الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

الحرب الأمريكية American War – خلاصة رواية

انتشرت خلال 17-2018 الرواية التخيلية الديستوبية "الحرب الأمريكية" و كانت من الأعمال الملحوظة التي ترشحت لعدة جوائز في أمريكا و كندا إضافة لكمّ من التصويتات و التعليقات على موقع القراءة الشهير Goodreads.
يتخيل عمر العقاد - كاتب كندي- في روايته أنه في عام 2075 ستزيد تغيرات البيئة حول العالم  و سينشأ نزاع كبير حول استخدام النفط و أنواع الوقود القديمة  بين الولايات الأمريكية الشمالية و الجنوبية.  هذا النزاع يتطور لحرب أهلية يقتل خلالها اكثر من مئة مليون شخص. 
بطلة القصة هي شابة كانت تعيش مع عائلتها  في منطقة متوسطة بين الولايات المتنازعة. يقتل والدها خلال تفجير للشماليين في منطقة الجنوب و تضطر للانتقال مع والدتها و أخوها و أختها للعيش في مخيم للاجئين و تنتقل في هذا المخيم من طفولتها إلى شبابها و تبدأ بالتعرف على العالم الذي حولها و بناء أفكار معينة.
يتغير العالم سياسيا و جغرافيا و بيئيا في ذلك الوقت حيث تصبح القوى العظمى هي الصين وامبراطورية البوعزيزي التي نشأت بعد نجاح خامس موجة من الثورات على مجموعة الحكام الفاسدين المستبدين و أعوانهم ثم توحدت تلك الدويلات و أصبحت - حسب خيال الكاتب - قوى عظمى في ذلك الوقت. 
تختفي أيضا مدن تحت مياه البحار و تصبح مدن غيرها غير صالحة للعيش فوق سطح الأرض و تبنى مدن تحت الأرض.
خلال إقامتها في المخيم تتعرف على شخص أمريكي من المقاومة و له علاقات  بشخص شرقي من دول خارجية تساعد جميع الحركات الثورية و المقاومة و تدعم هذه الدول الطرفين في النزاع الأمريكي لإطالة فترة الحرب و إضعاف الطرفين لأكبر قدر ممكن و ذلك للحفاظ على مكانتها كدول عظمى لا يوجد لها منافسين. 
تستمر الحياة في ذلك المخيم حتى تهاجم بعض الكتائب الجنوبية قافلة عسكرية شمالية فتتدخل بعض كتائب الشمال و تدمر المخيم و تقتل جميع من فيه باستثناء قلة قليلة. 
تنجح بطلة الرواية في إنقاذ أختها و تقتل والدتها و يصاب أخاها إصابة فادحة. 
ينتقل من بقي من الأسرة إلى مكان أمن في الجنوب و تحصل ،من بعض التعويضات، على بيت مجاور لنهر للعيش فيه. تكبر رغبة الانتقام لدى بطلة القصة و ينمي هذه الرغبة صديقها الأمريكي في المخيم و يدعمها صديقه الشرقي كذلك فتصبح قناصة تذهب في حملات قنص فردية و تتغيب عدة أيام لتعود منتصرة في كل مرة. 
في إحدى حملات قنصها و بعد تخطيط و معلومات تستطيع قتل أكبر قائد عسكري في الشمال و تسبب هذه الحادثة زلزالا في الشمال لدرجة أن الجيش يتدخل و يجمع ألاف الجنوبيين بشكل عشوائي و يرحلهم لمعتقلات جماعية بعضها توجد في جزر و مناطق منعزلة حيث يتم تعذيبهم و استجوابهم. 
تمضي بطلة القصة أكثر من سبع سنوات في إحدى هذه المعتقلات و تخرج بقايا إنسان محطمة من جلسات التعذيب التي كان أشدها ما يقوم به أمريكي شمالي حاقد على جميع الأمريكيين الجنوبيين مثلها.
بعد فترة من محاولة استرجاع نفسها تستطيع إحدى فرق المقاومة الجنوبية مساعدتها في تحقيق انتقامها من ذلك الشخص الذي عذبها و لكن ذلك الانتقام كان أشبه بمن يشرب من ماء البحر المالح و يزداد عطشا.
في نهايات الحرب كاد الجنوب ينهزم وهنا تدخل ذلك الصديق الشرقي و عرض عليها سلاحا بيولوجيا جديدا سيفتك بالملايين إن قبلت ان تضحي بنفسها لتناوله و إدخاله للشمال و هذا ما حصل بعد أن تركت جميع مذكراتها لابن أخيها. 
في الرواية تفاصيل كثيرة لا يتسع المجال لذكرها و لكنها تنطبق على كثير من الدول و الأمم  وأثبت التاريخ أنه يتغير بشكل مستمر فالقوي قد  يصبح ضعيفا و الضعيف قد يصبح قويا و كما قال أبو البقاء الرندي من مئات السنين: "هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ …. مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ"
ما يبقى هو ما يسجله التاريخ من أفعال سواء على مستوى الأفراد أو الدول. 

الأحد، 19 أغسطس 2018

أنت و الذكاء الاصطناعي

أنت والذكاء الاصطناعي



كيف تبدأ (ي) - كشخص عادي وغير تقني - بتوظيف الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه؟ ولماذا يجب فعل ذلك بسرعة؟
سأجيب أولا عن الشطر الثاني من السؤال لأنه الأهم.

في بدايات ظهور التلفاز ، كان بعض العجائز يظنون أن الناس التي تظهر على الشاشة يمكنهم رؤيتنا كما نراهم. كانت الفكرة مثيرة للضحك وكان الشباب الصغار يهزأون منهم - كانت من الممكن أن تكون فكرة استشرافية مستقبلية عن محادثة الفيديو المباشر المنتشرة الأن – ولكنها في ذلك الوقت كانت مؤشر على جهل أولئك العجائز بالتقنية وعدم ثقتهم ومعرفتهم بها.

تخيل نفسك تعيش في بدايات عصر سابق حصل به اختراع جديد أو ألة جديدة (سيارة مثلا أو جهاز الكمبيوتر في بداياته أو حتى بعض الأجهزة البسيطة التي نستخدمها في حياتنا اليومية) وبدأ العالم كله  في التفاعل مع هذه الأجهزة ولكنك لم تتابعها أو تتفاعل معها فماذا سيحصل عند مواجهتك لهذه التقنية؟.

مع تسارع التقنية الذي لم يسبق في التاريخ البشري المكتوب وبعد فترة بسيطة ستجد نفسك متأخرا في استيعاب ما يحصل وسيكون التأقلم أصعب وقطعا ستخسر الكثير من المزايا والاستفادة منها خاصة إن كانت غير مكلفة بشكل كبير (كتكلفة شراء حاسب قبل عشرين سنة مثلا).

أما إذا كان عندك أطفال ومراهقين فالموضوع يزداد أهمية فهم بحاجة أكبر للتعامل مع الذكاء الاصطناعي والتفاعل معه لأنه سيكون جزءاً كبيرا من مستقبلهم.

