السبت، 2 نوفمبر 2019

خلاصة كتاب - الهجرة: كيف تؤثر في عالمنا

الهجرة: كيف تؤثر في عالمنا؟، هو كتاب لعالم الاقتصاد الاستاذ بول كوليير يناقش فيه الهجرة وتأثيراتها سواء على البلدان المهاجر منها أو المهاجر إليها إضافة للمهاجرين أنفسهم وعلى السكان الأصليين ولا ينسى التأثيرات حتى على الذين بقوا في بلادهم ولم يهاجروا. 

يسرد الكاتب كيف هاجر جده من قرية ألمانية الى مدينة انجليزية والعنصرية والمتاعب التي تعرض لها ثم يطرح بعض التساؤلات والأفكار مثل: هل يهاجر الأكثر قوة وجرأة تاركين الضعفاء لمصيرهم وهل يمكن اعتبار الهجرة ثأر او استعمار مضاد حيث يقيم المهاجرون مستوطنات في البلدان المضيفة تؤثر على الموارد والقيم وماذا لو انتشرت الهجرة حتى تتلاشى الهوية والانتماء والقومية؟  ويقول أن طرح سؤال هل الهجرة جيدة أم سيئة هو مثل القول هل الأكل جيد أم سيء... السؤال الصحيح هو كم العدد الأفضل؟. 

بالنسبة له كعالم اقتصاد يعدد الكاتب أعمدة ازدهار الدول التي أهمها: المؤسسات الديمقراطية والاقتصادية ، شعب عنده معرفة بضبط السياسيين إضافة للنموذج الاجتماعي الذي يشمل (المؤسسات العامة - قواعد التعاون والتعاطف الاجتماعي – معايير الثقة والانتماء  – المنظمات والهيئات الخاصة) وعندما يختل ويفشل هذا النموذج الاجتماعي يعمد البعض للهجرة حتى لو كانت بلادهم بها قيم أفضل من البلاد المضيفة لكن اختلال ذلك النموذج يتسبب في فقر وتفاوت كبير في الحريات والديمقراطية التي ترتبط بدورها بالرخاء الاقتصادي.
ينتقل الكتاب لذكر أهم عوامل زيادة الهجرة ومنها: ارتفاع مستوى الدخل بين الدول والحاجة لعمالة ، تخفيف عوائق الهجرة القانونية-الاجتماعية ، ارتفاع عدد المهاجرين من جنسيات معينة مما يجذب أبناء بلدهم. الجدير بالذكر هنا أن هذا الارتفاع لجالية ما يبطئ من ذوبان او اندماج تلك الجالية في البلد المضيف ومما يؤثر في سرعة الاندماج أيضا تعامل السكان الأصليين وقوانين البلد والمساعدات الاجتماعية إضافة للثقافة واللغة. 

يحذر الكاتب من تكتل المهاجرين مع حزب واحد من الأحزاب  لما لذلك من نتائج سلبية منها أن السكان الأصليين سيعمدوا للتكتل مع الحزب المضاد لموازنة القوى وهذا سيصنع سردية أن هناك حزب مع المهاجرين وحزب ضدهم وعند فوز حزب دون الأخر قد يحصل تمييز أو عدم تمثيل كامل لكل الشعب والحل ،من وجهة نظره، هو الحوار المفتوح بناء على معلومات حقيقية وعلمية وعدم الاختلاف حول مواضيع الهجرة بين كافة الأحزاب. 

يربط الكاتب بين الاعتبارات المشتركة والثقافة ومعاييرالثقة في المجتمعات وأهميتها لتحقيق التعاون والمساواة وكيف أن دخول جماعات ذات ثقافات مختلفة قد تؤثر سلبا ويسرد عدة قصص لأحداث حقيقية توضح ذلك. الثقة والتعاطف ضرورة في المجتمع لجعل الأغنياء يعطون للفقراء أو يشاركوهم في الموارد وهذا التعاطف يتطلب إحساس مشترك بالهوية وهذا الإحساس قد ينقص أو يزيد فعلى سبيل المثال في عام 1991 وافق 58% من البريطانيين على زيادة المساعدات الاجتماعية حتى لو زادت الضرائب ولكن في 2012 تقلصت النسبة ل 28%. 

- النتائج الاقتصادية للهجرة:
 يتصور الكثير أن المهاجرين ينافسوا السكان الأصليين على أجورهم إضافة لمشاركتهم المرافق الحكومية والمدارس والمستشفيات والطرق وغيرها من الموارد. ولكن طبقا للدراسات الاقتصادية فإن الهجرة فعلا أثرت على الرواتب المتدنية بينما زادت بقية الرواتب بشكل إيجابي أكبر من النقصان وساهمت في توسيع نطاق الخدمات مما ساعد الكثير من أصحاب الأعمال على زيادة الانتاجية وتوسيع العمل ودفع رواتب أعلى لفئات أكبر وعادة يكون الإبداع أعلى عند المهاجرين مما يساهم في نجاحهم ودفع عجلة الاقتصاد وهذا بدوره جيد للجميع ماعدا بعض الفئات الأقل نجاحا التي يزداد تثبيطها أما بالنسبة للسكن فالحقيقة أنه يحصل تنافس على السكن الاجتماعي وعلى الايجار والشراء وتقل المساحات المتاحة مما يدفع السكان الأصليين للنزوح للضواحي (مثال وسط لندن وأغلبيته المهاجرة).
 من النتائج يظهر أيضا أن المهاجرون رابحون ماديا ولكنهم أيضا خاسرون لأنهم غالبا يتنافسون مع بعضهم البعض بشكل أكبرعندما  يأتي مهاجرون جدد للبلد المضيف وهذا يعبرعن "جدلية الهجرة" حيث يصبح بعض المهاجرون القدامى ضد الهجرة. أيضا في بعض الحالات يشكل المهاجرون نماذج اجتماعية أو مؤسسات فاشلة في بلاد الاغتراب وهي أصلا سبب هروبهم من بلادهم.
من النتائج أيضا استفادة بلاد الأصل من حوالات المهاجرين بشكل كبير. أخيرا يجب ملاحظة أن البلدان الصغيرة اكثر تضررا في خسارة كوادرها (استنزاف العقول) خاصة في حالة تسارع الهجرة منها. 

من الناحية السياسية فالكثير من حكومات بلدان الأصل تعتبر مجموعات المهاجرين منها عبارة عن مخاطر كامنة فهم أرض خصبة للمعارضة التي تنشر افكارها وترتاح تلك الحكومات لهجرة المتعلمين الذين يطالبون بالديمقراطية منها مما يعطي بعض الراحة والتفريغ لصمام الأمان بالنسبة لها. على الجانب الأخر فإن الهجرة قد تساهم في خلق قادة جيدين وموارد بشرية أو أصول جيدة للبلاد التي هاجروا منها. (الدليل هو الأعداد الهائلة من المسؤولين في بلادهم الذين كانوا مهاجرين سابقين)

يناقش الكاتب أيضا جدلية القومية وأهميتها للتعاطف المشترك وخطورتها في نفس الوقت لارتباطها بالعنصرية مقابل الفردية الليبرالية التي قد تؤثر على العمل الجماعي والتعاطف المشترك ويقول أنه يمكن التوفيق بين الانتماء لأمة والوقوف ضد العنصرية في نفس الوقت. 

في الختام يؤكد الكاتب أن سياسة الهجرة خضعت لمجادلات حادة منذ زمن طويل وصممت بدقة لكي تخدم مصالح السكان الأصليين وأن الهجرة المتوازنة المحسوبة ليست خطرا يهدد البلاد المضيفة إن تم موازنتها و التحكم بها بدقة بل هي صورة للتقارب بين الأمم وبفضلها أصبحت المجتمعات ذات الدخل المرتفع متنوعة الأعراق وكيف أن التزاوج المشترك خفف من العنصرية حول العالم وقد تصبح الهجرة طوق نجاة أو برنامج مساعدة لامركزي يحسن حياة الملايين من الشعوب الفقيرة. 

