السبت، 17 ديسمبر 2011

غريزة الصيد أو الدفاع الجماعي


خلال سنوات الطفولة والمراهقة كنا نلعب كرة القدم في حارتنا بحمص المنكوبة حاليا وفي بعض الأحيان بعد أن يتم تقسيم اللاعبين والفرق وتحديد مساحة الملعب والأهداف والبدء باللعب يأتي أحد الأولاد المتأخرين المتنمرين من نفس الحارة او الحارات المجاوره ويقف بنص الملعب - الشارع- صارخا بأعلى صوته بنبرة أمرة : بدي إلعب يا شباب.
هنا تتوقف المباراة ويمسك أحدهم الكرة في انتظار حل المشكلة ويجلس بعض الأولاد على حافة الطريق متفرجين وينقسم البقية بين دبلوماسيين أومتربصين لمعركه وتبدأ المناورات عندما يأتي أحدهم طالبا منه بلطف الخروج من الملعب وانتظار المباراه القادمة او خروج أحد اللاعبين ليتحول صراخه إلى جعير مختلط ببعض الشتائم ويؤكد أنه إما سيلعب الأن أو لن تتم اللعبه أبدا -يا بلعب يا بتخرب- وقد يقوم بلطم من طلب منه الخروج ليثبت قوته ويفرض سيطرته على الأخرين -يضبعهم- وعادة ما يكون من يقوم بهذا من المعروفين بعدوانيتهم وقوتهم وقد يكون معه واحد أو أكثر من أصدقائه لمناصرته ودعمه وغالبا هذا المعتدي لا يقترب إن شاهد واحدا اقوى منه في الملعب ويقوم بعمليته بعد نظرة وتفحص ثم يحسبها بعقله انه يستطيع كسر أكبر راس من اللعيبه ولكنه طبعا ودائما يحسبها بشكل فردي.


بعد نهاية المفاوضات الدبلوماسيه وعدم سماعه لنصائح وطلبات الأخرين ثم أمرهم له بالخروج يبدأ بقية المتربصين بالإقتراب وهنا يشعر المعتدي إن كان عاقلا أنه حسبها غلط  وبالتالي قد يطلق بعض الشتائم ثم يقوم بالانسحاب محاولا الإحتفاظ بهيبته. وفي الحالة الثانيه لا يعي ما يحصل ويتشبث بموقفه ومن ثم وبطريقة ما يبدأ أحد الشجعان بمشاكسة  المعتدي وهو يعرف أنه خاسر إن كان وحيدا ولكن في هذه اللحظات يسيطر الحس الجماعي بشكل لا إرادي على الجميع ربما هي غريزة الصيد أو الدفاع الجماعي الموجودة فطريا عند الإنسان منذ القدم وبمجرد ان تبدأ المعركه يقوم البقيه بالهجوم على المعتدي وأصدقائه وضربهم وإخراجهم غصبا  من ساحة اللعب مع بهدلة وفقدان هيبة  المعتدي ومساعديه حتى فتره طويله.


ذكرتني عناوين الأخبار الحاليه بهذه المواقف فها هو تصويت معظم الدول العربيه والغربيه ضد نظام القمع في سوريه وها هو السيد عبد الجليل يدعو الأسد للتنحي والرئيس المرزوقي يقترح لجوءه إلى روسيا وبعض الزعماء العرب يدعوه للجوء اليهم مع دعوات كثيره للتنحي وإعلامه أنه فقد الشرعيه والأهم من هذا كله الشعب السوري  بنفس الحس الجماعي الفطري يصرخ في جميع الشوارع والحارات بأن يرحل عنهم الدكتاتور الذي لا يعرف ما يجري ومن يقتل من حتى الأن ولسان حال النظام يقول إما أن ألعب أو أن تخرب. 


و لا يخفى عن عيون المتابعين والملاحظين اقتراب وتواجد سبعة جيوش على الأقل حول الحدود السوريه برا وبحرا ولا زالت الفرصه للإنسحاب متاحة حتى تاريخ نشر هذا المقال لكنها ليست مضمونه غدا او بعده.
العاقل من اتعظ بغيره والنهاية معروفة للجميع سواء كان طفلا يلعب الكره في الحارة أو سياسيا محنكا وستتسارع الأحداث في الأيام المقبلة وتكشف ما نريد ونتعجل معرفته ونسأل الخالق أن يحقن الدماء ويتقبل الشهداء وينتقم من جميع الظالمين.