للإجابة عن كيفية التفاعل مع الذكاء الاصطناعي فالبداية المقترحة هي أن تقتني إحدى السماعات الذكية المتوفرة في الأسواق و(غوغل هوم – أمازون ايكو – أبل) ويتصدرها – من وجهة نظري - غوغل هوم.

هذه السماعات الذكية أو المساعدات الشخصية التي يتراوح سعرها من 60 الى 70 دولار تعمل على التقاط أوامر محددة وإرسالها لمركز الذكاء الاصطناعي الخاص بكل شركة الذي يحلل الأوامر وترسل الردود في أجزاء من الثانية لملايين من البشر.

بدأت هذه المساعدات الشخصية بعدة أوامر تفاعلية بسيطة ثم تجاوز حاليا عدد الأوامر بتقديري ال 200 أمر ومن الملاحظ أن هناك مئات الجهات والشركات التي تعمل على تطوير تطبيقات إضافية بحيث أتوقع وصول الأوامر والتطبيقات لعشرات الآلاف خلال سنوات قليلة كما هي تطبيقات أجهزة الهواتف الذكية الحالية.

أخيرا ماذا يمكن لهذه الأجهزة أن تفعل؟ وما هي تلك الأوامر التي يمكن إصدارها لها؟

في ما يلي بعضها حيث لا يتسع المجال لسردها كلها هنا:

- تحديد موعد للتذكير سواء موعد عمل أو تناول دواء أو منبه عام ، الاتصال (بها هاتف منفصل عن هاتفك VOIP) ، البحث الصوتي المباشر عن أي معلومة ، تشغيل موسيقى ، الترجمة من وإلى عدة لغات ، التحكم بتشغيل التلفاز أو الإضاءة أو الأجهزة الكهربائية (يلزمها إضافات لذلك) ، أسعار العملات والأسهم ومعرفة التوقيت لكل دولة ، مسابقات تعليمية للكبار والصغار ، طلب أخر الأخبار ومعلومات الطقس ، تشغيل محطات الراديو المحلية ، طلب معرفة ساعات العمل لأي محل أو الاتصال بأقرب مطعم ، معرفة مدى ازدحام الطريق ، معرفة أين هاتفك والاتصال به ، استخدامه كألة حاسبة صوتية ، فتح الباب أو إقفاله (تحتاج أجهزة إضافية) وغيرها الكثير مما يستحق تجربته ومتابعته.

التعامل مع هذه الأجهزة منذ وقت مبكر سيبني منطق معين عند الأصغر سنا ولن يجدها شيئا مستغربا عندما تنتشر بشكل كبير في المستقبل القريب حيث أنها ستتصل بكل شيء حولنا ولن يكون هناك أي مفر من التعامل معها في ذلك الوقت ولكن التعامل سيكون إما بخوف وتردد وجهل و إما بثقة ومعرفة وعلم.

علاقة التخلف مع الاستبداد والقهر


( 4 أجزاء)

الجزء الأول.

يحلل الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الرائع "التخلف الاجتماعي - مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" الملامح النفسية للوجود المتخلف في بلدان العالم الثالث وأسباب هذا التخلف ونتائجه المدمرة على الإنسان والمجتمع والدولة. 
في ما يلي بعض ما جاء في هذا الكتاب البديع كخلاصة يتداخلها بعض وجهات النظر الخاصة حسب قراءتي للموضوع وفهمي له:

علماء الاقتصاد هم من أوائل من بدأ بدراسة التخلف. كان الاعتقاد السائد أنه من السهل تحريك اقتصاد الدول المتخلفة للحاق بالعالم الصناعي، وبالطبع كان هذا الافتراض خاطئا بسبب تجاوز المنطق الاقتصادي لعوامل كثيرة، منها الوضعية والبنية الاجتماعية، والأهم من ذلك تجاوزه للإنسان الذي يعيش في العالم المتخلف. بعد ذلك حاول علماء الاجتماع سبر أغوار التخلف وأتى غيرهم من العلماء من شتى المجالات، حتى انتبه علماء النفس لهذه الآفة وتم التركيز على الإنسان وعقله وتصرفاته لدراسة التخلف وأسبابه.

كانت طرق دراسة التخلف بسيطة في البداية، فقد كانت تركز على الفقر وسوء التغذية والحالة الصحية والتعليم ودخل الفرد وغيرها. ومن النتائج المهمة معرفة أن التخلف هو ثمرة الاستغلال والاستعباد، ومن أكبر مشاكل المجتمع المتخلف قلة التصنيع والتطوير حيث يسيطر التجار على جزء كبير من رأس المال وموارد البلاد من خلال دورة تبدأ بشراء بضائع المزارعين وأصحاب الحرف اليدوية بمبالغ زهيدة ثم تصديرها أو إعادة بيعها مع سلع مستوردة بسعر مرتفع، واستثمار الأرباح في البناء وتوسيع المدن، وليس التصنيع والبحث والتطوير، لينتقل الريف للمدينة، وبذلك يزداد الفقر وتستمر دورة الخلل في الدوران. المؤشر المهم جدا هنا معرفة أن التخلفَ من الناحية الاقتصادية هو جزءٌ من آلة النظام الرأسمالي العالمي.

أيضا ربطت الدراسات الاجتماعية الأولية أسباب التخلف بالانفجار السكاني وقلة الموارد والأمراض والبطالة، ثم وصلت لسبب رئيسي وهو وجود قلة عندها امتيازات عالية مقابل غالبية بائسة، وهذا ما يخلق تبعية وعبودية ترسخها ديكتاتوريات وإدارات فاسدة متوَّجةً بقمع للشرطة أو الجيش.

و في وقت لاحق أتى تعريف التخلف بالمنظور النفسي، فهوهنا يتجاوز التقنية والإنتاج إلى هدر لقيمة الإنسان، وهو عالم فقدان الكرامة الإنسانية. هو عالم يتحول فيه الإنسان إلى شيء أو أداة أو وسيلة او قيمة رخيصة تعيش في عالم القهر التسلطي.
عالم القهر التسلطي يتمثل في سيادة القلة التي تمارس العنف المادي والمعنوي على الإنسان في المجتمع المتخلف، وتؤثر على كل ما له علاقة بأمنه وصحته وعمله ومجتمعه ومأواه وغيرها، وتوصله لمراحل يتضح فيها عجزه عن مواجهة القهر والتسلط والطبيعة، فهو لا يدري أي نوع من الضحايا سيكون ومتى وكيف.

يمر واقع الإنسان المتخلف بعدة مراحل، أولها الرضوخ والإذعان، ويليها الاضطهاد، ثم التمرد. وسنسرد في الجزء القادم كيف يتحول الإنسان المقهور إلى عدو لنفسه أولا، ثم كيف يضطهد ويحقد على أبناء مجتمعه، ثم كيف يصل لمرحلة الثورة والتمرد عند ترسخ اليأس من أي حوار سلمي، كما سنرى ما هي ملامح العقلية المتخلفة وكيف أن الكثير من الأمثلة تنطبق على كثير من الدول العربية والدول النامية المتخلفة بسبب الاستبداد والقهر.

معرفة الداء وتشخيص المرض وتوصيفه هي من أهم أسباب علاجه، ومعرفة تفاصيل التخلف والعقلية المتخلفة ستفيد في العلاج إن توفرت الفرصة.