السبت، 10 أغسطس 2019

خلاصة كتاب - مناهج البحث عند مفكري الاسلام.


ينبه أستاذ الفلسفة الدكتور علي النشار(رحمه الله) في كتابه "مناهج البحث عند مفكري الاسلام" على وجود وتطور منظور إسلامي مستقل عن منطق أرسطو وأن علماء المسلمين وضعوا منطق ومنهج مختلف هو المنطق الاستقرائي التجريبي.

يذكر الكتاب في بداياته كيف أن العديد – ممن اشتهروا بالمجددين وقادة الفكر- خلال بدايات القرن العشرين حاولوا تأكيد فرض الحضارة و الثقافة الأوروبية زاعمين أن أسلافنا فعلوا ذلك حين اخذوا بفلسفة اليونان وأن الحضارة الإسلامية ماهي الا ترديد لحضارة اليونان.

لتفنيد ونقض هذا الادعاء سرد النشار عدة دلائل على علم المسلمين بالمنطق اليوناني في العهد الأموي وفي زمن مبكر ثم كيف تكررت تراجمه في العصر العباسي ومنها ترجمة اسحاق بن حنين لأكثر أجزاء الأورغانون (الألة) وهي مجموعة كتب أرسطو في المنطق وكيف أن بعض المغرضين مثل ابن المقفع (روزبه) كتب باب برزويه ومزدك ليؤكد يقينية الفلسفة ووصولها للحق المطلق ليثبت تناقض الأديان بناء على منطق ناقص ويسرد المؤلف مواقف كافة العلماء في العصور السابقة من المنطق و الفلسفة ويبرهن كيف وصلوا للمنهج الاستقرائي التجريبي قبل الغرب بزمن طويل.

يجب التنويه هنا أن الكتاب متخصص في الفلسفة والمنطق ومن الصعب المتابعة بدون عمل أبحاث جانبية والوصول لمعاني بعض المصطلحات الخاصة وقد افتقد الكتاب لأمثلة توضيحية وسرد بعض التعريفات متأخرا، ربما لافتراضه أن القارئ عنده علم مسبق بالمنطق والفلسفة. لذلك اعتذر مسبقا عن أي تقصير أو خلل في الشرح ولكن اجتهدت قدرالمستطاع في تلخيص أفكار الكتاب.

يسرد الكتاب عدة تعاريف للمنطق أبرزها أنه: (قوانين للفكر تعصمه من الزلل في التفكير) وبعضهم قال أنه ألة للفلسفة بينما البعض قال أنه قسم من أقسام الفلسفة ويقسم مواقف العلماء في تلك الفترة من التراث الارسطي لخمسة أقسام مع الاستدلال وتفصيل كيفية تعامل كل فرقة مع المنطق الأرسطي وهم :

1- هلينيون اسلاميون وهم إما فلاسفة أو شراح ملخصين للتراث اليوناني وامتداد للاسكندرين المتأخرين من مدرسة أرسطو المشائية مثل: الفارابي- ابن سينا- الساوي- ابن رشد - أبو البركات البغدادي وقد حاولو التوفيق بين الأراء ولم يعارضوا أرسطو ومنهم اصوليين متكلمين تأثروا بالرواقية -Stoicism ورفضوا كثيرا من عناصر منطق ارسطو واضافوا ابحاثا خاصة بهم مثل السهروردي - أخوان الصفا والخوارزمي.

بعض الأمثلة من أقوال هؤلاء العلماء شرح الخوارزمي للفلسفة (فيلا سوفيا) بمعنى محبة الحكمة والعلم بحقائق الأشياء والعمل بما هو أصلح واعتبار الفارابي المنطق جزءا من الفلسفة ثم قوله انه ألة للفلسفة وشرح ابن رشد ل St. Thomas في قوله أن العملية العقلية الأولى عند العرب هي التصور والثانية هي التصديق (تقسيم المنطق الذي هو أصلا تقسيم أرسطو) وقال معظم الشراح أن التصور هو إدراك المفرد والمفرد هو لفظ (واللفظ جزئي وكلي)و هذا التقسيم للألفاظ أنتج تفكيرا منطقيا لغويا دقيقا. وبما أن الألفاظ مرتبطة بالمنطق دعى بعض العلماء -أبرزهم الشافعي- للقول بأن المنطق اليوناني يستند إلى خصائص اللغة اليونانية فهو منطقها ولن يكون مناسبا للعرب لأن تراكيب العربية تختلف وكانت هذه إحدى الحجج القوية للتغيير وإنشاء منطق جديد خاص بالعرب والنتيجة أن الشراح الاسلاميين لم يقفوا عند حد العناصر الارسططاليسية بل أضافوا أبحاثا خاصة بهم لاختلاف اللغة وأبحاثا أخرى رواقية ومزجوا هذين العنصرين بالعنصر الأرسطي ثم أصبح هذا المزيج هو منطق الشراح المذكورين.
شذ عن هذه الفكرة أبو البركات البغدادي حيث قال أن الألفاظ ودلالتها على المعاني هو علم اللغات. 

يسرد المؤلف العديد من المصطلحات مثل التصديقات (القضاياو الاستدلال): والاستدلال يشمل القياس حيث يدلل على أن القياس الفقهي عرفه المسلمين قبل ترجمة أرسطو بوقت طويل والاستقراء (وهو تتبع الحجة التي يستدل بها من حكم الجزئيات على حكم الكليات)و التمثيل (إثبات حكم في شيء لوجوده في شيء آخر يشترك معه في علة الحكم - الخمرو النبيذ كمثال)و القسمة الافلاطونية التي أخذ بها الجويني (تقسيم الأشياء لأجزاء حتى تعرف مثل القول: الموجودات إما جماد وإما حيوان والحيوان إما ناطق أو لا والناطق هو الإنسان) والفصل (وهو صفة الشيء).

2- الموقف الثاني هو موقف المتكلمون (يشمل هذا الموقف علماء أصول الفقه وعلماء أصول الدين أوأهل النظر مع انهم من غير المتكلمين) الذين رفضوا ونقدوا المنطق الارسططاليسي (كما نقده بعض الرياضيين المعاصرين)و حاولوا اقامة منطق جديد. يدلل الكاتب على أن الشافعي هو أبرز من وضع مباحث الأصول واجتهد بها بينما يعتبر الغزالي المازج الحقيقي للمنطق الارسططاليسي بعلوم المسلمين وهو أول من خلط منطقهم بأصول المسلمين ثم تراجع في أخر حياته وانتقل لطريق أخر هو التجربة الباطنية أو الكشف الصوفي.

يعلل الكاتب عدم قبول المتكلمين للمنطق الارسططالي لأنهم لم يقبلوا أرسطو ميتافيزيقياً فكان من البديهي عدم قبول منهاج بحثه وخالفوه بوضع منطق عملي خالي من الميتافيزيقا ينقسم لحد واستدلال وطريقهم هو قياس الغائب على الشاهد بينما كان طريق المنطق الارسططاليسي هو القياس والبرهان.

