيق العظم: أفكاره تربط الإصلاح الإسلامي ب  "التكافل العام" ويعني هذا بحسب رشيد رضا "معرفة مجموع الأمة بحقوقها ومصالحها المشتركة معرفة صحيحة تحملهم على الاتفاق على حفظها وصيانتها بحيث ينفعل المجموع لعبث عابث او ظلم ظالم ويهب للذود عنها وحفظ كيانها". 
- الأفغاني والكواكبي ومحمد رشيد رضا تبينوا في الفيء والزكاة والصدقات وتحريم الربا اطارا عاما لاشتراكية اسلامية اعتقدوا انها هي الاشتراكية الحقيقية.
- شكيب ارسلان: الزكاة الشرعية هي اكبر اساس اشتراكي اسلامي. ولو أدوها لما بقي فقير. 
- معظم المفكرين لم يكونوا اقتصاديين بالمعنى المحدد لذلك لم يتم التوسع في القضايا الاقتصادية بصورة منظمة.

- عبد القادر عودة: المال لله وللبشر حق الانتقاع به ويترتب على ذلك 1- لاتملك نهائي 2- أهل الحكم والشورى هم من ينظم طريقة الانتفاع ... الخ. 

- سيد قطب: أبرز من عني حديثا بالمشكلة الاجتماعية الاقتصادية وربطها بالتصور الاسلامي العام. الأصل في الوجود الاجتماعي هو التعاون والتكامل بين الجميع. أسس العدالة ترتد لثلاثة:  -التحرر الوجداني المطلق - المساواة الانسانية الكاملة -  التكافل الاجتماعي. من أقواله: "من الترف الحرام ان يكلف مسجد مئات الألاف او تكسى الكعبة بالمخمل الموشى بالذهب بينما الناس تعيش في بيوت الصفيح والبوص”. 

- مصطفى السباعي: نفس افكار عودة وقطب الا انه تميز بجرأته على اطلاق اسم "اشتراكية الاسلام" على العدالة الاجتماعية واطلق كتابا اثار عنوانه ضجة وجدل.
- من ناحية ثانية حرص بعض الشيوعيين على ربط الاسلام بالمذهب الرأسمالي وأسرفوا في تضخيم الملكية الفردية ومن ناحية ثالثة حرص بعض "المتاجرين بالدين" ممن لهم مصالح معينة على ان يربطوا الاسلام بالنظام الحر ويشددوا على العداء للاشتراكية. 
- الخلاصة ان المفكرين المذكورين سابقا اتفقوا على فكرة "انتفاع المستخلف بالمال" لا تملكه حقيقة واطلاقا فالمالك الأصلي هو الله والمالك الحقيقي هو المجتمع لا الفرد. والملكية الفردية قد عريت لديهم من طابع "القداسة" الذي اسقطه عليها فقهاء "الرأسمالية الغربية".
                                       ***
*الخاتمة الاسلام والمستقبل*
- تلك هي منجزات مفكري الاسلام المحدثين وذلك هو اسهامهم في الجهود الفكرية من اجل خط الاسس ورفع دعائم البناء لعالم متقدم. وهي نماذج متعددة  لذلك لا يمكن الحكم عليها حكما عاما شاملا. والحلول المطروحة ارتبطت بالظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي نجمت فيها.
- على المستوى الاجتماعي: الدين اصبح ذا وظيفة اجتماعية صريحة اتخذت احيانا شكل الوظيفة السياسية الخالصة.
- على مستوى السياسي نلاحظ ان التطور السياسي انتهى بمفكرين للاعتقاد ان العالم العربي لا يستطيع التقدم الا ان تكون الدولة للاسلام واتخذت هذه الرغبة عند بعض الاحزاب الدينية السياسية صورة راديكالية جدا بحيث اصبحت الهدف المباشر الأول. 
- اما المبادئ القيمية مثل الأصالة والانسانية والمثالية فقد بلغت درجة عالية من السمو في الأزمنة الحديثة. ربما الشعور بالخطر الذي بدا ان الغرب يتعرض له والقادم للشرق هو الذي دفع المفكرين لتقرير هذه المبادئ كألية من اليات الدفاع عن الوجود. 
- أما تحديات العالم الحالي فهي : 1-تعدد الطفرات والتسارع والتغير في كل القطاعات 2- تراجع المبادئ التنويرية التي عززت النزعة الانسانية وسيادة المصالح واللذات الذاتية. 3- عجز المثالية عن التعامل مع الواقع المحكوم بقوى المادة.
- بالنسبة للإنسان من وجهة النظر الدينية فقد 1- تخلى عن نشدان الخير العام والتفت لدائرة وجوده الخاصة 2- لم يعد من الممكن الاحتكام للوازع الباطني لإقامة الحق والعدل. 
- بادي الرأي عند الدكتور فهمي جدعان هو الاجتهاد في تصور "عقلية مستقبلية" لتوجيه علاقة الاسلام والمسلمين بالمستقبل وهذا مما تدعو اليه الضرورة بشكل حتمي. 
- القصد بالعقلية المستقبلية الاسلامية هو مجمل طرائق النظر والفعل والسلوك التي يجدر توافرها عند الانسان المسلم سواء الان او في الزمن القابل ،الذي نستطيع بوسائلنا الطبيعية استشرافه ، وهذا يعني ان تكون هذه العقلية مطالبة بتحقيق شروط خاصة تناسب المستقبل ومعطياته وتندمج في الشروط المتجددة في الزمان الاتي. 
- الحاضر الحالي هو إما اتجاه سلفي اتباعي ساخط على اغلال الازمنة الحديثة وضلالها والتعلق المطلق بالسلف والتراث وهو يبدوا احاديا متماسكا لكنه مهدد بالاغتراب. أو اتجاه النهضة الذي هو في حالة ثنائية بين التراث والتجديد الاتباعية المطلقة او الابتداعية المطلقة من طرف ثان. 
وفي ما بين الجميع هناك اخلاق الحرج التي توجه الانظار نحو الهاوية والفساد والاثم وهناك اخلاق الرحمة حيث تسع مغفرة الله وعفوه كل شيء وهناك عقلية استعلاء ايماني دعي وهناك عقلية استخذاء التي تقبل وتسوغ وتتسامح في كل شيء. وهناك الانسان المكبل بالقدر والحتمية والأخر الواثق من فاعليته المحرر من تلك القيود ولو بقدر. 
إننا امام حالة تشبه الفصام والمطلوب هو اعادة الوحدة والتماسك. 

