السبت، 5 يناير 2019

خلاصة كتاب - أتحدث إلى ابنتي عن الاقتصاد

الجزء الأول 
يانيس فاروفاكيس هو دكتور في علم الاقتصاد. يوناني – أسترالي  قام بالتدريس في عدة جامعات و كان وزيرا للمالية و عضو برلمان في اليونان في 2015.  يانيس ألف كتابا بعنوان:  "أتحدث إلى ابنتي عن الاقتصاد" يعتبره رسالة لابنته الشابة ليشرح لها ما هو الاقتصاد و ما هي النقود و لماذا يوجد ظلم أو عدم مساواة في العالم إضافة لأمور أخرى سنحاول إلقاء الضوء عليها في الخلاصة التالية لهذا الكتاب الجميل. 

يؤكد الكاتب أن الحديث عن الاقتصاد يجب تبسيطه حتى يفهمه الناس جميعا و اذا لم يستطع الاقتصادي الخبير فعل ذلك فهو ليس عالم ملم بالاقتصاد بحق. و يقول أنه كلما خف تعقيد هذا الموضوع كلما كان أقرب للحقيقة و هو يشجع كافة الناس أن تتكلم عن الاقتصاد بدون تحفظات فهذا مطلب للديمقراطية الحقيقية في المجتمعات.  و يجب هنا التفريق بين الاقتصاد و السوق فالسوق هو مكان لتبادل البضائع أما الاقتصاد فيتطلب إنتاج وإدارة هذه البضائع. 
يعرّف الكاتب الاقتصاد ،بمعناه الأساسي القديم، بأنه قانون إدارة البيت و لكن بما أن معظم ما ينتج الأن يتم في مصانع ضخمة لتصديره لأسواق عالمية  فهذا لا ينطبق عليه قوانين الاقتصاد البيتي بل الأدق - إذا أردنا - إطلاق اسم السوق أو قوانين السوق. 
ينتقل الكاتب لسرد تاريخ الاقتصاد منذ بداية تطور الزراعة قبل حوالي 12 ألف عام وتحديدا عند بداية ظهور الفائض خاصة في الحبوب و المواد التخزينية الطويلة الأمد. هذا الفائض أدى لظهور و تطور كثير من الأمور منها: الكتابة (لكتابة حصص وحقوق المزارعين في المخازن المشتركة)، النقود (صكوك للعمال و أصحاب الحبوب تظهر مدى ملكيتهم أو حصصهم)، أنظمة الحكم والملك(جهة محايدة لتصديق الصكوك – كريديت باللغة اللاتينية تعني ليصدق)، الجيش (لحراسة المخازن)، الكهانة (لتثبيت الحكام و إقناع الناس بهم)، التقنية(أدوات الزراعة) و حتى الحروب البيولوجية(حيث أن ظهور البكتيريا في التجمعات الضخمة من بشر و حيوانات حول مخازن الحبوب وتأقلمهم معها ثم انتشارهم و انتقال الأمراض المعدية المميتة معهم)  إضافة لغيرها من العوامل. ثم يشرح الكاتب الفرق بين البضائع (السلع) والأشياء الغير مسلعة أو التي لا ثمن لها فعلى سبيل المثال التبرع بالدم هو غالبا ليس سلعة للبيع و عندما تم تحويله لسلعة في بعض البلاد  قل مقدار المتبرعين عن السابق و للأسف في خلال القرنين الماضيين تم تحويل الكثير من الأمور لسلع تباع و تشترى بعد أن كانت غير ذلك ووصل هذا التسليع (التشييء) العالمي حتى إلى حليب و أرحام الأمهات.  لكن لماذا تحولت المجتمعات التي لها أسواق إلى مجتمعات الأسواق وأصبح كل شي سلعة؟
عند تطور الشحن البحري تسارعت التجارة العالمية بشكل كبير و كان الصوف و الحرير و البهارات من أكبر السلع العالمية و ظهر طبقة غنية جديدة من التجار فأراد الإقطاعيين من الطبقة الغنية القديمة اللحاق بهم بسرعة وتحولوا لتربية الخراف من أجل الصوف و استغنوا عن الكثير من العمالة الزراعية التي أصبحت تبحث عن عمل وتتنافس لتبيع جهدها بأقل الأثمان و هذا ما حول تلك العمالة لسلعة بعد ان كان أغلبها بضاعة مملوكة (سواء عبيد أو عمال ضمن النظام الإقطاعي) و حول الأراضي أيضا لسلعة للإيجار لتربية المواشي و هذا ما بدأ بتسليع الكثير من الأمور بعد ذلك مما أدى لتناقض غريب بين الغنى الفاحش و بين المعاناة الجسيمة الجديدة لطبقات العمال و العبيد الذين تم تسريحهم و الاستغناء عنهم في ذلك الوقت. و زادت نسبة عدم المساواة بشكل أكبر عند عامة الناس التي تأثرت بعدم وجود عمل أو تحوله لسلعة زهيدة جدا. 
من الملاحظات المهمة التي ذكرها الكتاب أن تطور الربح من القروض (الربا) حوّل السعادة بالمساعدة و مبدأ التعاون إلى عقد ربحي بحت وهذه الديون خلقت طبقة فاحشة الثراء و أغلبية مدقعة الفقر. مع الإشارة أن هذه القروض الربوية كانت محرمة في الكاثوليكية حتى أتت البروتستانتية و ساهمت في إباحتها لمسايرة الثورة الصناعية. 
نتابع في الجزء الثاني ما يقوله يانيس عن البنوك و البنكيين و كيفية تأثيرهم في دورات الاقتصاد و توقفها و ما هي علاقة الاقتصاديين المعاصرين  بالكهنة و المنجمين و السحرة في العصور القديمة؟