الجزء الثاني.

في الجزء الأول عرفنا أن العالم المتخلف هو عالم فقدان الكرامة الإنسانية وهو عالم يتحول فيه الإنسان إلى شيء أو أداة أو قيمة رخيصة تعيش في عالم القهر التسلطي ووصلنا لسرد مراحل واقع العالم المتخلف التي يمكن تفصيلها في التالي:

1- مرحلة الرضوخ والإذعان وهي أطولها زمنا وأبرز ملامحها الإجتياف (من الإدخال للجوف بمعنى تقبل فكرة التبخيس للمقهورين والتعظيم للمتسلط) وفيها يزدري المتخلف ذاته ويزدري غيره لأنهم يعكسون مأساته وعاره وللمرأة النصيب الأكبر في هذه المرحلة من التحقير والتسلط. يتخلل هذه المرحلة عداء خفي من المواطن المقهور يتمثل في تخريب ممتلكات الدولة والتهرب من العمل وأحيانا انتقام خفي من المتسلط بالنكات والتشنيعات.

ينتشر أيضا الكذب والنفاق والفساد الذي يشمل الرشوة والمحسوبيات ويصبح جزءا من كل شيء ولعبة إلزامية لجميع المقهورين ومن يتجنب هذه المنظومة ينظر إليه كأنه ساذج أو غبي.

ينتج عن القهر في مرحلة الرضوخ عقد نقص منها شعور بالعجز، عداء للديمقراطية ، خوف. إضافة لعقد العار والخجل وهاجس الفضيحة من كل شيء كما يسيطر حب المظاهر على فئات كثيرة.

كما ينتج عن الرضوخ والقهر حالة اضطراب الديمومة وتتلخص في أن طول المعاناة للمقهور تجعله يضخم ألام الماضي مع تأزم في معاناة الحاضر وانسداد افاق المستقبل يرافق ذلك فقد ثقة بالنفس.

خلال فترة الرضوخ يهرب المقهور للماضي المجيد أو ممارسات تنسيه الواقع مثل الزار والمخدرات والتخاريف وغالبا يطغى الحزن على الحالة المزاجية حتى في الأغاني الدارجة والمسلسلات والكتب وكل شيء حوله.

2- المرحلة الثانية هي الاضطهاد حيث يرتفع التوتر النفسي ويصبح عند المقهور غليان داخلي وعدوانية وحقد على الأخرين من الشعب ويلقي اللوم عليهم بسبب ما وصل إليه يرافق هذه العدوانية المباشرة للشعب عدوانية رمزية للمتسلط.

عبر مرحلة الاضطهاد يميل المناخ العام للعنف والنزاعات المستمرة بين المقهورين لأسباب تافهة وربما يحصل القتل لخلاف على رأس ماشية أو أفضلية المرور. يرافق هذا شك وحذر من الأخرين ويتحول المجتمع تدريجيا إلى غابة ذئاب.

3- المرحلة الثالثة من مراحل العالم المتخلف هي مرحلة التمرد. حين يرسخ اليأس من الحوار السلمي تبدأ ثورة هدفها رد الاعتبار. حين افترض المستبد أن هذا الشعب لا يفهم إلا بالقسوة وعامله بناء على ذلك حزم ذلك الشعب أمره وعبر عن نفسه بالقسوة لأنه وصل لرد الفعل الحرج في الخيار بين الفناء أو المجابهة.

ومما يميز هذه المرحلة أن قهر فكرة الموت ينسف مشاعر الخوف ويقوم العنف بتوحيد الشعب المقهور.

خلال فترة التخلف هناك ملامح للعقلية المتخلفة تكونت عبر سنين القهر والاستبداد وتتلخص في:

- سطحية وعجز عن غوص في الواقع.
- الانفعال وعدم التجرد والموضوعية.
- خصاء ذهني أو فكري Mental Castration يتلخص في صد القدرة على الفهم بسبب الرضوخ للقهر.
- تردد وخوف من الفشل.
- تخبط وعشوائية وعجز منهجي.
- قصور الفكر النقدي والفكر المنهجي.
- انعدام المثابرة والدقة.
- قصور التفكير الجدلي. هذا القصور يخلق تصلب ذهني وعدم مرونة(إما-أو).

كل ما ذكر أعلاه هو وليد القهر والاعتباط ويتناسب مع درجة القهر المفروض على ذلك المجتمع.

الجزء الثالث.

في الأجزاء السابقة عرفنا أن العالم المتخلف هو عالم فقدان الكرامة الإنسانية وتحول الإنسان إلى شيء أو أداة تعيش في عالم القهر التسلطي وسردنا مراحل واقع العالم المتخلف من رضوخ إلى اضطهاد ثم تمرد مع تفاصيل كل مرحلة.


ننتقل للاستفسار عن عوامل التخلف؟ البعض يرى أن السبب هو قصور في التطور وافتقار لملكات ذهنية أو قصورعرقي وغيرهم يرى أن السبب هو انتشار الخرافة وكل هذا عبارة عن تحيزات وأحكام مسبقة غير صحيحة.

وذكر البعض أن من الأسباب الرئيسية طبيعة المجتمعات الزراعية حيث الاعتماد على المحسوس والملموس وتحكم التقاليد والعجز عن السيطرة على الطبيعة وأيضا نفتقر للدقة هنا فيوجد مجتمعات زراعية وفي نفس الوقت منتجة صناعيا ومتقدمة.
الجواب الحقيقي هو أن لب التخلف يكمن في أسباب اجتماعية سياسية ولها اتجاهين، أولهما سياسة التعليم والثاني هو التسلط والقهر.

في إشكالية التعليم تؤثر نوعية التعليم وسطحيته على المجتمع كله إضافة للطرق التلقينية والابتعاد عن التفكير الجدلي وعدم ترجمة أحدث العلوم، وأحيانا تنتقل الخرافات أو المعلومات الخاطئة خلال عملية التعليم في المجتمع المتخلف.

أما التأثير الأكبر وسبب التخلف ويليه العنف ،كما سنرى لاحقا، فهو التسلط والقهر حيث تصبح الحركة الفكرية إثما يعاقب عليه سواء بالنبذ أو التصفية ويسيطر الجمود والتصلب الذهني واستلاب للنقد والتحليل.

*****

أما عند النظر في حياة التخلف اللاواعية فقد استنتج الدكتور حجازي التالي:

- في وعي الإنسان يتناسب القهر والقمع الذي يتعرض له المقهور مع درجة القمع والعدوانية في اللاوعي.

- التسلط والقهر يتحول في اللاوعي إلى سادومازوشية وهي خليط من السادية حيث الاستمتاع بتعذيب الأخرين والمازوشية التي هي التلذذ بالألم. المتسلط في موقع السادي والمقهور في موقع المازوشي وهذه علاقة مريضة بدلا عن علاقة التوازن والاعتراف المتبادل بين الناس.

- أحيانا يسعى المقهور في اللاوعي لإيجاد توازن من خلال الهروب من صورة الأب القاسي (المتسلط) إلى الأب العطوف ويبدأ بالتفكير بالأبطال أو الأولياء أو الزعيم المخلص المنقذ وقد يساعد هذا في تخفيف القلق.

- مأساة الإنسان المقهور في اللاوعي تفجر مأساة بدائية وهي القلق الطفلي من انعدام القدرة وعدم الإحساس بالأمن والخوف من هجر الأم.
*****

الحركات الدفاعية التي يتبعها المقهور لحل مأزقه ،خلال مراحل الرضوخ والاضطهاد، تتذبذب بين الانكفاء والتماهي وسيطرة الخرافة ثم تنتهي بعد تلك المراحل بالتمرد والعنف (يرى فانون أن العنف هو نتيجة حتمية للقهر).

يتمثل انكفاء المقهور في التمسك بالتراث والدعوة للماضي (يشجعه المتسلط خاصة في جوانب التدين التي تؤكد سلطته وتسدل الستار على التحرر والعدل والحق). ويميل المتخلف المقهور لتقبل المصير والذوبان في جماعات مغلقة والتعصب لها. والبعض يبحث عن الحماية عن طريق التبعية للغير(ممن هم أقوى وأقرب للفئة المتسلطة).

أما التماهي فينعكس في تقليد المتسلط وأحكامه وعدوانه وفي مرحلة الاضطهاد يصب المقهور جأم غضبه على الأخرين ويعشق السلطة والتعالي والاستعراض ويصاب بعقدة الوجاهة والمظهر ويتبنى قيم المتسلط ويتحول لكائن مزيف فقد هويته ووقع ضحية استلاب فكري وثقافي وعقائدي.

وبالنسبة لسيطرة الخرافة فيلجأ البعض للهروب من الواقع إلى السحر والشعوذات وقراءة الطالع وغيرها من الأمور التي تعطي تفسيرات جبرية للمقهور مما يجعله يستسلم للواقع نتيجة عصور الظلم الطويلة.

مما يميز المجتمع المتخلف في هذه المراحل النشاط الفمي حيث يأخذ الطعام في البلدان المتخلفة قيمة مبالغا بها ويصبح تعويض أساسي عن الإحباطات المتنوعة التي يعاني منها الإنسان المقهور في كل شيء.

الجزء الرابع. 

عندما يفقد الإنسان كرامته ويتحول إلى أداة أو شيء في عالم القهر والتسلط يمر بثلاث مراحل شرحنا منها الرضوخ والاضطهاد وسنتكلم عن المرحلة الأخيرة التي يمر بها المجتمع المتخلف وهي التمرد والعنف.
العنف هو الوسيلة الأخيرة للمقهور عند عجزه عن وسائل الحوار فالعنف هو الوجه الأخر للقهر والاستبداد المفروضين غصبا على ذلك الإنسان في المجتمع المتخلف.

للعنف عدة أنواع منها العنف المقنع في مرحلة الرضوخ ويتمثل في إدانة الذات ، الكسل ، تخريب الممتلكات العامة ، التشنيع بالنكتة (و قد يتساهل المتسلط بشأن النكتة لما فيها من بعض التنفيس) ، الخداع والاحتيال وغيرها.
وهناك عنف رمزي يكون في خرق القوانين أو السرقة ويوجد عنف يتمثل في توتر وجودي وخوف عام واضطهاد يتحول لتعصب عرقي وفاشية ولوم جماعات خارجية ويتطور لحقد نتيجة تراكم مزمن للعدوانية وانغلاق ثم قتال يغذيه المتسلط الداخلي وحليفه الأجنبي. وقد يتحول العنف لسادية سواء فردية أو مؤسسية في المجتمع المتخلف (حيث تمارس في جميع مؤسسات الدولة: جيش - شرطة – سجون - مدارس - مستشفيات الأمراض العقلية.…).

يلاحظ أن العنف في الدول المتخلفة يوجه غالبا للداخل كقمع تمارسه السلطة بينما في الدول الصناعية فهو يتوجه للخارج.

العدوانية هي آفة البشرية التي تحايلت كثيرا للتستر عليها أو تبريرها ولكن توكيد ذات المتخلف يتم من خلال انكار الأخر بالعنف وهذا يفكك جميع الارتباطات العاطفية ويطغى الحقد لدرجة انعدام الاحساس بالضحية ويتم القتل أوالإبادة بكل برود ولا مبالاة كأنه أمر تافه وقد يصبح القتل مبررا كضرورة لإزالة العقبات وإعادة الأمور لنصابها الصحيح بل قد يصبح واجبا من أجل بدء وجود جديد لا تعرقله الضحية في نظر المعتدي.

في المجتمع المتخلف السلطة تخشى من المواطنية فهي تنزلها من الجبروتية الى مستوى اللقاء الإنساني الذي يتضمن اعترافا ومسؤوليات مشتركة متبادلة وبالنسبة للسلطة فلا يوجد علاقة تكافؤ أو ، حوار، بين السلطة والجماهير ، فهم مجرد أتباع وليس مواطنين. وبذلك تبقى جدلية القهر والعنف. القهر الطويل من قبل المتسلط القاسي مولدا للقهر وهدر الإنسانية والعجز في معظم فئات المجتمع ثم تأتي ردة الفعل كعنف بمختلف وجوهه مفجراً أكثر درجات العدوانية بدائية وتدميرا ويصبح العنف تشفيا لا يعرف الارتواء لأن الجرح النرجسي النابع من القهر صعب الإندمال لترسخ صورة المتسلط في أنها لا تفتح السبيل لإنشاء علاقات إنسانية إيجابية ويتبع ذلك انهيار للانتماء الاجتماعي وفقدان أي التزام تجاه الاخرين.

وضعية المرأة هي أفصح الأمثلة في المجتمع المقهور فهو يحرم الاعتراف بوجودها ككائن قائم بذاته، مقيدة في حريتها وقدرتها على الاختيار وتصبح أداة للانجاب والامتاع. يفرض عليها قهر يحد إمكاناتها الذهنية والابداعية والاستقلالية والمادية. المرأة في الطبقة الفقيرة المقهورة هي أداة ولادة وفي الطبقة المتوسطة تعاني من استلاب الذات عند محاولتها تقليد الرجل كنموذج للتحرر والانطلاق وقد تخسر انوثتها دون أن تربح الرجولة أو تتذبذب بين انوثة وتنكر لها. أما في الطبقة الغنية فيحصل لها استلاب معنوي في كونها أداة ثمينة لاستعراض ولمفاخرة للأب أو الزوج وإظهار الجاه والثروة لقد أفلتت من القهر المادي هنا ولكنها وقعت ضحية استلاب معنوي أو موت نفسي أبرز أعراضه الضجر الذي تحاول علاجه بمزيد من الاسراف والظواهر والاستهلاك.
من المهم لحركات تحرير المرأة معرفة أن الاستبداد هو عدو المرأة الأول وهو مسبب رئيسي للتخلف والعنف.


الأحد، 15 أبريل 2018

تقنية وأشرار (3) - أمراض وأدوية


-المقدمة التالية مكررة في هذه السلسلة  لتأكيد أهمية دافع التطور التقني-
"التقنية هي عامل مهم للدفع والتطويرالحضاري والثقافي ويوجد الكثير من الأدلة الشاهدة على ذلك، ولكن هذا لا يمنع أيضا أن تكون في يد الأشرار لمحاولة استغلالها شر استغلال، فهي في النهاية أدوات مثلها مثل الكثير من الأدوات التي تستعمل للخير والشر. السطور التالية تحاول إلقاء الضوء على جانب مظلم من التقنية للتعريف والتوعية. "
----------------------------------
في القرن الرابع عشر انتشر وباء الطاعون الأسود وخلال عدة سنوات قضى على ملايين البشر وتذكر بعض الإحصائيات أن ما يقارب من ربع سكان الأرض المعروفة في ذلك الزمن قضوا نحبهم في هذا الطاعون المميت الذي حير الناس وأخافهم وأربكهم في تلك الفترة. 
قفز التطور العلمي والطبي قفزات كبيرة جعل من الصعب جدا أن يتكرر ما حدث في ذلك التاريخ ولكن مع هذا التطور ظهرت أوبئة وأمراض جديدة مقاومة للأدوية أو مصنعة مخبريا وأصبح التنقل أسرع بمئات الأضعاف.  من الممكن أن ينتقل شخص من وسط القارة الأوروبية إلى وسط أمريكا بالطائرة خلال ساعات بدل أشهر من السفر. هذا التنقل السريع جعل الأمراض والجراثيم تنتقل بسهولة وسرعة أيضا وما فيروسات انفلونزا الطيور والخنازير ببعيدة. 

بعد المقدمة أعلاه تخيل ،عزيزي القارئ ، أنه يوجد أمامك شاشة كبيرة عليها خريطة العالم وموصلة بجهاز كمبيوتر ضخم يحلل جميع ما يبحث عنه ملاييين (أو مليارات) البشر المتصلين بالانترنت بشكل مباشر حول العالم. وتخيل أن من ضمن فئات النتائج التي تظهر أمامك ،على تلك الشاشة، فئة خاصة بالبحث عن أعراض مرض معين أو بحث عن دواء معين مع الإشارة عن موقع البحث الجغرافي. 
ماذا تستنتج إذا لاحظت ارتفاع في حركة البحث عن أعراض السعال أو أدوية السعال لمئات أو ألاف الاستفسارات البحثية في مدينة معينة؟ وماذا تستنتج إذا بدأت حركة البحث بالانتشار من تلك المدينة الى مدينة أو مدن أخرى مرتبطة بمطارات أو وسائل مواصلات سريعة مع بعضها البعض وبدأت كثافة البحث تغطي تلك المدن بدوائر حمراء أو صفراء؟  ماذا إن كانت الأعراض أخطر من السعال وبدأ زحف ذلك المرض يغطي جزءا من مدينتك التي أنت بها؟ ربما تخبر أهلك بالتجهز للسفر وتختار وجهة بعيدة عن  هذا الزحف أو تتخذ بعض الاجراءات المختلفة لحماية نفسك ومن تحب. 

دعني أخبرك أن ما ذكر أعلاه هو ليس بالخيال أبدا بل هو حقيقة ومطبق عملياً عند عدد من محركات البحث الضخمة. 
منذ بضع سنوات أجرى أحد محركات البحث الشهيرة تجربة مثيرة للاهتمام وهي مقارنة نتائج بحث معينة عن أعراض أمراض وبحث عن أدوية وقارنها بما تجمعه منظمة الصحة العالمية من تقارير عن انتشار هذه الأمراض في نفس الفترة الزمنية وكان التطابق في النتائج قريبا جدا ومثيرا للدهشة . 
الفرق الرئيسي حاليا هو أن هذه المراقبة من محركات البحث يمكن أن تجري في ثواني أو في وقت حقيقي مباشر بينما منظمة الصحة العالمية تحتاج لأيام أو أسابيع لجمع هذه المعلومات من المستشفيات والأطباء وتحليلها. 

هذه المعلومات يمكن الاستفادة منها بشكل كبير وعلى مستويات عديدة منها حكومية ومنها تجارية والنقطة الخطيرة هنا هي عند حصول استغلال تجاري. ماذا لو تم احتكار هذه المعلومات من قبل بعض شركات الأدوية وأصبحت تعرف من المصاب بأي مرض وكم عدد المصابين وفي أي منطقة وما الأدوية التي يجري البحث عنها وتحكمت بالسعر قبل الأخرين؟ 

ليس فقط كلمات البحث التي يكتبها الناس بل من المؤشرات الإضافية المهمة ما يتابعه الشخص المريض من مجموعات وصفحات وتعليقات تهتم  او تدل على أمراض معينة ويمكن لشركات الأدوية متابعة تلك الصفحات والانضمام لتلك المجموعات وتحليل البيانات التي بها واستهداف الأعضاء والمعلقين. 

من جانب أخر وللتنبيه على أهمية المعلومات الطبية فإنه عند حصول اختراقات لمشافي او مراكز تحوي بيانات صحية فإن هذه البيانات تباع في أسواق الشبكة المظلمة الخفية بأعلى الأسعار لأسباب كثيرة منها معلومات التأمين الخاص بك مثلا والتي يمكن استخدامها للتحايل على شركات التأمين ودفع وصفات طبية معينة بل ويمكن استخدام معلوماتك للحصول على بعض الأدوية المخدرة إن كانت مسموحة لك لعلاج مرض معين وغير مسموحة للمخترق أو من دفع ثمن هذه البيانات.
الجدير بالذكر هنا أنه ،وفي محاولة لحماية الأمن الصحي والبيانات الشخصية، بعض الدول المتقدمة تمنع تخزين أي بيانات طبية شخصية خارج حدود البلد. تخزين هذه البيانات ونقلها حتى داخل البلد يتطلب إجراءات واحتياطات مشددة في أغلب الأوقات. 
ماذا لو عرفت الشركة التي تعمل بها ،أو تريد العمل بها، او شركة التأمين معلومات وراثية أو طبية تراكمية عنك وعرفت أنك قد تتعرض لأمراض مكلفة؟ أو أنه يوجد لديك احتمالات أعلى لأمراض معينة عند الوصول لسن معين؟ 
في بعض نتائج الدراسات الأمنية فإن أكثر الاختراقات تكلفة هي اختراقات البيانات الصحية وخسائرها تصل لمليارات الدولارات سنويا. 

صولجان هرمس
رمز التجارة والتجار والمقامرين واللصوص
 من المعلومات الطريفة أنه يوجد مراكز صحية ومستشفيات أو صيدليات تستخدم رمز عصا أو صولجان هرمس وهي عصا يلتف حولها ثعبانين وفوقهما جناحان  وهذا بالتالي يرمز لعطارد (ميركوري) حامي التجار والمقامرين واللصوص بينما الرمز الحقيقي للشفاء هو عصا أسكليبيوس وهي عصا يلتف حولها ثعبان واحد وهي الرمز الاغريقي الحقيقي للطب والشفاء. 
عصا أسكليبيوس
رمز الطب والشفاء

في هذا العالم الكثير من الدول والمناطق المتخلفة وحتى المتقدمة التي يطغى فيها التفكير المادي على المبادئ الإنسانية ويكون الربح للشركات أهم من أرواح الناس ومشاعرها. الوعي بالأمور التي ذكرت أعلاه قد يعطي بعض الدوافع والأفكار ، سواء للشخص العادي أو من هو في موقع متحكم بالمعلومات ونشرها، لجعل العالم مكان أفضل للأجيال القادمة. 

الاثنين، 26 مارس 2018

جدلية المصلحة والفكرة والمجتمع

الكلام التالي يحتوي بعض "الفلسفة والتنظير" لذلك ينصح بفنجان قهوة قبله أو خلال تصفحه. 

يدخل مجموعة عندها فكرة ما (سواء ضارة أو مفيدة) على مجتمع ما ويكون أمام شخصيات وأفراد ذلك المجتمع عدة خيارات أبرزها:

1- خيار القوة الديكتاتوري: يتمثل في صد أصحاب الفكرة وقمعهم بالقوة وهذا دليل تفوق القوة المادية لذلك المجتمع وليس بالضرورة قوة فكرتهم الخاصة بهم ومنطقهم وعلمهم وغالبا لن ينهي القمع ذلك الفكر المطروح عليهم سواء كان سويا وصحيا او لا بل ربما يجعله مرغوبا بالسر أحيانا. وقد لا يكون هذا الخيار متاحا اذا كانت الفكرة قد تم فرضها من جهة حكومية تميل للديكتاتورية بدون استفتاء المجتمع.

2- الخيار السهل: حين يقرر أغلبية المجتمع إغلاق أعينهم وأذانهم والتقوقع في بيوتهم ومنع أولادهم ومن يخصهم من الأفراد من التفاعل مع ذلك الفكر وقبوله ان كان صالحا أو رفضه إن كان طالحا.
هذا يسمح للفكرة المطروحة بالانتشار التدريجي حيث لم تجد ما يقابلها ولم يحصل عليها اي نقاش وربما تطورت لغسيل دماغ كامل. (من الخيارات السهلة للكثير عدم المشاركة في السياسة أو النشاطات الاجتماعية العامة أو حتى بعضهم تطرف وابتعد عن العلم "المادي" وهذا الخيار غالبا يكون سببه فهم خاطيء للدين ،في معظم الأديان، وكلمة اعملوا وتحويلها لكلمة اجلسوا وناموا )


3- الخيار الصعب التفاعلي أو خيار العمل: يتلخص في التفاعل مع الفكرة والأشخاص الطارحين لها ونقاشها والتوعية منها إذا كانت تضر المجتمع ونشر الأفكار المقابلة لها. 
هذا الخيار يتطلب عمل وجهد ويعتمد على قوة فكرة المجتمع الأولى ووعي هذا المجتمع ككل أيضا.  فإن تقبل المجتمع أفكارا تحوي مبادئ خاطئة فالمجتمع نفسه يحتاج لعمل توعوي وتعليمي ولا يجب إلقاء اللوم على الفكرة الدخيلة التي كشفت هذا الشيء وإن رفض المجتمع هذه الفكرة نظرا لمبادئها الفاسدة فهذا دليل على أن المجتمع ككل بخير.

يحصل في كل هذه المراحل ،خاصة في الخيار الثالث، صراع بين مصلحة أصحاب الفكرة وفكرتهم المطروحة والمجتمع.
فإن كانت مصالحهم (المادية) ستتأثر سلبا حيث لن يتعامل معهم المجتمع بسبب فكرهم حينها سيتم التراجع عن الفكرة تغليبا للمصلحة ،بشرط أن تكون الفكرة هنا مادية، حيث أنه تم تقييمها مقابل المصلحة.
أما إذا كانت الفكرة غير مادية ،بمعنى روحية فلسفية إيمانية، فالجدلية والصراع مع المجتمع سيكون أصعب ولن يؤثر بها ويذيبها إلا الخيار الثالث ( التفاعل والعمل) وربما ينتهي المطاف بتأثر المجتمع بها أو جزء منها ويحصل اندماج بين تلك الفكرة والمجتمع وأفكاره. 

نظريا -و حسب رأيي الشخصي- الخيار الأول يزيد ويشجع على الديكتاتورية التي قد تنقلب يوما ما على ذلك المجتمع نفسه (عندما تتجلى جدلية القوة والفكرة والمجتمع) وربما تتعامل معه بنفس ما سبق وسمح وتعامل به وهو القوة ويصبح ذلك المجتمع هو الضحية.

الخيار الثاني (السهل) سيؤدي في حال ما لوجود فراغ وهذا الفراغ ستملأه أفكار قد تتطور وتتفاعل مع بعضها ثم تصبح طوفانا جارفا لكل من أغلق عينه وأذنه ودفن رأسه في الرمال حتى لا يرى ما يجري وما يحصل من حوله.

الخيار الثالث ،من وجهة نظري، هو الأفضل حيث أنه يشجع الجميع على التدافع الجيد والتفاعل وهذا التضارب في الأفكار إما سيصحح مفهوما مغلوطا أو سيساهم في تطوير أفكار قديمة في المجتمع وفي أسوأ الحالات ربما يتراجع بالمجتمع ويصيبه بمرض ما ولكن سينكشف ذلك المرض لاحقا ويتم علاجه عند دخول فكرة منافسة معالجة لهذا المرض وأفضل ما في الموضوع أن هذا الاختيار الثالث لن يفعل القوة الديكتاتورية التي لا يؤمن جانبها على الأغلب.

في الختام أسرد أبيات للشاعر معروف الرصافي تتعلق بالخيار الأول والثاني :
يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرمُ
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النومُ
و تأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا
و دعوا التفهم جانبا فالخير أن لا تفهموا
و تثبتوا في جهلكم فالشر أن تتعلموا
أما السياسة فتركوا أبدا وإلا تندموا
إن السياسة سرها لو تعلمون مطلسمُ
و إذا أفضتم في المباح من الحديث فجمجموا
و العدل لا تتوسموا والظلم لا تتجهموا
من شاء منكم أن يعيش اليوم وهو مكرمُ
فليمسي لا سمع ولا بصر لديه ولا فمُ
لا يستحق كرامة إلا الأصم الأبكمُ
و دعوا السعادة إنما هي في الحياة توهمُ
فالعيش وهو منعم كالعيش وهو مذممُ
و إذا ظلمتم فضحكوا طرباً ولا تتظلموا
و إذا أهنتم فاشكروا وإذا لطمتم فابسموا
إن قيل هذا شهدكم مر فقولوا علقمُ
أو قيل إن نهاركم ليل فقولوا مظلمُ
أو قيل إن ثمادكم سيل فقولوا مطعمُ
أو قيل إن بلادكم يا قوم سوف تقسمُ
فتحمدوا وتشكروا وترنحوا وترنموا

فيديو لطيف للقصيدة أعلاه:


محمود الجسري 
26-3-2018

الأربعاء، 21 مارس 2018

تقنية وأشرار (2) - علم النفس والاستهداف على شبكات التواصل


التقنية هي عامل مهم للدفع والتطويرالحضاري والثقافي ويوجد الكثير من الأدلة الشاهدة على ذلك، ولكن هذا لا يمنع أيضا أن تكون في يد الأشرار لمحاولة استغلالها شر استغلال، فهي في النهاية أدوات مثلها مثل الكثير من الأدوات التي تستعمل للخير والشر. السطور التالية تحاول إلقاء الضوء على جانب مظلم من التقنية للتعريف والتوعية. 

الجزء الثاني من هذا الموضوع - قد انتشرت فضيحة متعلقة به منذ عدة أيام متورط بها شركة كامبردج اناليتكا وفيسبوك -  يتعلق باستخدام علم النفس والتحليل والقياس النفسي - Psychometric analysis - للتلاعب بالعقول والأفكار على شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى ما يسمى بالتنميط - Psychometric profiling - ثم استخدام النتائج للتأثير والتوجيه بشكل مباشر او غير مباشر.
و هذه العملية بدأت بشكل ما (غير رسمي) مع بدايات الإنترنت وبدأت بالتطور مع دخول تطبيقات المنتديات والمحادثة ثم وصلت لمكانة وتقنية متقدمة جدا مع دخول التطبيقات التي جمعت ملايين البشر مثل تويتر وفيسبوك وغيرها. 

إختبارات السايكوميتري أو القياس النفسي هو فرع من علوم النفس واستخدمت هذه الاختبارات في البدايات لقياس معيارمناسبة الموظفين لمناصب معينة  ودرجة ذكائهم واستعدادهم لتلك الوظيفة عبر طرح عدة أسئلة أو امتحانات بسيطة يتم بعدها قياس الأنسب والأجدر بناء على الإجابات.
بعد ذلك طُورت هذه الاختبارات والأسئلة للدخول في عالم التسويق ومعرفة من سيشتري منتج معين اويقبل بفكرة معينة بناء على درجة ذكائه وما يفضل من منتجات او خيارات في حياته. 
Psi
الحرف الاغريقي  ويرمز لعلم النفس
تتكون هذه الاستفتاءات أو الاختبارات عادة من مجموعة أسئلة عامة وقد تكون غير مباشرة وليست واضحة المغزى للشخص المستهدف وفي الوسائل القديمة كانت محدودة ببضع صفحات خاصة بذلك الشخص بذاته ولكن بعد دخولها في شبكات التواصل الاجتماعي الضخمة أصبحت كمية البيانات التي تحصد أضخم بكثير فهذه التطبيقات يمكنها مشاهدة تاريخ الشخص كله منذ بداية استخدامه للشبكة ومعرفة جميع ما اعجبه وما أغضبه وماأحزنه وماسره وأفرحه ولا تنتهي بما أحبه بل أيضا يمكن تحليل كلماته وتعليقاته وما كتبه في حالاته المختلفة إضافة لمناطق ضعفه النفسية وغيرها من المعلومات. ومن الحقائق المثبتة حاليا أن بعض هذه البرامج تعرف عنك أكثر من أصدقائك وزملائك في العمل بل وحتى أكثر من أفراد أسرتك في حالات كثيرة .  

الأخطر من ذلك (وهي إحدى نقاط قضية الساعة مع فيسبوك وكامبردج اناليتكا) هي أن بعض هذه التطبيقات لم تحلل بيانات الشخص المستهدف فقط بل انتقلت لجميع دوائر أصدقائه بناء على الصلاحيات التي وافق عليها ذلك الشخص وبشكل ما سمحت له برامج الشبكة الاجتماعية بذلك وهذا يعني أنه بمجرد أن وافق شخص واحد فيمكن أن يتم تحليل بيانات مئات الأشخاص واذا افترضنا أنه شارك 200 الف شخص بإحدى الدراسات (وهذا ممكن جدا ببعض الاغراءات البسيطة وهو الرقم الذي جرى تداوله في القضية المذكورة) وافترضنا ان معدل الاصدقاء لكل شخص منهم من 250 الى 300 صديق (و هو معدل متواضع من وجهة نظري) فالنتيجة هي أن الشركة حصدت بيانات 50 الى 60 مليون شخص وحللت كل ما يمكن تحليله عنهم وعن شخصيتهم بثمن بخس وتكلفة لا تذكر مقارنة بقيمة البيانات والنتائج. والأنكى من ذلك أن الأغلبية العظمى منهم لا تدري ولم توافق على هذا ولكن تحقق الوصول لهم عن طريق الأصدقاء البسطاء المخلصين (هنا يحضرني مقولة عدو عاقل أفضل من صديق جاهل )

بعد موسم الحصاد لهذه البيانات الضخمة وتحليلها يأتي دور ما يسمى - Microtargeting - وهنا يتم استهداف كل مجموعة مصغرة أو حتى شخص حسب أهوائه وحسب موقعه من التصنيف أو التنميط الذي  وضع به سابقا وذلك للوصول للهدف الرئيسي ومعرفة تفاصيل تفكيره والتأثير عليه سواء لشراء منتج أو التصويت لرئيس معين أو تصويت وطني سواء تجاري أو سياسي أو اتخاذ أي قرار يصب في صالح العقول التي صممت تلك الدراسة أو من دفع لها لتصميمها.
يمكن أيضا التأثير بطرق مختلفة مثل عرض محتويات تحفز الحزن أو الغضب أو غيرها من المشاعر عند عشرات أو حتى مئات الألاف من الناس في مناطق معينة وحسب جنس أو فئات عمرية معينة وغيرها من الطرق المباشرة أو غير مباشرة في التأثير.  

الجدير بالذكر هنا أنه هذه الشركات لا تؤثر في دولة واحدة فقط بل هي ذات امتداد عالمي وبعضها اتهمت بتورطها في اكثر من 20 دولة وقرارات سياسية وتجارية مختلفة.

من أشد مساوئ هذا الموضوع التأثير على المسار الديمقراطي والبحث والقرار الحر لدى كل شخص مستهدف واستخدام مستوى ذكاء عالي جدا منتج من قبل نخبة من العقول الجبارة للتأثير على أشخاص أقل ذكاء. يمكن المقارنة هنا بمجموعة أشخاص أو عصابة مفتولي العضلات ومسلحين بأسلحة ذات تقنية عالية يفرضون رأيهم على أشخاص أقل منهم قوة وبدون أسلحة. 

ما الفرق بين الذكي الذي يستخدم عقله للتلاعب بشخص أقل ذكاء واللص القوي الذي يجبر فقيرا ضعيفا على التخلي عن ماله أو قوت يومه له. ربما ينظر لها البعض بنظرة ميكافيللية أو داروينية من زاوية أحادية تبريرية خاطئة ومادية بحتة بقولهم أن البقاء للأذكى في هذه الحالة ولكن هذا التلاعب في النهاية يؤذي المجتمع الديمقراطي ويعمل ضد العقود الاجتماعية التي يعمل بها كأسس وقوانين إضافة للمبادئ الأخلاقية التي قد تكون أخر ما تفكر به هذه الشركات التي تسعى للربح المادي فقط ولا يهمها حياة الشعوب ودمائهم. 
و بالطبع ،و كما يقال لايفل الحديد إلا الحديد، فهناك الجانب التقني الإيجابي الذي يمكنه اكتشاف هذا التلاعب وفضحه ولكن هذا لا يكفي بل يجب أن يكون الوعي بما يجري منتشرا بين جميع الناس وآمل أن تساعد هذه المقالة في ذلك. 