يفصل الكاتب رأي الغزالي وكيف تعارض بين المنطق اليوناني والنقل فقضى على الأول لينقذ الثاني حيث ربط نقد العلية وخرق العادة بمعجزات الأنبياء وقد سبق بذلك النقد فلاسفة اوروبيين: مثل مالبرانش (الله هو السبب او العلة الحقيقية – قدم الارادة الالهية وشمولها على المنطق ) - بركلي (أرجع العلية للعقل) - هيوم (مثل الغزالي انكر الضرورة بين العلة والمعلول وتصور العلة ليس في الحقيقة الا تتابع العادة ومنشأ في المخيلة وقكرة تتابع اخرى). كما يرى الغزالي أن افضل الطرق للتوصل للمجهول هي باستخدام المعلوم والتقريب وضرب المثل منه (النجار وجب على مرشده ان يضرب له امثال من صناعة النجارة ليكون أسبق لفهمه) ويعرض الغزالي لاصطلاحات طوائف المسلمين المختلفة في الموضوع والمحمول فعند النحوين يسميان مبتدأو خبر وعند المتكلمين صفة وموصوفا وعند الفقهاء حكماو محكوما ويضع لنفسه مصطلحات جديدة والنتيجة عنده انه لا يجب ان يختلف المسلمين عن اليونانيين الا في الاصطلاحات ولا مشاحة في الالفاظ ثم يسرد كيف غير الغزالي فكرته عن المنطق مع انه سابقا شرطه للثقة ثم ذمه وبالغ في ذم المتمنطقين اكثر من المتكلمين وربط طرقهم بالجهل والكفر وجرى هذا الأمر بعد القرن الخامس وانتشر قول "من تمنطق تزندق" وحرم ابن الصلاح كتب المنطق وكتب أصول الفقه التي تحوي منطقا كما انشغل الفقهاء والعلماء بتحليل وتحريم علوم المنطق.

3- الفريق الثالث من العلماء هم فقهاء السنة والجماعة (أبرز الأمثلة كان ابن تيمية) وكان موقفهم رفض للمنطق الارسطي ونقد ممنهج هادم له رافقه أيضا بناء وإنشاء منطق جديد ذا فكر إسلامي خالص. فصل الكتاب أهمية أفكار ابن تيمية الفلسفية في نقد المنطق الأرسطي بإسلوب علمي منطقي فقد قال ابن تيمية ان المنطق يخالف صحيح المنقول وصريح المعقول ايضا ووصل لمصادر السفسطائيين والشكاك والرواقيون والمتكلمون و قال أن المنطق الأرسطي يقيد الفطرة بقوانين صناعية وهو جامد في مواجهة الحاجات الإنسانية المتغيرة.

كانت الغاية من الحد عند ابن تيمية هو التمييز بين المحدود وغيره وليس تصور المحدود وقد قارب هذا الرأي جون استيوارت مل وبرتراند رسل وجونسون حيث ذكروا أن الحد هو شرح اللفظ فقط.

يبدأ ابن تيمية نقضه للقضية الارسططالية بالتركيز على "نسبية" البداهة (المنطق الارسطي يقسم التصديقات لبديهي ونظري)و قال ابن تيمية أن الناس تتفاوت في قوة اذهانهم أعظم من تفاوتهم في قوة ابدانهم.و من النقاط المهمة جدا هنا أن المنطق الأرسطي قائم على المنهج القياسي ولكن ابن تيمية ،وغيره من علماء المسلمين، تكلم عن التجربة والمنهج و العلم التجريبي الذي هو أساس النهضة الصناعية حيث يعرّف التجربة ب: "محصول الأثر المعين دائرا مع المؤثر المعين دائما فيرى ذلك عادة مستمرة لا سيما إن شعر بالسبب المناسب فيضم المناسب الى الدوران مع السبر والتقسيم" وكذلك تكلم الأشاعرة قبله عن أفكار خاصة بالدوران والمناسبة والسبر. لقد مجد ابن تيمية التجربة والتجريب ويرى انها حاسمة قاطعة وأننا نحتج بها على المنازع وأكد على التواتر ويقينيته بينما أنكر المنطق الارسططاليسي بيقينية القضايا المتواترة ولعل التواتر هو ما دعا الى انشاء علم عظيم هو علم مصطلح الحديث. (و كان ردا حاسما على المنطق الارسطي أيضا).

يقرر الفيلسوف النشار أن ابن تيمية سبق "بيكون"و "جون استيوارت مل" في جعل التجربة أو الاستقراء أساس ومصدر العلم وكيف أنه وضع اسس فلسفة النسبية واضحة في نقده لحقيقة المعرفة. أيضا أكد ابن تيمية أيضا ارتباط المنطق اليوناني باللغة اليونانية وبالتالي لا يمكن ان يستخدمه غير الناطقين باليونانية كما هوو قرر ابن تيمية أن المسلمين توصلوا بأنفسهم وبدون منطق ارسطو لكثير من صور هذا المنطق بإسلوبهم وعباراتهم الخاصة ووصل لقمة الدرج في فلسفة المنهج التجريبي بنقده للمنطق اليوناني القياسي وبدعوته لمنطق اسلامي تجريبي.

بعد ابن تيمية تابع البعض نقد المنطق مثل ابن القيم - الصنعاني - السيوطي وغيرهم حيث يؤكد الصنعاني أن الأولين من اهل البيت والسلف لم يعرفوا المنطق وأن اسلوب القرأن يخالف اسلوب اليونان (اللغة) وقد تأثر بابن تيمية واستشهد به في عدة مواضع (لإبن رشد ردود على هذه الحجة ولكنها تتجاوز موضوع الكتاب). والبعض اتجه اتجاه ابن الصلاح في تحريم المنطق مثل السبكي. (حرمه لمن ليس لديه علم كافي قبله) كما أن للسيوطي كتاب مهم جدا في نقد المنطق بعنوان "صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام" وأهميته تكمن في شموله وترتيبه التاريخي وتلخيصه لبعض الكتب المفقودة.

4- الموقف الرابع من المنطق خاص بالصوفية الذين حاربوا المنطق على العموم سواء بصورته اليونانية أو الإسلامية وقدموا الاستنباط القراني وهو أن يردد الصوفي القران مستغرقا فيه حتى تنفتح له المعاني ثم ينتقل للعبادة والخلوة والتردد بين المقامات والأحوال حتى تنقدح المعرفة فيه او تلقى اليه (ذوق وحدس ورفض للعقل) وهذا ما تحول له الغزالي في أواخر حياته فقد قرر أن طريق الحق لا يتوصل اليه بالعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات وشذ عن هذه الفئة المتصوفة الاشراقيين وأبرزهم السهروردي حيث يقول انه حصل على منطقه بالذوق ثم حاول البرهنة عليه لذلك سموه منطقا اشراقيا برغم التناقض والشك في صحة ما يقرره السهروردي فهي محاولة عقلية بحتة ويميزه الكاتب لأن منطق السهروردي لا يشبه الصوفية كونه نقد المنطق من ناحية عقلية ووضع منطقا عقليا لا يعترف به الصوفية فهو لاكشف ولا ذوق.

5- الفئة الأخيرة من موقف العلماء تجاه المنطق الأرسطي هم علماء العلوم الطبيعية التجريبين مثل جابر بن حيان والحسن بن الهيثم الذين لم يقبلو المنطق لأنه نظري يختلف عن روحهم التجريبية ويدلل الكاتب في هذا الباب كيف انتقل مجلس التعليم العلمي من الاسكندرية في عهد عمر بن عبد العزيز إلى انطاكية ثم حران فمرو وتلاها بغداد وكيف بنى المأمون بيت الحكمة وبدأ البحث التجريبي في مختلف العلوم. تلا ذلك هجرة علوم فارس للعالم العربي ثم علوم الهند والسند التي تكلم البيروني عنها ووصل لنتائج خطيرة وهي انه كان لدى الهنود علم جزئي كبير متقدم لكن بدون رباط علمي منهجي بينما اليونان كانوا عكس ذلك فلديهم نظرية العلم والبرهان لكن بدون علوم الهند الجزئية.

