الخميس، 16 يوليو 2020

خلاصة كتاب - سيكولوجية الجماهير لغوستاف لوبون

غوستاف لوبون كتب في عدة مجالات لكنه يعتبر مؤسس "علم نفسية الجماهير" وأشهر كتبه تعلقت بعلم النفس الاجتماعي مثل كتاب "سيكولوجية الجماهير". 
هذا الكتاب اهتم بمسألة الجاذبية الساحرة التي يمارسها القادة او الديكتاتوريين على الجماهير والشعوب ويفيدنا وينبهنا عندما يشرح لنا جذور تصرفاتنا العمياء التي تدفعنا للانخراط في جمهور ما او التحّمس لزعيم ما فلا نعي ما فعلناه الا بعد ان نستفيق من الغيبوبة وربما جعلنا هذا أكثر حيطة وحذرا في الانبطاح أمام أي زعيم جديد. 

في مقدمة الكتاب يقول لوبون أن قوة الجماهير تنشأ عن طريق نشر بعض الافكار التي تزرع في النفوس ببطء ثم بواسطة التجميع المتدرج للأفراد من خلال الروابط والجمعيات ثم تتبلور الأفكار وتتشكل النقابات التي تبدأ بالضغط على السلطات. إن الأحداث الضخمة التي تنقلها كتب التاريخ ليست الا أثار مرئية للمتغيرات اللامرئية التي تصيب الأراء والتصورات والعقائد وعواطف البشر خلال انتشار تلك الأفكار. يؤكد لوبون أن أخر سيادة في العصر الحديث هي قوة الجماهير وجبروتها وإننا ندخل في عصر الجماهير. 

في الفصل الأول يعرف الجمهور بأنه مجموعة اجتمعت بتحريض معين وانصهروا في روح وعاطفة جماعية عابرة ومؤقتة تقضي على التمايزات الشخصية وتخفض من مستوى الملكات العقلية الفردية وتتمتع بخصائص محددة ومتبلورة تشكل كينونة واحدة وتصبح خاضعة لقانون الوحدة العقلية للجماهير ويغلب عليها تصرفات اللاوعي من أهم هذه الخصائص أيضا  ذوبان الشخصية الواعية للأفراد وتوجيه المشاعر والأفكار في اتجاه واحد حتى أن الفرد في الجمهور هو مشابه لشخص منوم مغنطيسيا.
أما أسباب ظهور هذه الصفات فمنها شعور الفرد بالقوة مع المجموعة ومن ثم انصياعه لغرائز الجماعة والعدوى العقلية والذهنية والانصياع لهذا التحريض لدرجة قد تصل لعدم الوعي وأحيانا هذا اللاوعي يصنع التاريخ الذي يحتاج تغييره الى بطولات لا واعية الى حد ما. 

في فصل عواطف الجماهير وأخلاقيتها يسرد الخصائص الأساسية للجماهير التي منها سرعة الانفعال والنزق، سرعة التأثر والتصديق والسذاجة، العجز عن المحاكمة العقلية، انعدام الرأي الشخصي والروح النقدية، المبالغة في العواطف والمشاعر، نسج الأساطير وتضخيمها، التطرف في المشاعر (كالنساء حسب تعبيره)، التعصب والاستبداد والنزعة المحافظة.  
الخطيب الذي يريد جذب الجماهير ينبغي ان يستخدم الشعارات العنيفة ويبالغ ويؤكد بشكل جازم ويكرر بدون إثبات أي شيء عقليا وعندما تترك الجماهير لنفسها فإنها تمل تدريجيا من فوضاها وتتجه لا اراديا نحو العبودية لقائد ويذكر لوبون أن الجماهير قد تكون مجرمة (كما كان يعتبرها الطبقات الاقطاعية) وقد تكون أخلاقية فاضلة كريمة نزيهة ومضحية. 

في الفصل الثالث يؤكد الكاتب أن الأفكار تستعصي على الجماهيرإن لم تكن بسيطة وهذه الأفكار تأخذ وقتا طويلا لتترسخ في نفوسها أوالخروج منها أما المحاجات العقلية فهي سطحية - تعميمية ولا يمكن التأثيرالكبيرعلى الجمهورعن طريق تفكير عقلاني ويستشهد بخطابات قادة كثيرين بأنها لتعبئة الجماهير وليست لمناقشة فلاسفة ومفكرين مثلا. بالنسبة لمخيلة الجماهير فهي لا تعرف معنى المستحيل - كالنائم في حلم. ما يدهشهم هو الجوانب الساحرة والأسطورية من الأحداث وطريقة عرضها.
يضرب في هذا الفصل أمثلة على نابليون الذي تظاهر بأنه كاثوليكي ثم مسلم ثم بابوي متطرف حتى يقوم بالتأثير على مخيلة الجماهير ونيل اعجابهم .

ينتقل الكتاب لنقاش العوامل البعيدة المكونة لعقائد الجماهيرفيصفها بأنها عمل طويل وبطيء سابق يدخل ضمنها التقاليد والزمن والعرق والمؤسسات والتربية والتعليم  ثم تأتي العوامل المباشرة أو القريبة التي تثير الجماهير وتجيشها وتهيجها فمثلا يذكر أن من العوامل البعيدة للثورة الفرنسية كان نقد الكتاب والمفكرين للنظام القديم وتجاوزاته عبر فترة طويلة ثم أتت عوامل مباشرة كخطابات الخطباء ومقاومة البلاط الملكي لإجراء اصلاحات زهيدة لم تعد ذات معنى. وينبه المؤلف هنا أن الانجليز والرومان نجحوا في الحفاظ على مؤسسات الماضي لفترة طويلة عن طريق تعديلها تدريجيا.
ينتقد لوبون نظام التعليم الذي لا يرفع مستوى الأخلاقية لدى الأشخاص ويقول أن اكتساب المعارف التي لا يمكن استخدامها هو وسيلة لتحويل الانسان الى متمرد. 