- هواجس المستقبل ترتد للأمور التالية: 
1- التخلف (عقدي، اخلاقي، اقتصادي، اجتماعي، سياسي) وتختلف تعليلات المسلمين في سبب لهذا التخلف هل يعود لسقوط العثمانيين - سقوط بغداد - العباسي الثاني أو الأول الأول - الدولة الأموية - أم التحول لملك؟ لن نجد الجواب الشافي لكن الأهم هو وعي الظاهرة وادراكها ومحاولة تخطيها وتجاوزها. وهذا ما يحصل من زمن ابن خلدون.
2- التراث: التراث هو كل ما ورثناه تاريخيا عن الاصول والماضي وهو هاجس رئيسي لأنه مشرع الابواب على ماض مقدس وملتحم بحاضر متخلف (الوحي ليس من التراث) ويجب فصل الدين والعقيدة عن التراث فلا يضعوا التراث في مرتبة العقيدة. (علم الكلام - الفقه - التفسير - اصول الفلسفة - العلوم - التصوف) هي منجزات. أما العقيدة فأصلها القرأن وما صح من الأحاديث وهي ليست منجزات بشرية بل معطيات الهية. 
3- الاغتراب: هو حالة تكف فيها الذات عن العيش في شروطها الثقافية الموضوعية المباشرة. السلفيين مغتربين والعلمانيين والليبراليين المنعتقين من التراث واشتكو من تخلف الجماهير مغتربين أيضا إضافة للشيوعيين الذين قالوا ان الماركسية هي بديل مطلق للاسلام. هكذا اخفق الجميع وأصبح لدينا بانوراما فيسيفسائية لحالات اغتراب فاجعة. المستقبل لن يتقبل عقلا مغتربا (مثلما فعل الماضي والحاضر).
4 – العلم.
5 - العمل: المفارقة التي يعيش بها المسلمون: الايمان بقيم غير محولة لممارسة.
6 - التغير: دخل العالم المتقدم في "عصر الزوال"  والعوالم الأخرى في موج كالجبال.  الملائم هو النظر في مبدأ (تغير الأحكام بتغير الأزمان) ومبدأ (المصالح المرسلة).

- استراتيجيات التحول للمستقبل:  1- كبديل "للتخلف" يجب الرضا بمفهوم التقدم ك "تغير نحو الأصلح" ولا نسلم للطرطوشي ب "ذهب صفو الزمان وبقي كدره" بل نقر في عقولنا انه للبقاء ووراثة الأرض يجب ان نسلم بالتقدم وواقعيته. 2- التعود على "تاريخية" "التراث" كإنجاز انساني. 3- "التجذر" لمكافحة "الاغتراب" ويعني التمسك بالذات الممتدة في التاريخ والنمو باتجاه المستقبل  ايضا. 4- بالنسبة للعلم يجب التسليم بقطاعين: قطاع الوجود الشاهد (الانسان والطبيعة) وقطاع الوجود الغائب (الله والأخرويات) والاسلام دين العقل في حدود مملكة العقل ودين العلم في الحدود التي يقرها العلم نفسه. وليس من شأننا ان نجري خلف محاولات التوفيق بين قضايا العلم ومضامين الوحي. 5- العمل: التنمية المناسبة لكل قطر وأن يألف "العقل" السياسي الاختلاف والواقعية. ومن حق المسلمين على دولهم أن يحكمو وفقا للمبادئ الجوهرية التي اقرها الاسلام (حرية - كرامة - عدالة) ومن واجب الحكومات الأخذ بيد رعيتها من التفرد للمشاركة ومن مثال العبد الى مثال المواطن. 6- التكيف مقابل التغيير وصدمات المستقبل. (المصالح المرسلة) وقاعدة (تغيرالاحكام بتغير الأزمان). 

شروط تحقق التحول للمستقبل: 1- الوعي المعرفي الذي يشكله عند الناس رجال الفكر والعلم والثقافة والإبداع والفكر الديني السديد 2- التخطيط يصممه واضعو السياسات الثقافية والتنموية.3- التطورالمحتوم وتعديل البنية العقلية والسلوكية وفقا لسنة بينة اوعوامل كامنة  أومبادرات تهيئ العقول لكل جديد مع مراعات خصوصية كل بلد (ثقافية، قومية، سياسية الخ). 
*المستقبل منوط بنحو حاسم بقصودنا وارادتنا وفعلنا وما نتمثله بوعينا وما نمضيه بحريتنا من استراتيجيات البقاء والمستقبل*
*****