ويبرهن الفيلسوف النشار كيف توصل علماء المسلمين للمنهج الاستقرائي التجريبي كمنهج وطبقوه على علوم الهند واليونان وكيف انكر المؤرخون الأوربيين فضل العرب الفلسفي ولكن لم يستطيعوا انكار فضلهم العلمي (ابن الهيثم - الطوسي - ابن سينا وغيرهم)و يدلل ب جورج ساتون الذي قرر أن اعظم النتائح العلمية لمدة أربع قرون كانت صادرة عن العبقرية الاسلامية باللغة العربية - راجع كتابه Intro. to the history of science.
يدلل أيضا أن التجربة كانت معروفة عند العديد من العلماء ولكن بمسميات ومصطلحات مختلفة فمثلا مصطلح الدوران والدربة هو التجرية عند جابر بن حيان ويدخل في تفاصيل أبحاث جابر بن حيان منها الاستدلال بالإنموذج (المجانسة) والاستدلال بمجرى العادة حسب مدى تكرارها (وهي أمور تكلم بها علماء معاصرون) ودلالة الأثارالتي وصلت عبر التاريخ من شهادة الغير والسماع والرواية. هناك أيضا العالم الكبير الحسن بن الهيثم ومنهجه التجريبي (الاستقرائي) حيث كان يسمي التجربة اعتبار والمجرب هو المعتبر وكان الاثبات عنده بالاعتبار (روجر بيكون ترجم كتاب البصريات للحسن بن الهيثم). ويقول النشار أنه حتى ابن خلدون استخدم المنهج الاستقرائي في براعة نادرة لتفسير الذوات العرضية التي قابلها للتوصل لأحكام عامة.

أخيرا يذكر النشار تقسيمات المناهج لأندريه لالاند ويقابلها بمسمياتها التي عرفها المسلمين وهي 
1-المنهج الاستقرائي وعرفوه بالتجريبي 
2- الاستنباطي وعرفوه بالقياس 
3- المنهج الاستردادي أو التكويني وعرفوه بمصطلح الحديث
 4- المنهج الجدلي وعرفوه بأداب البحث واالمناظرة والجدل 
وقد كان المنهج الاستقرائي التجريبي هو طريق الحضارة الأوروبية الحديثة ووسمها ومبدعها وهو ما انتج الحياة الحديثة وقد عبر إليها هذا المنهج الإسلامي المصدر من خلال الأندلس-إسبانيا.



الأحد، 2 يونيو 2019

الحصار التقني

عبر التاريخ وحتى القرن التاسع عشر سمعنا وقرأنا عن حصار القلاع والمدن بعد زحف جيش ما لقتال جيش أخر وكان هدف ذلك الحصار منع وصول أي نوع من الغذاء أوالرسائل أوالأسلحة وعمل عزل كامل للطرف المحاصر بهدف إنهاكه وكسر معنوياته ثم إجباره على الاستسلام.

تطور هذا الحصار لاحقا وحتى القرن الحالي وأصبح له تطبيقات مختلفة مثل منع ارسال معدات وأغذية أو أدوية معينة ضرورية (أوكمالية) للطرف أوالدولة المحاصرة أويتم فرض حصار اقتصادي يفرض عدم بيع وشراء سلع أوتعاون تجاري معها وعادة يكون الطرف الذي يفرض هذا الحصار مهيمنا على دول كثيرة ولديه تحالفات تجارية كبيرة حول العالم.
جميع الحصارات السابقة كانت على أمور ومواد مادية ملموسة ولكن مع تطور التقنية خلال الأعوام الماضية بدأ يتطور معها نوع جديد من الحصار وهو ما أسميه: الحصار التقني.

بدأ الحصار التقني بشكل تدريجي غير مؤثر منذ تطور البرمجيات والأنترنت وكانت الدول المتقدمة في هذا المجال تفرض عدم تصدير برمجيات معينة لدول أخرى ،كمثال على ذلك منع تصدير نسخ من المتصفحات التي تدعم نظام تشفيرعالي إلى دول معينة والسماح بالمتصفحات التي تعمل على نظام تشفير أسهل يمكن كسره أواختراقه لمن يملك الأدوات المناسبة. لم يكن هذا الحصار وما شابهه خلال السنوات الماضية (بعد انتشار النت) ذا قيمة عالية بالنسبة لتلك الدول أوالشعوب لاختلاف أولوياتها وعدم وعيها بخطورة الأمر بل وربما لإرادة الحكومات الاستبدادية بها وموافقة مصالحها لذلك الحصار.

تسارع التطور التقني وظهرت البرمجيات وأنظمة التشغيل التي تعمل من مصادر مركزية والتي يصعب قرصنتها أوسحبها بدون إذن الناشر الرئيسي لها أو بسبب ارتباطها برمجيا بأنظمة التشغيل وبعض هذه الأنظمة والبرمجيات يستخدمها مئات الملايين من الناس مثل أنظمة تشغيل أبل وأندرويد ونظام تشغيل كروم وغيرها.
بعد هذا التسارع التقني وبروز الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين قررت الحكومة الأمريكية تصعيد ذلك والبداية بحصار جديد من نوعه وتم إصدار القانون الخاص بذلك والذي التزمت به مؤخرا عدة شركات ،أهمها غوغل، ولأول مرة في تاريخ العالم يتم فرض حصار على برمجيات تؤثر على مئات الملايين من الأشخاص المستخدمين لهواتف هواوي الصينية الذين لن يستطيعوا تحديث هواتفهم أو تطبيقاتها إلى أي إصدارات مستقبلية منتجة من غوغل خلال الشهور والسنين القادمة.
كان رد شركة هواوي الصينية أنها ستعمل على تطوير برامجها الخاصة بهواتفها ولا يخفى على المتابعين أنها تفوقت ببعض المجالات على الشركات الأمريكية وهذا الموضوع لن يكون عائقا لها الأن بعد وصولها لمرحلة متقدمة من التقنية.

يذكر البعض أن أحد أسباب دخول الولايات المتحدة للحرب العالمية الثانية كان القلق من التطور التقني الألماني وهذا القلق هو شيء طبيعي لأي امبراطورية قوية تجد من ينافسها بشراسة وبشكل مفاجئ والتسارع الذي أدى لهذه المفاجأة هو نتيجة طبيعية أيضا للتطور التقني الذي تجاوز سرعة التبدل السريع بين عصر الزراعة والصناعة.
في المستقبل قد نشاهد حظر محركات بحث وخدمات أساسية مشابهة لمجموعات أو دول. بل ربما أن هذه الفكرة قد وردت بشكل حقيقي لدى جهات كثيرة وخلال 2019 بعض الدول استبقت الأمر وأجرت تجارب لقطع كل شبكاتها الداخلية عن الشبكة العالمية بشكل كلي لمدة محددة لمعرفة ماذا سيجري في حال حصول هذا الانقطاع وإجراء خطوات استباقية لسد أي خلل أو نقص في حال حدث ذلك.

ربما ستظهر الأيام أن الهيمنة التقنية ستكون منفصلة عن الهيمنة العسكرية ،إن لم تتدخل الأخيرة لفرض إرادتها، خاصة وأن المجال التقني يمكن تطوره وظهوره بشكل مفاجيء وسريع كما اثبتت السنوات القليلة الماضية.