السبت، 10 ديسمبر 2011

القمح و الزيوان

القمح و الزيوان


محمود الجسري


كنت مع مجموعة من الأصدقاء في مقهى عام نحتسي القهوة و نتبادل الحديث الذي كان يطغى عليه الطابع السياسي بطبيعة الحال حسب ما يجري في سورية و كلنا نحلل و نتسائل و ننظًر و نناقش و قد يعلو صوتنا أحيانا أو ينخفض حسب قوة الإندماج و الحماس.
و بينما نحن في أخذ و رد نلاحظ مقاطعة سيدة غير معروفة لنا بتحية أحدنا الذي بادلها التحية وبعض المجاملات العامه منها السؤال عنها و عن العائلة -وقد أخبرنا لاحقا أنه لا يعرفها - و بدا واضحا أنها تريد الدخول في الحديث معنا حول ما كنا فيه أو على الأقل تريد إلقاء مداخلة معينه و قد فعلت ما أرادت بسحب بعض التعليقات من سؤال بقية الأصدقاء عن الوضع هناك ثم اخبارنا بأنها قد ذهبت منذ فتره إلى سورية و زارت بعض المناطق و لم يكن الوضع سيئا جدا وأن علينا ان نذكر و نبقي في ذهننا المقولة القديمة التي نسمعها -  في سورية - بأن زيوان بلدي و لا قمح الغريب و أن الأفضل هو بقاء الوضع على ما هو عليه و إلا فالويل و الثبور و عظائم الأمور.


الزيوان وتحديدا الزيوان الأسمر لمن لا يعرف هو نبات ضار غير مرغوب به يشبه الحنطه و الشعير في الشكل و عادة ينبت بينهما ويزاحمهما و يعتبر من الشوائب عند فرز الحنطة او الشعير و حبوبه تسبب مرارة في الطعم عند طحنها مع القمح.


  بات واضحا لدينا أنها إما من الموالين للنظام القمعي في سوريا أو من الفئه التي لازالت تظن أن هذا نظام لازال فيه بقايا أمل و قد تفاجأ الجلوس بهذه النظرية و بادرها احدهم بالسؤال ان كانت قد فقدت أحدا من أقاربها أو معارفها  و كانت إجابتها بأن سألته من اي المدن هو؟ و بعد ان أجابها بأنه من حماه بدأت بالإنسحاب ثم الخروج من المقهى ملقية عبارة عنصرية.
 لم يتح لي ان أناقشها لأنني كنت متفرجا و مستمعا لمداخلات الأصدقاء معها و لم أجد التعليق المناسب في الوقت المناسب لكني سألت نفسي قبل كتابة هذه الأسطر لم قالت وركزت على مقولتها أن زيوان بلدنا ولا قمح الغريب؟  ألا يوجد في بلد بتاريخ عريق و حضارة قدم التاريخ مثل سوريا إلا الزيوان؟ ولم لا نقول أو نطالب بأن يكون قمح بلدنا بدل الزيوان الحالي؟ ثم ألا يعني هذا في قرارة نفسها و في عقلها الباطن أنها تعلم إنه حاليا عندنا زيوان و أنه قد استشرى و أهلك الأرض و طغى على بقية المحاصيل بسرقة مائها و غذائها من الأرض! وقد فاتني أيضا أن أسألها لم تركت زيوان البلد وتعيش في الغربه على قمح الغريب كما عبرت هي  و أتمنى أن تقرأ هذه الأسطر و تجيب بطريقة حضاريه عن جميع ما ذكرت.


 لقد وصل الحال بالشعب إلى ما وصل إليه و في كل مظاهره نسمع هتافات الموت ولا المذله تتردد بدون خوف ولا تردد وبكل جديه وصدق و مع ذلك فلنفرض جدلا أنه لا يوجد عندنا الا الزيوان و لا يوجد بديل إلا قمح الغريب فهل يا ترى فكرت هي و جميع الصامتين و المؤيدين لماذا هناك فئة كبيره من الناس قد تقبل بقمح الغريب و لا مرارة الزيوان الحالي؟ 
ألم يقبلوه فوق الأربعين سنه على أمل ان يزرع لهم قمحا؟ ألم يحتملوا فساد النظام و سرقته وانحلاله وظلمه لزمن طويل؟ فهل من العدل ان تستمر الأجيال القادمة بتناول نفس المر و شرب نفس العلقم؟ وماذا عن أفعال النظام خلال الشهور الماضيه من قتل و تهجير و خطف و سرقه وإشعال طائفي حتى يحمي نفسه و غيرها من الأفعال التي لا يتسع المقال لذكرها.
و للفئة الصامته أذكركم يا أخوتي و أخواتي بما قاله طرفة بن العبد  منذ قرون عديدة:


وظلم ذوي القربى أشد مضاضة – على المرء من وقع الحسام المهند 


فصمتكم يا أحبابنا من جميع الطوائف هو ظلم ذوي القربى الذي نرجو له أن لا يطول لأن الأمور قد وضحت و قد ظهر الظلم و الظالم و المظلوم الذي حق له أن يدافع عن نفسه و يدفع الظلم حتى تعيش الأجيال القادمة بحرية.