الاثنين، 25 مايو 2015

الإختلاف و التخصص

في عقود سابقة كانت مهنة الحلاقة تشمل عدة أمور وكان الحلاق متعدد المواهب فهو من يقص الشعر ويسرحه وهو من يقوم بالحجامة وفي نفس الوقت يقوم مقام طبيب الأسنان في المعالجة والخلع وكان عطاراً وطبيباً يداوي جميع أهل الحي وحتى يؤدي عمليات جراحية وغيرها من المواهب المختلفة التي كانت تصيب وتخطئ في أحيان كثيرة.

تقدم الزمن وتطورالعلم والمدارس والكليات وبدأ ظهور التخصصات في المجالات التي يقوم بها الحلاقين وغيرها وظهرت تخصصات الممرضين والأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وغيرهم وكان ينشأ أحيانا في بدايات الأمر صراع وجفاء بين أهل المهن القديمة والمتخصصين كان أغلبه لأسباب مادية حتى لا يخسرأصحاب الصنعة زبائنهم ودخلهم ومركزهم.
حسم الأمر لاحقا عندما انتشر الوعي بين الشعوب وانتصر العلم الممنهج على الصنعة المكتسبة لعدم توفر مؤسسات مشرفة عليها ولا مناهج أو توثيق معتبر لها.

واكب هذا التطور انتباه بعض المجتمعات والجهات الأكاديمية لموضوع التخصص وأهمية التركيز في مجال محدد لكل علم لبناء المعارف وللوصول إلى النتيجة الأمثل والأفضل سواء على المستوى الفردي أو الجمعي فظهرت مجالات دراسية متخصصة لأمور عديدة وكثيرة  وانعكس هذا على المستوى الفردي  فتحولت مهن كثيرة من مجرد صنعة تكتسب مع الممارسة إلى دراسة شاملة من أشخاص ذوي مواهب مصقولة تتوفر لهم مراجع متعددة لها مصداقية معينة.
 أما على المستوى الجمعي فظهرت إتحادات ونوادي خاصة بمهن أو مواهب وهوايات معينة تبدأ من نوادي المشي والرياضة الى نوادي الطيران وعلوم الفضاء وبينهما الكثير من النشاطات والهوايات المختلفة.

و كملاحظة شخصية ألفت الإنتباه أن مثل هذه النوادي والجمعيات تكون أكثر نشاطا وفاعلية في المجتمعات الديمقراطية الحرة المتعلمة وأقل نشاطا وفاعلية في المجتمعات المتأخرة التي يسودها الاستبداد وتكون أقل حظا من ناحية العلم والحريات كنتيجة حتمية للاستبداد. ومع ندرة الجمعيات والنوادي المتخصصة وقلة فاعليتها في الدول المتأخرة يبحث أعضاء هذه  المجتمعات المذكورة عن بدائل بسبب غريزة الإنسان الإجتماعي بطبعه وغالبا يتم تكوين جماعات أصدقاء وأقارب أو جيران في منطقة معينه ويتم عمل نشاطات اجتماعية تكون غالبا شاملة للعديد من الأمور ومختلطة ببعضها البعض مثل خلط النشاط الاجتماعي مع الديني وجلسات الطعام والولائم ويتخللها نقاش أدبي وسياسي مع جغرافي وعلمي ولا بأس من التكلم عن عالم المال والأعمال والاستثمار والعقار والصيدلة والطب وربما علوم الذرة في جلسة واحدة سريعة يهضم موضوع الطعام وتحضيره وتناوله والثناء عليه أكثر من نصف وقتها ويتم الخروج من هذه الجلسات بالكثير من زيادة الوزن وبالقليل من المعلومات المفيدة المركزة.  
هذه التجمعات التي انتشرت خاصة في البلاد العربية ساعدت في الاستغناء عن المجموعات والهيئات المتخصصة بشكل غير مباشر وساهمت في الانشغال والابتعاد عن أي عمل منظم وغلب عليها مع مرور الوقت طابع الولائم والحفلات المرتبطة بشدة بالطعام والشراب ويكثر التنافس والتناحر بينها نظرا لخلط المواضيع والأمور واختلاف الأهواء والمشارب الثقافية والسياسية وغيرها لكافة الأعضاء والمشاركين مما يؤدي في النهاية للفشل والإنقسام.
أما بالنسبة للمجتمعات الأكثر تقدما والأقل استبداداً فيلاحظ كثرة هذه النوادي والجمعيات وتخصصها وتعاونها مع بعضها وتقارب أفرادها وندرة التنازع والتناحر بسبب التركيز على مجالات محددة وتقارب أهواء ومشارب أعضائها ومشاركيها وبالتالي هذا يؤدي للمتابعة والاستمرار.

 في الختام يبدوا أن معادلة النجاح موجودة وظاهرة لمن يتفكر قليلا ويمكن أن أقول أن أحد أهم أسباب النجاح للموضوع الذي ذكر أعلاه هو تعديل ثقافة أو نمط التفكير للابتعاد عن اللهاث وراء دمج وخلط العديد من الأمور والمواضيع المتباعدة ضمن مجموعة ما بل عمل العكس وهو التركيز والتجمع على عنوانين وأجندات محددة ومتقاربة وواضحة للوصول لنتائج مفيدة للجميع.
-----------------
محمود الجسري