الجزء الثاني 

- في كتاب "أتحدث إلى ابنتي عن الاقتصاد" يؤكد الكاتب أن الاقتصاد الحديث  - مثله مثل اي نظام بيئي - يحتاج لإعادة تدوير مستمر ولكن عند توقف هذه الدورة يمكن للمراقب أن يلاحظ دور البنوك واالبنكيين في هذا التوقف. للتوضيح يسرد المقارنات التالية:  البنكيين كانوا سابقا يستثمرون نقود المدخرين بإقراضها لمستثمرين بفائدة  أما البنكيين الحاليين فهم ،إضافة لما سبق، يستثمروا نقود غير موجودة أصلا عبر إدخالها في النظام البنكي بشكل شبه افتراضي وتستمر هذه العملية (الدين والإقراض) بالتكرار. سابقا كان البنكيين يتأكدون بدقة من قدرة المدين على رد الدين ولكن بعد الثورة الصناعية قل ذلك لحاجة الشركات والمصانع للديون بشكل كبير وبسبب تقسيم القروض وبيعها على اجزاء لمستثمرين أخرين وهذا يؤدي لتضخم القروض والإهمال في منحها مما يؤدي أيضا لتهرب بعض المقترضين وإذا زاد ذلك بشكل كبير تبدأ البنوك بالخسارة وينتشر ذلك بين الناس فيقوموا بسحب النقود منها  فتخسر البنوك أكثر وتتوقف القروض وتغلق بعض المصانع ويتسرح العمال وقد يتكرر هذا الأمر حتى يحصل انهيار شامل وفوضى وتضطر الحكومة للتدخل بإصدار ديون للبنوك الخاسرة من البنك المركزي الخاص بالدولة وبعد دخولها السوق مرة أخرى تعود تلك البنوك لسيرتها السابقة في جدلية مستمرة. ثم ينتقل الكتاب لعلاقة السياسيين السيئة أو الفاسدة بالبنكيين فمعظم البنكيين ينتقدون الدولة لجلب مصالح أكثر لهم في الأوقات الجيدة ومن ثم يصرخون طلبا لمساعدتها في الأوقات الصعبة و لمداراة أخطائهم. مما يلفت النظر في الكتاب النظرة للفترة الحالية في عصر الأتمتة والذكاء الاصطناعي والتقنية فنحن نعيش في عصر انعكاس Reversal مشابه لفترة الانعكاس التي حصلت بين عصر الزراعة والثورة الصناعية وهذا قد يجعل الانسان ضحية أوقد يخلصه أيضا وشبه الأتمتة بمثل ايكاروس، الذي طار بأجنحة واقترب من الشمس ثم ذاب الشمع وسقط ،  فالأتمتة تزداد تدريجيا وتتسارع بشكل خطير مع الزمن وهذا سيؤدي ل 1- إنخفاض التكلفة  2- قلة أوعدم ربح المصنعّين أكثر بسبب التنافس 3- إنخفاض الطلب لأن الروبوتات ،المؤتمتة، لا تنفق نقودا لشراء ما تنتجه مثلما يفعل البشر. جميع هذه العوامل ستخفض الأسعار لدرجة قد تسبب توقف السلسلة أوالعملية كلها. وهذه هي لحظة سقوط ايكاروس التي قصدها. إحدى الحلول التي يقترحها الكاتب ،لحل المعضلة السابقة، هو توزيع جزء من ملكية الشركات للماكينات و عوائدها على الناس ليستفيد الجميع وتبقى دورة الاقتصاد