الثلاثاء، 2 أبريل 2019

12 قانون للحياة – ترياق للفوضى ج1

12 قانون للحياة كتاب صدرعام 2018  للمفكر الدكتور في جامعة تورنتو جوردان بيترسون وهو كتاب مميز. من المثير للاهتمام في شخصية المؤلف أنه ملأ كل بيته بصور من حقب الشيوعية وفترة صعود الاتحاد السوفييتي بداية من حوائط البيت حتى الأسقف والحمامات وغيرها وذلك ليس حبا بالشيوعية أو بذلك النظام الاستبدادي أو تلك الفترة بل ليذكر نفسه كل يوم وكل ساعة كيف أنه تم خداع وتعذيب وقتل مئات الملايين من الناس تحت حجة الوصول للفضيلة أو الحياة المثالية من خلال أدلجة أفكار معينة بطرق معينة. 
في كتاب “12 قانون للحياة - ترياق للفوضى" يذكر المؤلف ،مسبقا ، أنه ربما لا يعجب الناس المزيد من القوانين فهي مقيدة أحيانا ولكن قد يتفهموها عند سرد أسبابها ودوافعها والحكمة منها ويسرد المؤلف القوانين وأسبابها كقصص ويركز بكثرة على الأيدولوجيات التي قد تبدأ كأفكار بسيطة تحت مسميات علمية أو فلسفية تدعي تفسير أو شرح العالم وتعرض الحل المثالي لجعل العالم ذلك المكان الجميل أو الفاضل وعادة فإن المؤدلج يدعي المعرفة المطلقة بذلك الشرح والحل حتى قبل أن يعرف و يبدأ بإصلاح نفسه وبيته ومن أهداف الكتاب الرئيسية هو "أن تبدأ بترتيب نفسك وبيتك أولا". 
وعلى ذكر الأدلجة ورد في كتاب بعنوان الأيديولجية والمؤدلجين ملاحظة للأستاذ لويس فوير أن الأدلجة أعادت صياغة القصص الدينية في قصص الشيوعية (على سبيل المثال قصة القائد لينين الذي سافر وعاش مع الأسياد ثم عاد للعبيد والأرض الموعودة بوعد اليوتوبيا الذي اصبح لاحقا استبداد الطبقة العاملة).
يذكر المؤلف في عدة مواقع في كتابه أن حياة الإنسان مليئة بالمعاناة لمجرد كونه إنسان وأن الألم والقلق هما من أجزاء الوجود الإنساني كما ذكر رأي أرسطو في أن الفضيلة هي السلوك المؤدي للسعادة والرذيلة هي العكس وأن البشر دائما وضعوا قوانين وعادات ولا يوجد حياة بشرية بدون اهتمام بالأخلاقيات ويؤكد بيترسون أن بعض الناس لا تستطيع الحياة بدون أخلاق وبوصلة وقوانين أخلاقية (حيث أن النسبية  تصعب هذا الموضوع - لأن المذهب النسبي يؤكد استحالة الحكم بكيفية الحياة لأن الفضيلة والرذيلة أمور نسبية.)فالنسبي في هذه الحالة هو عكس المؤدلج الذي لديه إجابة لكل شيء. ويضيف بيترسون أن السعادة كهدف انساني وحيد لا تكفي بل يجب وجود معنى أعمق. 
بعد المقدمة أعلاه يتم سرد القوانين وشرحها مع قصص كثيرة حول موضوع تلك القوانين وفي ما يلي ،حسب قراءتي و استيعابي، مختصر موجز جدا لأولها: 
1- قف مستقيما معتدلا وأكتافك للخلف: يسرد الكاتب عدة أمثلة عن الكائنات وكيفية تطورها عبر ألاف وملايين السنين ومنها اللوبستر – سرطان البحر- (الذي عاش لأكثر من 350 مليون عام أي أنه أقدم من الديناصورات) وكيف أن هذا المخلوق عبر تطوره حافظ  وأبقى على غريزة الهيمنة و السيطرة على منطقته والدفاع عنها وكيف أن جهازه العصبي -على بساطته-  مشابه لكثير من المخلوقات بما فيها الإنسان والصفات التي لديه أخذت ملايين السنين لتتطور وتبقى عنده وعند الكثير من المخلوقات وبقاء هذه الصفات مؤشر أنها  مختارة وضرورية للبقاء وعندما يُجبر هذا الكائن على الخروج من منطقته بعد معركة أو هزيمة فإن مستوى هرمون السيروتونين ينخفض عنده وهذا يقلل الثقة بالنفس (سواء عند اللوبستر أو الإنسان أو أي حيوان) ومع كل انهزام جديد في حياته يقل الهرمون أكثر ويزيد الضغط النفسي (سترس) وتقل السعادة ويزيد الألم والمرض والقلق وحتى معدل الحياة. والعكس صحيح فاللوبستر الناجح تزيد نسبة هرمون السيروتونين عنده ويزداد قوة وثقة وسعادة ومن دلالات هذا التأمل أن الضعيف المستكين غالبا يستغل والذي لا يدافع عن حقه قد يظلم بشكل مستمر والنصيحة العامة للأشخاص هنا أنك إذا مشيت محنيا محبطا سيعاملك الناس كذلك وإذا مشيت مرتفع الرأس مستقيما ستتغير معاملة الناس لك حسب لغة جسدك. الحياة ستتغير عند وقوفك معتدلا وستستطيع تحمل المصاعب بشكل أكبر وسيكون هناك معنى أجمل للحياة. لذلك حاول أن تقف دائما مستقيما معتدلا. 
في الجزء القادم سأسرد المزيد من هذه القوانين اللطيفة المقدمة من دكتور خبير في علوم النفس الشخصية والاجتماعية وله العديد من الأراء الجريئة المثيرة للاهتمام.
-------- الجزء الثاني --------

نتابع خلاصة كتاب 12 قانون للحياة والقانون الثاني هو:
 2- عامل نفسك كشخص أنت مسؤول عن مساعدته:  بمعنى أنك مهم  للأخرين بقدر أهميتك لنفسك لذلك. يتساءل الكاتب لم يحرص الكثير على اعطاء الدواء لمن يحبون ثم يهملوا أنفسهم؟. ويضيف أهمية أن تضع هدف أو أهداف ومعنى في الحياة حتى لا تصبح جحيما.
3- صادق من يريدون الأفضل لك.  قل لي من تصادق أٌقل لك من أنت. لا تصادق من لا تقبل صداقته لأخوك أو أحد من عائلتك بل أحط نفسك بأصدقاء صحيين صالحين جيدين يريدون الأفضل لك. 
4- قارن نفسك بنفسك في الماضي وليس بغيرك في الحاضر وابتعد عن الحسد.
5- لا تسمح لأطفالك بعمل شيء يجعلك لا تحبهم:  أدّب طفلك وإن لم تفعل فإنك قد تترك هذه المسؤولية لقضاء ولقسوة عالم غير مكترث وربما لأخرين سيتعاملون معه بقذارة لتأديبه في أوقات لاحقة من عمره. 
6- رتب بيتك بشكل كامل قبل أن تنتقد العالم: عند الإدراك انك لم ترتب حياتك بشكل كامل فعلى الأقل توقف عن الخطأ. اعتمد على نفسك وحكمها  ولننتبه أن لدينا حكمة قد لا ندركها كاملة موجودة في العادات والتقاليد  فالحياة قصيرة ولن تستطيع معرفة كل شيء بنفسك وحكمة الأباء والأجداد تعبوا عليها وتركوا لك شيئا قد يكون مفيدا ففكر به على الأقل.
7- إسعى لما له معنى وليس لما هو نفعي أو سهل. 
8 - قل الحقيقة أوعلى الأقل لا تكذب: يمكنك استخدام الكلمات لتغيير العالم أما الأكاذيب فهي مدمرة.  لقد تحول العالم من فوضى لنظام بسبب كلمة ونحن قد نحول عالمنا إلى فوضى أو نظام بكلامنا فقل الحقيقة دائما أو على الأقل لا تكذب.
9 - افترض ان الشخص الذي تستمع له يعلم شيئا أنت لا تعلمه وذلك حتى تستمع له بشكل أفضل.
10- كن دقيقا واضحا عندما تتكلم: بمعنى لا تكن غامضا ولا تتهرب من أو تخفي الأشياء والمشاكل الصغيرة في البيت أو العمل ولاتتركها مهملة لتتراكم أي لا تكنس وتخفي الغبار تحت السجادة كل مرة وإلا سيتراكم ويصبح صعب التنظيف.  حدد سبب أي مشكلة وصارح بها وعالجها بشكل مباشر. قد يؤذيك هذا بشكل ما ولكنه لن يكون كبيرا اذا عالجته بشكل مبكر.
11- لا تزعج أو توقف الأولاد وهم يلعبون على ألواح التزحلق:  خلف هذه العبارة يرى الكاتب عملية تدريجية مؤذية ضد الروح الإنسانية فعندما توقف بنتا صغيرة تحاول أن تقف على قدميها بقولك: "لا يمكنك ذلك هذا خطير عليك" فهذا ينطبق على نفس الفعل الذي تفعله عندما تعرقل أو توقف بعض الأولاد من اللعب بألواح التزحلق.  أنت توقفهم من التطور والتجريب والاستكشاف واختبار انفسهم وقوتهم وصلابتهم وأمور كثيرة لديهم. 
يتطرق الكاتب هنا لطرح عدة أفكار ذات علاقة منها أن المجتمع بعد الشيوعية لم يعد مجرد قمع الأغنياء للفقراء بل قمع مجموعة من الأقوياء في الحكم لجميع الشعب.  أيضا يذكر عقدة الأم الأوديبية التي تضحي بكل شيء من أجل ابنها بداية من تحضير طعامه و ثيابه حتى ربط الحذاء هي بذلك تفعل عهدا مع ابنها أن لا تتركني أبدا وسأفعل كل شي من أجلك. عندما يكبر هذا الولد ويصبح شابا بدون نضج كامل فلن يأخذ أي مسؤولية ولا يمكن الاعتماد عليه وربما يكون بلا قيمة وكل غلط يعمله سيلوم الأخرين عليه. ويبين أيضا أنه إذا تم دفع الرجال بقوة لتغيير بعض طباعهم الرجولية فسيحصل ردة فعل ويحصل لديهم اهتمام متزايد بالتفكير السياسي المستبد الفاشي القاسي. جزء من هذا حصل في شعبوية ترامب وكذلك صعود أحزاب يمينية متطرفة في بلدان ليبرالية جدا مثل هولندا والسويد والنرويج.
12- القانون الأخير: اربت على قطة عندما تصادفها في الشارع: بمعنى عندما يكون لديك الكثير من الأفكار التي تشغلك  و(ضايق صدرك) فانتبه للأمور الصغير المريحة مثل أي شيء تصادفه في الشارع من أمور بسيطة وتفاعل معها لتخفيف التوتر عن نفسك وتشتيت انتباهك أو الضحك لتفاهة أو عبثية شيء ما أو لتتذكر أن معجزة الوجود والحياة يمكنها أحيانا أن تعوض عن المعاناة التي تصاحبها.

الثلاثاء، 12 مارس 2019

الفارابي وآراء أهل المدينة الفاضلة


ترددت قبل الكتابة عن الفارابي لظني أن الحديث عن المفكرين المعاصرين قد يكون أكثر جدوى في الوقت الحالي ولكني تذكرت أن الكثير من الكتب الحديثة تسرد أفكار ونظريات ومقولات لأرسطو وأفلاطون وهم أقدم من الفارابي. وخطر لي أن إعادة سرد بعض أفكار الفارابي قد تذكّر القارئ المعاصر بتلك الفترة من التاريخ في القرن العاشر ودرجة رقي تصورات "المعلم الثاني"  للكثير من الأمور والقضايا التي لا زالت تتكرر بأشكال مختلفة في عصرنا الحالي. 
يقول الفارابي أن السعادة هي القيمة العليا في ترتيب القيم التي يسعى لها المجتمع الفاضل ومن شروط  نشأة المجتمع معرفة أن الاجتماع الإنساني ضروري وهو وسيلة لبلوغ الكمال وتحصيل تلك السعادة في الدنيا والأخرة. ويؤكد أن المدينة هي النواة الأساسية للتجمعات الكاملة وهي أول مراتب الخير والكمال لذلك يسرد الفارابي تصنيف المدن وأنواعها  (وربما أسرد تفصيلا عن المدينة الفاضلة  بجزء ثاني في المستقبل) وحيث أن بضدها تعرف الأشياء سأذكر في ما يلي اختصارا لشرح المدن الغير الفاضلة: 
1- المدينة الجاهلية: - لم يعرف أهلها السعادة وما هي -  يظنونها الخيرات الظاهرة مثل سلامة البدن والتمتع باللذات ونيل العظمة. ومن أمثلة أو أنماط المدن الجاهلية:  -المدينة الضرورية: حيث يقتصر أهلها على  الضروري للحياة فقط من مأكل وملبس وزواج - المدينة البدالة: يتعاون أهلها على نيل الثروة والاستكثار من الأشياء فوق مقدار الحاجة وهذه غايتهم في الحياة مع شح عام - مدينة  الخسة والشقوة: قصد أهلها التمتع باللذات من أكل وشرب ونكاح وغاية أهلها اللعب واللذة.- مدينة الكرامة: قصد أهلها أن يكونوا مكرمين ممدوحين مشهورين. - مدينة التغلب: هدف أهلها قهر غيرهم والامتناع عن قهرالغير.  وأخيرا - المدينة الجماعية:  حيث أن لكل فرد مطلق الحرية بعمل ما يشاء والجميع متساوون وهذه المدن هي التي يمكن إنشاء المدن الفاضلة بها لتوارد الجموع إليها واجتماع مختلف الناس والأهواء بها فينشأ بها الأفاضل ويتفق وجود الخطباء والحكماء في كل ضرب من الأمور.
2- المدينة الفاسقة: أهلها يعلمون عن المدن الفاضلة وعلومها ولكنهم ينهجون منهج المدن الجاهلة.
3- المدينة المتبدلة: كانت مدينة فاضلة وتبدلت وتحولت.
4- المدينة الضالة: تسود بها سعادة ظنية غير حقيقية ولا يسير أهلها على عقيدة صحيحة.
5- النوابت أو نوائب المدن وهي ليست مدن بل أفراد يعيشون في المدينة الفاضلة كالشوك بين الزرع ومنهم المقتنصون (بمعنى انتهازيين) يتظاهرون بالأعمال الفاضلة بقصد تحقيق أهداف أخرى. والمحرفة   الذين يحرفون ألفاظ واضع القوانين وأقاويله لتحقيق غاياتهم. ومنهم المارقة المصابون بسوء فهم حيث يفهمون شرائع المدينة الفاضلة على غير مقاصد واضع القوانين. ومنهم المزيفون: الذين يعمدون لتزييف أراء اهل المدينة الفاضلة إضافة للأغمار الجهال. وأخيرا البهيميون: يعيشون كالبهائم. سفاد ورعي وحياة بلا معنى و ربما استعبدوا واستعملوا كالبهيمة وربما يقصد بهم المجرمين ومجتمع و مناطق الجريمة أيضا.
ومن أهم خصال أهل المدن الغير الفاضلة التالي: - تخلف النظام والتراتب الإجتماعي حيث ينال كل شخص مرتبته بالتغلب على على غير استئهال أو استحقاق  منه فعلى سبيل المقال لا يكون العالم فيها عالما حقيقيا  ولا القائد أو المعلم مؤهلا لموقعه - تمادي أهل الجهل والفسق (يصبح أهلها مرضى النفوس يتأذون بالحق والجميل ويلتذون بالسيء نتيجة المواظبة على السيئات باختيارهم وإرادتهم وهذا هو الشقاء)  - سيادة فكرة العدل الطبيعي وهو القهر والقوة والتغالب (وقد يعدل الناس في تعاملاتهم بسبب الخوف من بعضهم وتأتي أجيال بعد ذلك وتحسب أنه عدل ولا تدري أنه خوف وضعف)  - اختلاف ملوكها عن المدن الفاضلة (كل منهم يعمل للحصول على ميوله ورغباته حسب طبع المدينة).
لُقب الفارابي بفيلسوف السعادة لبحثه المستمر عنها و مما يلفت النظر أنه أمضى معظم أوقاته في أواخر عمره في الحدائق والبساتين وقرب الأنهار حيث وجد سعادته هناك. 



أن تكون الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي


تخيل فلم مدته 3 ساعات يحوي على صور متتابعة لمعادلات رياضية وأجوبتها أو أي محتوى تعليمي مرئي. الإنسان العادي سيقضي مدة الفلم كاملة (3 ساعات) ليشاهد ويتعلم وطبعا سيتذكر بعض المعلومات
وسينسى البقية.
ثم لنتخيل أن هذا الفلم أٌدخل لنظام كمبيوتر مبرمج لتحليل الأفلام و الصور بحيث يمكنه قراءتها وتحليل هذه الصور وتعلم المعلومات منها خلال دقائق (وهذا ممكن جدا بتقنيات التسريع الحالية). مثل هذا البرنامج يمكنه مشاهدة ألاف الساعات والتعلم منها والمهم هنا أنه لن يمضي سنوات - مثل الإنسان الذي ترتبط ذاكرته بالمعاني والدلائل - في المشاهدة والتحليل بل مجرد ساعات فذاكرة الألة ترتبط بعنواين مباشرة فيداخلها. 
هذه ببساطة إحدى سرديات الذكاء الاصطناعي المحدود وقد طُبقت فعليا في مجالات عديدة أهمها المجال الطبي. (2017 أدخلت حوالي 129 ألف صورة لحالات سرطان جلد في نظام ذكاء إصطناعي ودرسها ثم أصبح قادرا على تمييزها بشكل موازي لأخصائي مصدق من البورد - Nature article Esteva et al).
أمضى البروفيسور ماكس تيغمارك فترة يبحث ويناقش موضوع الذكاء الاصطناعي مع العديد من رواد التقنية والمفكرين ثم ألف كتاب life 3.0 الذي صنف ضمن أفضل عشرة كتب في هذا المجال. يبدأ الكتاب بقصة خيالية ممتعة عن نظام طور نفسه ليصل لمرحلة عالية جدا من العلم ثم يسرد عدة نهايات محتملة في فصول لاحقة. ينتقل بعد ذلك لبعض التعريفات والفروق بين أنواع الذكاء الاصطناعي فمنه الضيق أوالمحدود مثل برامج لعب الشطرنج أوحتى قيادة السيارة ومنه الذكاء الاصطناعي العام الذي يمكنه القيام بعدة مهام مختلفة بما فيها التعلم بمفرده وقد يتفوق على الإنسان. من الأسئلة المطروحة هنا متى سيحصل ذلك وماذا سيحصل بعدها. بالنسبة لمتى فبعض الرواد في هذه الصناعة يقولون أنها قريبة وخلال عشرات السنين وبعض المشككين يقول بل هي بعيدة مئات السنين وهناك مجموعات- وهي الأغلبية - تنادي بالذكاء الاصطناعي المفيد و تتوقع أيضا أنه قريب ويجب أن تُحدد بحوث وأسئلة لطرحها وإجابتها منذ الأن قبل فوات الأوان.
يسرد الكتاب أمثلة منها: من المسؤول حال حصول حادث لسيارة ذاتية القيادة؟ هل هومالك السيارة؟
الركاب؟ أم الشركة المنتجة لها؟ ماذا لوكان الجواب هوالسيارة نفسها حيث سيكون لها تأمينها الخاص وقيمته تتغير حسب تاريخ حوادث ونوع هذا الموديل تحديدا؟ وهذا يدعولسؤال جديد. إذا كان للسيارة
تأمينها الخاص بها فهل تستطيع أيضا أن تملك نقودا وحساب بنكي أواستثماري؟ أوحتى عقار مثلها مثل أي شركة مسجلة؟
ينتقل الكتاب لعدة مواضيع منها التنافس الذي يجري بين الدول المتقدمة في هذا المجال وكيف أن هذا قد يغير العالم فتطور الذكاء الاصطناعي السريع لدولة ما قد يؤدي لسيطرة أحادية على العالم وإذا وصلت دولة أومجموعة من البشر للذكاء العام الذي يستطيع التعلم وتطوير نفسه بسرعة في المستقبل فهم الذين سيتحكمون بالعالم وفي المقابل فإن تطورعدة دول بشكل بطيء موازي سيؤدي لظهورعدة أطراف قوية مسيطرة ومتوازية.(بعض الدول بدأت بتخصيص مليارات الدولارات للبحث و التطوير في هذا المجال).
يشرح الدكتور ماكس أيضا كيف أن التقنية أحيانا قد تقوي الجهات المسيطرة أوالحكومات الاستبدادية بإمدادها بالمعدات وأجهزة التحكم بالشعوب (مثل أنظمة المراقبة والتعرف) وهي أيضا قد تساعد الشعوب والأفراد (مثل التشفير وحرية قراءة المعلومات وغيرها) ويذكر عدة احتمالات لما سيحصل في المستقبل بعد تطور الذكاء الاصطناعي فقد تكون حياة طوباوية في مدن فاضلة أو تكون جحيما ديستوبياً أو تكون بين هذا ذاك في سيناريوهات غريبة وممتعة.
أخيرا أذكر نقاط تستدعي التفكير في هذا الكتاب الجميل: ظن الكثير أن الحروب انتهت بعد اختراع النووي ولكن الأسلحة الذكية والذكاء الاصطناعي قد يقلب هذه المعادلة بشكل كبيرلا يتخيله الكثير. صعودهذا الذكاء ربما يجبرنا على التواضع وعدم الغرور بما وصل إليه الإنسان والأجدر أنه علينا التواضع بكل الأحوال.
 في الختام لتحسين حياة المستقبل يمكننا الكلام عن الذكاء الاصطناعي أو تطوير المستقبل من خلال التصويت للسياسيين لكنك يمكنك تحسين الحياة بشكل يومي مستمر من خلال تصويتك لما تشتريه واختيارك لما تستهلكه وما تشاركه مع الأخرين ودور القدوة الذي تقوم به.



الأربعاء، 27 فبراير 2019

من ذكريات طفل ... - مؤسسة استهلاكية و بونات تموينية

مقدمة وتعريف:
الصورة المرفقة ليست تذاكر سينما أو ألعاب ترفيهية كما يظن البعض بل هي "بونات" أو قسائم مواد غذائية مهمة لحياة معظم الشعب السوري خاصة في فترة الثمانينات وهي فترة فُقدت خلالها الكثير من المواد ومُنع بيعها في محلات البقالة أو أصبحت نادرة أو مهربة ومرتفعة السعر جدا.
يمنح رب كل أسرة عددا من هذه القسائم "البونات" حسب عدد أفراد أسرته للحصول على الأساسيات من رز، سكر، زيت وسمنة وحتى الشاي وما شابه من المواد الغذائية عند توفرها في مراكز توزيع محددة وأحيانا تكون الأوقات عشوائية وغير معلنة للكثير من الناس. هذه العملية هي إحدى ميزات النظام الاشتراكي الذي اثبت ارتباطه بالحكومات العسكرية والفساد والتعذيب والموت في معظم الدول التي مارسته.

