الأحد، 30 أكتوبر 2016

فن هدر الوقت

                        
كيف يمكنك إضاعة سنين من وقت الناس بضغطة زر؟ 
كيف تكون نيتك حسنة وتؤذي مئات وربما ألاف الناس بدون قصد؟
كيف يمكن أن يكون الإنسان حرا شريفاً وبنفس الوقت يساعد مستبد وديكتاتور ومن يعاونه على نشرما يريد نشره أو مساعدته في إلهاء عشرات الألاف وتبديد وقتهم وتشتيت انتباههم؟ 
كيف يمكن مساعدة ظالم وأجهزته بالعمل ضد نفسك وأقاربك وأبناء بلدك وأنت غافل تضحك وتظن أنك تفعل خيرا؟
الأسئلة المشابهة كثيرة ولكن هل تعلم(ي) أن الكثير من الناس وربما أنا وأنت وقع في ما تم ذكره أعلاه بشكل مباشرأوغير مباشر؟
و للإجابة عن تلك الأسئلة يمكن متابعة المقال التالي الذي غالباً لن أعطيه حقه كاملا فالموضوع في تطور مستمر كما هو حال التقنية وأجهزة التواصل وأقل شيء يمكن فعله هو الوعي بالنقاط التي سيتم ذكرها ومحاولة الانتباه لها وتذكرها عند ضغط أي مشاركة أوإرسال رسالة (خاصة لمجموعة من الناس). 
                                   ----------------------

قبل فترة قصيرة تقل عن 20 سنة كان الشخص عندما يريد شيئا من شخص أخر يقوم بالاتصال به هاتفيا بشكل مباشر وعادة تكون مكالمة قصيرة مركزة لها هدف أساسي ومجموع المكالمات اليومية في أقصى حد لا يزيد عن دقائق كمعدل عام وكان من المشهور أن الهاتف يستخدم للضرورة فقط أما اليوم فبعض الإحصائيات تشير الى أن استخدام الهاتف الذكي يصل لمدة 5 ساعات يوميا في أوساط الشباب في بعض المجتمعات - ولكن لنأخذ الإحصائيات الأكثر محافظة - وهي تشير الى معدل (2) ساعتين يومياً وهذا يعني شهر كامل في السنة وهذا يعني معدل 5 سنوات لكل 60 عاما من حياة الشخص المستعمل للهاتف الذكي. 

بعد هذا التمهيد البسيط نقول هل يحرص معظمنا على هذا الوقت أو على الأقل هل سألنا أنفسنا أين تذهب هذه السنوات التي تزيد عن معدل سنوات التعليم الجامعي بل تشكل نسبة عالية من متوسط عمر الإنسان؟   

نحن نعيش في عصر تواصل إجتماعي لم يسبق له مثيل عبر التاريخ البشري وتتوفر لدينا العديد من أدوات التواصل (من أشهرها الواتساب والفيسبوك وغيرها) وكثير منا يستخدم هذه الوسائل بطريقة نافعة - أو يحاول ذلك على الأقل - ولكن يوجد أيضا الكثير ممن لا يحسب حساباً لا لوقته ولا أوقات الأخرين سواء لعدم علم أو لاستهتار أو لتمضية وقت فراغ بالنسبة له غير مدرك أن هذا الوقت هو وقت مهم جدا لغيره ومنهم الجاهل الذي يظن أنه يحسن صنعا وهو يدمر بدون دراية ولا معرفة. 
و مما لاينتبه له الكثير أنه يوجد أيضا جهات مهمتها الرئيسة هي الإلهاء والإغراق المعلوماتي وتشتيت الرأي العام وإضاعة وقت الناس لأهداف عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: 