فاعلة. ينتقل الكتاب لتبسيط بعض الأفكارالاقتصادية بضرب مثال حقيقي عن تحول السجائر لعملة في مجتمع اقتصادي مصغر في أحد معتقلات الحرب العالمية الثانية، وكيف أن زيادة حصص السجائر في بعض الأشهر سببت تضخم أوحصل انكماش بسبب ندرتها ومن الطريف أن كل شيء كان يتغير سواء بزيادة أونقصان القيمة أوحتى انعدامها في حالة وصول أخبارعن انتهاء الحرب أوأنها مستمرة لفترة أطول.
 يعود الكتاب لعلاقة الاقتصاد بالسياسة ويؤكد أنه عندما يستقل البنك المركزي فقراراته تبقى سياسية كما هي قبل استقلاله ولكنها الأن تكون لأشخاص غير منتخبين أغنياء و بنكيين وليس للبرلمان والشعب كما كان قبل استقلاله والأحرى أن الحكومة والشعب يجب أن يتحكموا بمصادر النقد وبطريقة ديمقراطية. الحل الحقيقي لمشاكل الاقتصاد الرئيسية هوالديمقراطية الحقيقية ومن وجهة نظر المؤلف أن نظام التسليع والتشييء والمجتمع السوقي - الذي تكلمنا عنه في الجزء الأول- سيفشل لأن النظام الحالي هونظام اشباع رغبات وطلبات فقط مع صنع ما يطيل هذه الرغبات ويجعلها مستمرة. (التسوق  - الميديا – الاقتصاد ودائرة كاملة لصنع وإطالة الرغبات).
مما يذكره الكتاب أيضا أن الذين يكتبون بشكل ممتاز عن الاقتصاد عادة يستعيرون أفكارهم من الفنانين والكتاب والعلماء وأن دورة الاقتصاد كدورة التاريخ بعد كل كارثة يستمرالإنسان بالعمل والصعود من جديد. 
ويختم دكتورالاقتصاد كتابه أنه كلما فكر أكثر بما يفعله الاقتصاديين الحاليين يستنتج أنهم منجمين وكهنة العصر الحديث (مقارنة بمنجمين وكهنة العصور القديمة التي تكلمنا عنها في الجزء الأول).
نصائح أخيرة يوجهها لإبنته وهي: ضرورة الانسحاب من مؤكدات المجتمع وعاداته والابتعاد والتأمل كل فترة. كما يؤكد على التمسك بالحرية التي تأتي من فهم كيفية عمل السوق والاقتصاد لمعرفة من يعمل مع أوضد من ومعرفة ما يجري حولك وحول العالم.




الخميس، 3 يناير 2019

الأزمة الدستورية - خلاصة كتاب

كتاب الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية هو دراسة تفصل ما حدث من تناقضات بين القيم الإسلامية وبين الواقع التاريخي الإمبراطوري الذي عاشه المسلمون سياسيا وأدى لكثير من التبعات والسلبيات التي لا زالوا يعانون نتائجها حتى اليوم. هذه المفارقة نتج عنها صراع على الشرعية وتوتر دائم بين النصوص وأعباء الواقع المختلف عن تلك النصوص وأنتجت أيضا تشاؤم مضمر عبر القرون وتأثير سلبي على الوعي بالذات والعلاقة بالغير. باختصار هي دراسة عن أزمة حضارة كاملة.