يسرد الكتاب العوامل المباشرة لتشكيل أراء الجماهير مثل الصور والكلمات والعبارات أو الشعارات (مثال: اشتراكية، مساواة، قومية) ثم الأوهام فمن يعرف إيهام الجماهير يصبح سيدا لهم ومن يحاول قشع الأوهام ربما يصبح ضحيتهم ثم يأتي عامل التجارب التي عاشها الشعب مثل الحروب والنزاعات وغيرها.
الجماهير تضع نفسها بشكل غريزي تحت سلطة زعيم ما وهؤلاء القادة ليسوا في الغالب رجال فكر ولايمكنهم ان يكونوا باستثناء من لديه عقيدة أو إيمان قوي وإرادة دائمة قوية، وهذا شيء نادر. القادة هم رجال ممارسة وانخراط ووسائل تحريكهم للجماهير هي: التأكيد  القاطع بدون برهان- التكرار حتى الانغراس في اللاوعي ثم الإيمان الذي يؤدي لتشكل تيار الرأي العام. عدوى إيمان الجماهير تنتشر مثل الجراثيم حتى انها تنتقل عبر الطبقات الاجتماعية الدنيا الى العليا. 
أما وسائل التحريك اللحظي المؤقت كمظاهرة مثلا أو متراس فالقادة المحركين بحاجة لقوة الكاريزما أو هيبة شخصية لتحريض الجماهير.
فرق لوبون بين الكاريزما - الهيبة الشخصية الطبيعية ،التي يملكها نابليون مثلا، وبين الهيبة الموروثة الاصطناعية التي تكون بسبب ثروة أو اسم عائلة أو لقب أو منصب وقد تختفي الهيبة مع الفشل والأشخاص الذين عرفوا المحافظة على الهيية ابتعدوا عن مناقشة الجماهير وأقاموا مسافة بينهم. 
من التحليلات التي تحوي مفارقات أن عقائد الجماهير تأتي من افكار عليا (فلاسفة أو مفكرين غالبا من طبقات المجتمع العليا) ظلت غالبا لفترات دون تأثير واستولى عليها قادة مسحورون بها ونشروها في أوساط الجماهير لتصبح شعبية ثم تعود وتؤثر على تلك الطبقات العليا بعد موت صاحبها بوقت طويل. 

يقول لوبون أن رأي الجماهير يميل الى ان يصبح هو الموجه الأعلى للسياسة وينوه ان التطور وسرعة تغير اراء الناس الذي حدث خلال 30 عاما (في وقته) مدهش الى أبعد حد حيث أن كل الأراء تفقد هيبتها وتبلى بسرعة والأفكار التي تلهب حماستنا نادرة والانسان الحديث مصاب باللامبالاة اكثر فأكثر. 

في الفصل الأخير يذكر الكاتب أصناف الجماهير سواء المتجانسة التي تجمعها روابط عسكرية أو دينية مثلا أو غير المتجانسة مثل محلفي محكمة الجنايات أو جماهير الانتخابات ويضرب أمثلة مفيدة بهذا الخصوص نشاهدها حتى وقتنا الحالي خاصة في ما يتعلق بالانتخابات والمرشحين وتنافسهم والتصويت والبرلمانات التي تعطي أهمية عالية للفصاحة الخطابية على حساب الفكر ويؤكد أنه على الرغم من كل صعوباتها فإن المجالس النيابية تمثل افضل طريقة وجدتها الشعوب حتى الأن من اجل حكم ذاتها ثم بشكل اخص من اجل التخلص من نير الاستبداد والطغيان الشخصي ونبه أن ما يهدد المجالس النيابية خطران هما التبذير الاجباري للميزانية والتقييد التدريجي للحريات الذي بدوره يقلص الطاقات والحوافز ويضخم دور الحكومات فتصبح تدريجيا سلطة استبدادية وهذه لن تدوم. من وجهة نظر لوبون فالحضارات تبنيها وتوجهها النخب المثقفة القليلة العدد وربما كان مجيء عصر الجماهير يمثل احدى اخر مراحل حضارة الغرب. أيضا حذر لوبون ،في ذلك الوقت، من انتصار الاشتراكية لأن نزوات السيادة الشعبية ستكلف ثمنا غاليا جدا.

 أشار الكاتب أن مظاهر التحلل والاباحية توهم بعض الشعوب بامتلاك الحرية وهو لا يعتقد بدوام الحضارة في شعب أو عنصر ما بل أن مسار الحضارة متغير ومتنقل عبر التاريخ.
 وختم الكتاب بتحليل دورة حياة الشعوب ،تحليلا يذكرنا بما كتبه ابن خلدون منذ قرون، وكيف انها تتحول من أفراد الى جماهير متفرقة الى شعب واحد ثم وصول للقمة وبعدها توقف ثم فقدان المثال الاعلى القديم الذي جمع هذه الجماهير وتتلاشى القوى الاخلاقية التي كانت تملك زمام المبادرة فيحصل انحلال  لجماعات اصغر أو افراد معزولين. (انتقال من حالة بربرية لحضرية عن طريق ملاحقة حلم ما ثم انحطاط وموت عند فقد الحلم قوته).

Portrait of a man in his thirties with swept back hair and a large beard
غوستاف لوبون
ملاحظة:  الكتاب نشر عام 1895 وترجمة الكتاب لهاشم صالح عام 1990.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق