الاثنين، 26 فبراير 2018

تقنية وأشرار (1) - عملات افتراضية

التقنية هي عامل مهم للدفع والتطويرالحضاري والثقافي  ويوجد الكثير من الأدلة الشاهدة على ذلك، ولكن هذا لا يمنع أيضا أن تكون في يد الأشرار لمحاولة استغلالها شر استغلال، فهي في النهاية أدوات مثلها مثل الكثير من الأدوات التي تستعمل للخير والشر. السطور التالية تحاول إلقاء الضوء على الجانب المظلم من التقنية للتعريف والتوعية.  

سنبدأ بموضوع الساعة وهو العملات الرقمية، مثل البت كوين وغيرها. بدأت البت كوين منذ عدة سنوات كأول عملة افتراضية ، تحمس لها الكثير، منهم تقنيين يقتحمون عالما جديدا ومغامرين يأملون في استثمار معين ورواد لهم أهداف خاصة بهم قد يعرف بعضها ويخفى أغلبها (مثل مخترع العملة ساتوشي الذي استخدم إسما وهميا واختفى في سرداب بلا نهاية بعد إطلاقها)  ومنهم فئة يغلب عليها بعض الأراء الأفلاطونية -إن صح التعبير- التي تحلم بالتخلص من طغيان البنوك والحكومات المركزية وتأمل بنظام مالي جديد بعيد عن سيطرة الأخ الأكبر والقوانين والرسوم المرتفعة الجائرة . أما الفئة الأكبر من جميع ما ذكر سابقا فقد كانت مرتادي السوق السوداء المنتشرة على الانترنت المظلم أو النت العميق -Dark Web- وفي هذه السوق تباع المخدرات والأدوية الممنوعة والأسلحة ومواد وخدمات جنسية ووثائق مزورة، بالإضافة إلى غسيل الأموال القمار وخدمات اختراق وغيرها من الأمور غير القانونية.  كان يتم التسويق والبيع عبر مواقع وأسواق لها برامج خاصة للدخول عليها مثل متصفح تور وغيره ومنها موقع أتلاتنس وموقع الراية السوداء وسوق المزارعين (كناية عن زراعة الحشيش)، ولكن أشهر هذه المواقع -التي أُغلقت- كان يسمى سوق "طريق الحرير".
 كان من الضروري لجميع المتعاملين على هذه المواقع الحصول على السرية التامة وعدم معرفة أي شخص لهويتهم الحقيقية، سواء كانوا بائعين أو مشترين. كانت التعاملات في البداية صعبة وكان يتم ارسال مبالغ نقدية بالبريد أو يجري تبادل البضائع في الأزقة المظلمة أو التحويل بأسماء وهمية أوغيرها من التبادلات المعقدة بعد ذلك حصل الحل السحري، ظهرت البت كوين وضمنت درجة من السرية وتضاعف حجم التبادل التجاري في ذلك العالم المظلم مئات، بل ألاف الأضعاف. لضرب مثال على ذلك - والأرقام مثبتة في عدة تقارير - صادرت هيئة التحقيق الفيدراية بين عامي 2013 و2014 مبلغ 280 ألف بيت كوين من هذه الأسواق بعد عمليات ملاحقة معقدة. (قيمتها كانت في ذلك الوقت تقدر بأقل من 200 مليون دولار، أما على حساب سعر اليوم فهي تقارب ال 3 ترليون دولار) وقد كان هذا غيض من فيض، حيث أنه حسب إحصائيات لموقع طريق الحرير كان قد تم اكثر من مليون ومئتي ألف عملية بيع بداية من عام2011 إلى منتصف عام 2013 وتجاوز مجموع المبيعات التسع ملايين ونصف بت كوين. 



تنبه الكثير لما يحصل في ذلك الوقت وبدأ بعض المضاربين بدراسة السوق وتحديد قوانينه، وسنعود لهم لاحقا.
 في 2016-2017 ازدادت ظاهرة فيروسات الفدية، ولا يخفى على أي متابع تغولها في كثير من الأجهزة بداية من الأجهزة الشخصية مرورا بأجهزة الشركات ثم المستشفيات والمراكز الصحية. كانت العملة الرئيسية المطلوبة للفدية وحل المشكلة هي البتكوين، وكان من الطبيعي عند حصول إختراقات كبيرة وضخمة أن يرتفع سعر البتكوين بشكل جيد. استمر المضاربون والخبراء بالمراقبة بل وبدأ بعضهم بالاستثمار وشراء هذه العملة الافتراضية وتخزينها. 

من المعلومات الطريفة خلال هذا التطور للعملة الرقمية الأولى أنه في 2010 قام أحد المبرمجين المساهمين بتطوير البت كوين، ويدعى لازلو هانيتش، بأول عملية شراء موثق باستخدام البتكوين وقد اشترى وجبتي بيتزا بمبلغ 10 الاف بتكوين (ما يساوي 95 مليون دولار تقريبا بسعر 26-2-2018).
بدأت هذه العملة بأقل من سنت وبعد سبع سنوات وصل سعر الوحدة ما يزيد عن 20 ألف دولار (ثم تراجع للنصف) بشكل فاق كل الخيالات والتصورات.  

لا أدري ما شعور لازلو هذه الأيام عندما يتناول البيتزا، ولكن عودة للعملات الافتراضية فقد أعلن رئيس فنزويلا  نيكولاس مادورو منذ عدة أيام عن إطلاق بلاده لعملة افتراضية رسمية تم تسميتها بترو كوين. وتفكر بعض الدول الأخرى مثل إيران بعمل المثل، وإذا تكرر هذا الموضوع فمن المؤكد أنه سيكون مصدر إزعاج وقلق لكثير من المؤسسات المالية العالمية - لطالما كان المال سببا للحروب.

في أواخر 2017 وبدايات 2018 دخلت العديد من الشركات المالية للمضاربة عليها بشكل رسمي وساهم هذا الدخول بتذبذات كثيرة في الأسعار. 

الجدير بالذكر أنه يوجد الأن مئات من العملات الافتراضية بمسميات كثيرة والتي أرى أن معظمها سيفشل، أما الناجح منها هو ما سيرتبط بمنتج أو خدمة، أوسيدعم من مؤسسات أو دول معروفة بالشفافية والأمانة وبعيدة عن الفساد والاستبداد. 

هناك المزيد من التفاصيل بخصوص العملات الرقمية والكثير من الإيجابيات الواضحة للبعض وذكرت في مئات المقالات المنتشرة،  لكن الهدف من هذا المقال هو إلقاء الضوء على أكثر الجوانب اظلاما في هذه التقنية لتكتمل الصورة الإيجابية والسلبية في ذهن القاريء وأتمنى أن تكون قد وصلت الفكرة، وسأسرد في المستقبل بقية التقنيات الحديثة وجوانبها المظلمة وأدواتها. 

محمود الجسري
26-2-2018