يبدأ الكتاب بسرد بعض التعريفات والأفكار ويفرق بين "التأمر في الأمير" وهو تحكم الشعب في حكامهم واختيارهم ومشاركتهم ومحاسبتهم وعزلهم وهذا ما يفترض أن يكون الوضع الطبيعي وبين "التأمر عن غير إمرة" وهو الوضع الغير طبيعي وينبغي أن يكون استثنائيا في حالات طارئة فقط. لكن الذي حصل منذ 1400 عام واستمر في الحصول هو أن بعض الفقهاء ولأسباب كانت مبررة ثم فقدت تبريرها ضحوا بشرعية "التأمر في الأمير" في سبيل الحفاظ على وحدة الأمة ثم تبعهم علماء تورطوا في تشريع الاستبداد والقهر ومنحوا السلطة غير الشرعية حقوق شرعية من طاعة ونصح ونصرة بسبب ارتفاع الخوف من فقد الوحدة وتحوله لهاجس. بعد استمرار هذه الهواجس والتضحيات بالشرعية السياسية في سبيل المصلحة (التي تمت في البداية بحسن نية) لمئات السنين كانت النتيجة أن ضاع المبدأ والمصلحة وخسر الجميع الشرعية والوحدة وتطورت لدى الشعوب القابلية للاستعمار كما يقول بن نبي أوحصل الموت الطبيعي كما ذكر هيغل " الشعب لا يمكن أن يموت ميتة عنيفة إلا عندما يموت في ذاته ميتة طبيعية ". ينتقل الكاتب لقيم البناء السياسي كالعدل الذي يتفرع منه الحرية والمساواة وذكر الشورى (الديمقراطية) كأم القيم السياسية والطاعة المشروطة بالأمانة والعدل ثم شرح مبادئ الأداء السياسي. وقارن بين توماس هوبز وروسو في تحليلات النفس البشرية ثم تطرق للهرمية الفرعونية ( ديكتاتور– بطانة سياسية - المال والتجار – جنود الديكتاتور – مرتزقة إعلام) وكيف أن مبادئ الإسلام ترفض هذه الهرمية وتعتبر أصلا أن الأمير أو الرئيس هو أجير الشعب لكن عبر القرون فرض الملوك أنفسهم فوق القانون.

كما يؤكد ويدلل على المساواة السياسية بغض النظر عن الدين والجنس والعرق في الدولة العقارية ويذكر أن الفترة الإمبراطورية والتأثر الكبير بالثقافة الفارسية والملكيات المجاورة خاصة الساسانية (عهد أردشير تم اتخاذه كدليل عملي للسياسة كما ذكرت دراسة لليونسكو ودلائل من كتابات تلك الفترة) كل هذا خلق تفرقة وعدم مساواة ودخلت قيم قهرية كسروية ووثنية سياسية مما ليس له أصل في المبادئ والقيم الإسلامية الأساسية.

من النقاط المميزة ذكر أن الطغيان السياسي يضغط على البناء الاجتماعي حتى يتصدع وينهار عبر الزمن ويفقد روحه الدافعة. وأن الاستبداد السياسي يخرج من عباءة الفوضى الاجتماعية وتخرج الفوضى الاجتماعية من عباءة الاستبداد السياسي.

الخاتمة تشرح عن الثورات التي حصلت خلال الثلاث قرون السابقة (إنجليزية – فرنسية – أمريكية) وأوجه الشبه بينها وبين الربيع العربي ورأي مفكرين مثل فوكوياما، مايكل ريتشارد وكرين برينتون والسنهوري والكواكبي وبن نبي وكيف أن الخروج من هذه الأزمة يكون بالثورة على الاستبداد ورفض كل ما ثبتته تلك الامبراطوريات من قيم فاسدة وقد بدأ هذا بالربيع العربي الذي جوهره هو طموح الإرادة الإنسانية للعدل والحرية. يلي ذلك تحليل أراء المزيد من المفكرين والكلام عن الدساتير الحديثة ومرجعياتها التي هي نتيجة مطالب شعبية والتأكيد على أن حكم الشعب الديمقراطي الصالح نتيجته العدل وأي طريق استخرج بها العدل فهي من الدين وليست مخالفة له. أما بالنسبة للخروج من الأزمة فيتلخص بالخروج من فقه الضرورات وهواجس الخوف من الفتنة إلى المبدأ والثورة وتحويل القيم الأصلية لمؤسسات وإجراءات دستورية معاصرة ولا عودة للاستبداد فعبرة التاريخ تدل أن الاستبداد ليس أخف الضررين بل هو أصل الفتنة وجذرها وسببها وهو حرب أهلية مؤجلة فالواجب هو نفي اليأس وتعزيز الأمل والإيجابية والعمل المستمر.