- ادخال معلومات خاطئة في أذهان الألاف أو الملايين من الناس لتغيير التفكير الجمعي. 
- تحقيق كسب مادي للناشر في زيادة عدد المشاهدات التي يكسب منها حتى لو كان العنوان جذاباً كاذباً. 
- الاستخفاف بعقول العامة ذوي الثقافة المحدودة ونشر معلومة ما ثم معلومة مضادة لزعزعة الثقة أو تحقيق هدف خبيث للناشر (للعلم بعض المجموعات الملحدة تستخدم هذه الحيل كثيرا للتلاعب والضحك والتندر على المتدينين من كافة الأديان).
- فتح باب للنفاق الاجتماعي وفتح الباب للمرائين لاكتساب كاريزما "الشيخ" او الزعيم الديني حيث يقوم البعض بنشر المواعظ كل يوم أو كل ساعة ليقال فلان صاحب دين ولا نستطيع الدخول في النوايا هنا ولكن نتكلم عن من ينشر موعظة في غير مكانها المناسب وأقرب مثال هنا عند دخول شخص على مجلس يتم الكلام به عن موضوع طبي مثلا فيدخل ويقول يجب عليكم ذكر الله كذا مرة أو يضع حديثا مختلفا عن الموضوع الذي يتم النقاش به والمعروف أن لكل مقام مقال وهذه الفئة غالباً لا تراعي المقام ولا المقال وهذا عدا عن المعلومات التاريخية المغلوطة وتسخير البسطاء بكلمة "انشرها ولك الأجر" .
- التخدير العام أو إشعار البعض أنهم قاموا بواجب ما بطريقة وهمية وأوضح مثال على ذلك هو الطلب من عدد كبير من الناس قراءة ذكر أو ورد ما لبعض الناس المهددين بالقتل وفعلا يتم النشر على اوسع نطاق وغالبا يتم عمل المطلوب بطريقة ألية يشعر المتلقي بعدها بأنه قام بما عليه القيام به ويرتاح ضميره وكان يمكن القيام بأعمال مختلفة قد توقف القتل او تفضح القاتل ولكنه تماشى مع أجندة التخدير العام وريح ضميره. 
- تشتيت الرأي العام عن جريمة إنسانية تحصل في مكان ما كقتل او قصف عدد كبير من المدنيين بينما فريق استخباراتي-معلوماتي تابع للقاتل ينشر فضيحة عن ممثلة او خبر عنوانه جذاب جدا ومضمونه فارغ. 
- نشر الأحاديث الموضوعة والأكاذيب الدينية والقصص الخرافية وتكرارها لجعلها حقيقة في أذهان الناس.
- تشتيت انتباه مئات الأشخاص بتنبيهات الرسائل الجديدة وإضاعة وقتهم بوضع مشاركات أو تعليقات في غير مكانها (مجموعة متخصصة تقنية أو طبية مثلا ويضع شخص ما نكته او دعاء أو حتى تحية عامة بدون هدف) وقد ذكرنا أن لكل مقام مقال. 
- وغير ذلك من الأهداف والأجندات المعروفة وغير المعروفة. 

للأسف الشديد الكثير من الناس يساعد في هذا عند إعادة النشروالإرسال وخاصة للمجموعات الكبيرة التي معظم أفرادها بالتالي يقومون بإعادة النشروالإرسال أيضا وبما يخص هذه النقطة يقول المفكر والفيلسوف نعوم تشومسكي ما يلي:
“إستراتيجيّة الإلهاء هي عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والاقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. "

و حتى نتخيل حجم المشكلة والوقت الضائع لنفترض أنه تم نشر فيديو من المحتوى الذي تم ذكره أعلاه وأعاد نشره وإرساله عدة أشخاص وتكررت عملية النشر عدة مرات وكان مدة الفيديو دقيقة واحدة فقط وشاهده مليون شخص على الوسائل المختلفة - والرقم متواضع هنا - بعد إعادة نشره وإرساله وبذلك وخلال دقائق وبضع ضغطات نشر نكون قد أضعنا مليون دقيقة من وقت الناس وهذه تعادل تقريبا سنتين من الوقت (694 يوما تحديدا) وهذا الوقت يمكن عمل الكثير به فكل هذه التنبيهات والمشاهدات لها مفعولها وكم تم تشتيت انتباه أب أو أم عن أبنائهم أو صديق عن صديقه أو محب عن محبوبه أو حتى سائق عن طريقه وهذا موضوع منفصل أيضا له ما له من تفاصيل لا يتسع المقال لها هنا. 

و يوجد أيضا موضوع إضافي سننوه له بدون الدخول في تفاصيله وهو الإدمان على فتح الهاتف ومشاهدته ومتابعة الرسائل الجديدة وما فات منها ومتوسط ذلك هو 3 مرات في الساعة أي بمعدل 30 مرة يوميا على الأقل. 

و حتى لا نطيل على القارئ العزيز ويكون هناك بعض الفائدة نورد بعض النقاط التي قد تكون مفيدة بناء على خبرة شخصية طويلة في مجال المعلوماتية: 

- النقطة الأولى هي الوعي العام بما تم ذكره في المقال والتفكير قبل نشر أي شيء وطرح سؤال ما هو نفع ما يتم نشره وماهدفه؟. 
- المجموعات غير المفيدة التي لا هدف محدد لها تضيع لك الكثير من وقتك وتشتت افكارك فاخرج منها إن لم يكن لها فائدة واضحة محسوسة ومباشرة وطبعا يمكن أيضا البحث عن مجموعات مفيدة لها أهداف واضحة وفائدة مباشرة. 
- وقتك أثمن وأهم من أن يضيع في القيل والقال وقراءة المنقولات التي قد تكون صحيحة او خاطئة.
- قبل نشر أو إعادة نشر أي محتوى تذكر أنه "بحَسْبِ المَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ." وأن هذه مسؤولية كبيرة خاصة إن كنت في مجموعة كبيرة وأن هذا المحتوى قد يصل للألاف ولكل شيء حساب.
- إن وصلك خبر كاذب فكذبه فورا ونبه مرسله حتى يتوقف عن نشره. 
- لا تكن مجرد موظف غير مباشر عند ظالم وإن لم تكن متأكداً من هدف المحتوى أو الرسالة فلا تعد نشرها وإرسالها .  

و في الختام لكل شيء منافع ومضار وأكثر شيء نستخدمه حاليا في حياتنا اليومية هو وسائل التواصل فلنجعلها وسيلة نفع خالص ما أمكننا ذلك حتى نحافظ على ما تبقى من الوقت الذي يمر بسرعة ولا يمكن تعويضه.