محمود الجسري
21-3-2018

الاثنين، 26 فبراير 2018

تقنية وأشرار (1) - عملات افتراضية

التقنية هي عامل مهم للدفع والتطويرالحضاري والثقافي  ويوجد الكثير من الأدلة الشاهدة على ذلك، ولكن هذا لا يمنع أيضا أن تكون في يد الأشرار لمحاولة استغلالها شر استغلال، فهي في النهاية أدوات مثلها مثل الكثير من الأدوات التي تستعمل للخير والشر. السطور التالية تحاول إلقاء الضوء على الجانب المظلم من التقنية للتعريف والتوعية.  

سنبدأ بموضوع الساعة وهو العملات الرقمية، مثل البت كوين وغيرها. بدأت البت كوين منذ عدة سنوات كأول عملة افتراضية ، تحمس لها الكثير، منهم تقنيين يقتحمون عالما جديدا ومغامرين يأملون في استثمار معين ورواد لهم أهداف خاصة بهم قد يعرف بعضها ويخفى أغلبها (مثل مخترع العملة ساتوشي الذي استخدم إسما وهميا واختفى في سرداب بلا نهاية بعد إطلاقها)  ومنهم فئة يغلب عليها بعض الأراء الأفلاطونية -إن صح التعبير- التي تحلم بالتخلص من طغيان البنوك والحكومات المركزية وتأمل بنظام مالي جديد بعيد عن سيطرة الأخ الأكبر والقوانين والرسوم المرتفعة الجائرة . أما الفئة الأكبر من جميع ما ذكر سابقا فقد كانت مرتادي السوق السوداء المنتشرة على الانترنت المظلم أو النت العميق -Dark Web- وفي هذه السوق تباع المخدرات والأدوية الممنوعة والأسلحة ومواد وخدمات جنسية ووثائق مزورة، بالإضافة إلى غسيل الأموال القمار وخدمات اختراق وغيرها من الأمور غير القانونية.  كان يتم التسويق والبيع عبر مواقع وأسواق لها برامج خاصة للدخول عليها مثل متصفح تور وغيره ومنها موقع أتلاتنس وموقع الراية السوداء وسوق المزارعين (كناية عن زراعة الحشيش)، ولكن أشهر هذه المواقع -التي أُغلقت- كان يسمى سوق "طريق الحرير".
 كان من الضروري لجميع المتعاملين على هذه المواقع الحصول على السرية التامة وعدم معرفة أي شخص لهويتهم الحقيقية، سواء كانوا بائعين أو مشترين. كانت التعاملات في البداية صعبة وكان يتم ارسال مبالغ نقدية بالبريد أو يجري تبادل البضائع في الأزقة المظلمة أو التحويل بأسماء وهمية أوغيرها من التبادلات المعقدة بعد ذلك حصل الحل السحري، ظهرت البت كوين وضمنت درجة من السرية وتضاعف حجم التبادل التجاري في ذلك العالم المظلم مئات، بل ألاف الأضعاف. لضرب مثال على ذلك - والأرقام مثبتة في عدة تقارير - صادرت هيئة التحقيق الفيدراية بين عامي 2013 و2014 مبلغ 280 ألف بيت كوين من هذه الأسواق بعد عمليات ملاحقة معقدة. (قيمتها كانت في ذلك الوقت تقدر بأقل من 200 مليون دولار، أما على حساب سعر اليوم فهي تقارب ال 3 ترليون دولار) وقد كان هذا غيض من فيض، حيث أنه حسب إحصائيات لموقع طريق الحرير كان قد تم اكثر من مليون ومئتي ألف عملية بيع بداية من عام2011 إلى منتصف عام 2013 وتجاوز مجموع المبيعات التسع ملايين ونصف بت كوين. 



تنبه الكثير لما يحصل في ذلك الوقت وبدأ بعض المضاربين بدراسة السوق وتحديد قوانينه، وسنعود لهم لاحقا.
 في 2016-2017 ازدادت ظاهرة فيروسات الفدية، ولا يخفى على أي متابع تغولها في كثير من الأجهزة بداية من الأجهزة الشخصية مرورا بأجهزة الشركات ثم المستشفيات والمراكز الصحية. كانت العملة الرئيسية المطلوبة للفدية وحل المشكلة هي البتكوين، وكان من الطبيعي عند حصول إختراقات كبيرة وضخمة أن يرتفع سعر البتكوين بشكل جيد. استمر المضاربون والخبراء بالمراقبة بل وبدأ بعضهم بالاستثمار وشراء هذه العملة الافتراضية وتخزينها. 

من المعلومات الطريفة خلال هذا التطور للعملة الرقمية الأولى أنه في 2010 قام أحد المبرمجين المساهمين بتطوير البت كوين، ويدعى لازلو هانيتش، بأول عملية شراء موثق باستخدام البتكوين وقد اشترى وجبتي بيتزا بمبلغ 10 الاف بتكوين (ما يساوي 95 مليون دولار تقريبا بسعر 26-2-2018).
بدأت هذه العملة بأقل من سنت وبعد سبع سنوات وصل سعر الوحدة ما يزيد عن 20 ألف دولار (ثم تراجع للنصف) بشكل فاق كل الخيالات والتصورات.  

لا أدري ما شعور لازلو هذه الأيام عندما يتناول البيتزا، ولكن عودة للعملات الافتراضية فقد أعلن رئيس فنزويلا  نيكولاس مادورو منذ عدة أيام عن إطلاق بلاده لعملة افتراضية رسمية تم تسميتها بترو كوين. وتفكر بعض الدول الأخرى مثل إيران بعمل المثل، وإذا تكرر هذا الموضوع فمن المؤكد أنه سيكون مصدر إزعاج وقلق لكثير من المؤسسات المالية العالمية - لطالما كان المال سببا للحروب.

في أواخر 2017 وبدايات 2018 دخلت العديد من الشركات المالية للمضاربة عليها بشكل رسمي وساهم هذا الدخول بتذبذات كثيرة في الأسعار. 

الجدير بالذكر أنه يوجد الأن مئات من العملات الافتراضية بمسميات كثيرة والتي أرى أن معظمها سيفشل، أما الناجح منها هو ما سيرتبط بمنتج أو خدمة، أوسيدعم من مؤسسات أو دول معروفة بالشفافية والأمانة وبعيدة عن الفساد والاستبداد. 

هناك المزيد من التفاصيل بخصوص العملات الرقمية والكثير من الإيجابيات الواضحة للبعض وذكرت في مئات المقالات المنتشرة،  لكن الهدف من هذا المقال هو إلقاء الضوء على أكثر الجوانب اظلاما في هذه التقنية لتكتمل الصورة الإيجابية والسلبية في ذهن القاريء وأتمنى أن تكون قد وصلت الفكرة، وسأسرد في المستقبل بقية التقنيات الحديثة وجوانبها المظلمة وأدواتها. 

محمود الجسري
26-2-2018