حصل لي مواقف كثيرة (كما حصل للعديد ممن عاصر تلك الفترة) في هذه المراكز في فترة ما بين ال 1983 الى 1986 في ما يلي بعض ما اتذكره:


القصة:
- كان صباحا هادئا في أحد الأيام الصيفية وكان يروق لي الصعود واللعب على سطح البيت قبل ارتفاع حرارة الشمس ولكن قطع هذا اللعب في ذلك اليوم نداء جدتي رحمها الله تطلب مني النزول والاستعداد للذهاب لمركز التوزيع (المؤسسة) حيث أنه قد تنائى لسمعها من بعض الجيران أن هناك حركة تفريغ لشاحنة وربما يكون هناك بعض السكر وقد استعد كثير من شباب الحي وشاباته ونسائه وكهوله وحتى أطفاله للذهاب ومحاولة الحصول على ما يمكن الحصول عليه... حاولت التملص لأني تذكرت المعمعة التي مضت من شهر وكيف أني كدت أختنق بعد تحول الطابور الطويل إلى كومة من البشر متراكمين فوق بعضهم البعض وكيف أني جاهدت بصعوبة للخروج من منتصف تلك الكومة البشرية بأقل الأضرار وهي خسارة فردة حذائي الجميل مع بعض الإصابات الطفيفة وضغط جسدي عنيف يصاحبه ضغط نفسي ثم سعادة عند نجاح الخروج وشعور بالولادة من جديد.

طبعا لم تفلح محاولاتي بالتملص بل تم تسليم تلك القسائم "البونات" مع كيس وأمر بالمحاولة وبذل الجهد.

ذهبت متباطئاَ وعندما وصلت كان هناك فعلا بداية طقوس بتكوين شبه طابور وصل لحدود ال 50 شخصا وما زالت الجموع تتوافد متسارعة. كنت أعرف أن هذا الطابور هو شكلي في بداية التوزيع وبعد قليل سيتحول لكومة بشرية عنيفة خاصة عند إحساس الناس أن مدير المؤسسة سيعلن انتهاء الكمية بعد إخفاء جزء كبير منها وتوزيعه لمعارفه وأصدقائه وربما بيع بعضه في السوق السوداء وهذا ما كان يحصل بشكل متكرر.

حاولت التقدم داخل المؤسسة والاستكشاف لمعرفة إن كان هناك صديق أعرفه أو سماع أي كلمات مفيدة للموقف واقتربت من مكتب المدير الذي كان بابه يفتح ويغلق بشكل متكرر لاستقبال بعض الأشخاص المهمين أو الصبايا الجميلات وكان الجميع يخرج من مكتبه بأكياس من المواد الغذائية مع بعض المواد الأخرى. وفي ذلك الوقت كنت أظن أن مكتبه فخم جدا في تلك الفترة ولكن الحقيقة أنه كان مظهرا زائفا وكان مكتبا حقيرا شكلا ومضمونا.

لاحظت أحدهم ممن خرج من ذلك الوكر (المكتب) ينتحي بشخص أخر يعرفه فاقتربت منهم متظاهرا المشي ولم يكترثا بذلك الطفل الذي لم يبلغ المراهقة بعد وكان يهمس له بأن يبقى بعد إعلان أن الكمية نفذت ولا ينصرف ففهمت رسالتهم السرية ،بدون أن أعرف السبب، ثم تابعت المشي مبتعدا حتى لاحظت إشارة بداية التوزيع عندما خرج مساعد المدير من مكتبه كأنه مقدم على إعطاء أمر بتحرير أرض محتلة أو شأن هام من شؤون الدولة وأمر الجميع بالانضباط وإلا سيغلق الأبواب ولن يحصل أحد على شيء مع بعض التهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور فحصلت بعض الهمهمات من الشعب مع بعض الحركات المزيفة بالالتزام بالصف وعندها هرولت مسرعا للحفاظ على دوري الذي تجاوز التسعين وبدأت عملية التوزيع البطيئة المذلة التي تخللها الكثير من المخالفات فمثلا من الطبيعي خلال هذه العملية أن يأتي شخص يحمل بطاقة معينة أو حتى يتكلم بلهجة معينة ويتجاوز الجميع للحصول على حصته من السكر بدون اعتراض وقد يصرخ في وجه مساعد المدير أو يفتح الباب على مدير المؤسسة نفسه متظاهرا بأنه يسلم عليه ويذكره بشيء ما وقد يدعوه الأخر للدخول وإغلاق الباب حتى لا يؤذيه صراخ الشعب المنتظر أو رائحتهم عندما يشتد الزحام والحر.

بعد تجاوز المئة شخص من التوزيع (70 من الصف المنتظر والباقي واسطات) يبدأ التلميح بأن الكمية محدودة والطلب من القادمين الجدد عدم الانتظار والعودة في يوم أخر وهنا يبدأ تحول الطابور تدريجيا إلى مجموعات مضغوطة تندمج كلها في كومة بشرية واحدة يبرز منها عشرات الأيادي مرتفعة بالبونات ومنهم من يتوسل ومنهم من يصرخ سواء قهراً أو ألماً من اشتداد الضغط عليه أو الدوس على رجله أو صبية تم إيذائها من شاب ليس هدفه السكر أو الرز بل شيء أخر وربما كان هدفه السكر ولكنه نسي أو تناسى ذلك وبقي يعارك الجموع.

عادة في مثل هذا الموقف يكون الهدف اختراق تلك الكتلة والوصول للهدف وهو أقرب نقطة للشخص الذي يوزع عسى أن يأخذ مني البونات والكيس ولكني هذه المرة ابتعدت بكل برود ووقفت أراقب ذلك المنظر السيريالي الذي يمثل صراع الشعوب للحياة وتسلط المسؤولين والفساد وربما يمثل الاشتراكية الفاسدة بكل تفاصيلها.

تم الإعلان عن نفاذ الكمية وبدأت تلك الكتلة بالتفكك فمنهم من يخرج وجهه أحمر منكوش الشعر مبعثر الثياب ومنهم من يخرج بدون ما كان ينتعله في رجله ومنهم الباكية الساخطة ومنهم الغير مبالي أو المندهش وتعبيرات كثيرة أعجز عن وصفها في تلك الفترة.

بعد حوالي الساعة انفرط الجميع وبقي أقل من 10 أفراد فخرج مساعد المدير من غرفة جانبية ليعلن بقاء كمية محدودة جدا كانت قد زادت من التوزيع الماضي( أو أي حجة يراها مناسبة) وتم توزيع الكمية لمن بقي بعد انصراف الجموع و التقط المدير خلال ذلك صورة له يعطي أحد المواطنين حصته مبتسما بسعادة.

عدت للبيت أحمل بضعة كيلوات من السكر وكأني أحد أباطرة الرومان بعد انتصاره في معركة مهمة وسلمته بفخر لجدتي بعد المرور بنظرات البعض الغابطة والمستغربة من حصولي على السكر.
لم أكن أعلم أنها إحدى الطرق التي يذل بها المستبدون شعوبهم ويضيعوا أوقاتهم ويشتتوا انتباههم عن فسادهم بالبحث عن لقمة العيش ولكن للأسف لا زالت هذه القصص مستمرة في بلاد الاستبداد العسكري بأشكال وطرق مختلفة.

السبت، 5 يناير 2019

خلاصة كتاب - أتحدث إلى ابنتي عن الاقتصاد

الجزء الأول 
يانيس فاروفاكيس هو دكتور في علم الاقتصاد. يوناني – أسترالي  قام بالتدريس في عدة جامعات و كان وزيرا للمالية و عضو برلمان في اليونان في 2015.  يانيس ألف كتابا بعنوان:  "أتحدث إلى ابنتي عن الاقتصاد" يعتبره رسالة لابنته الشابة ليشرح لها ما هو الاقتصاد و ما هي النقود و لماذا يوجد ظلم أو عدم مساواة في العالم إضافة لأمور أخرى سنحاول إلقاء الضوء عليها في الخلاصة التالية لهذا الكتاب الجميل. 

يؤكد الكاتب أن الحديث عن الاقتصاد يجب تبسيطه حتى يفهمه الناس جميعا و اذا لم يستطع الاقتصادي الخبير فعل ذلك فهو ليس عالم ملم بالاقتصاد بحق. و يقول أنه كلما خف تعقيد هذا الموضوع كلما كان أقرب للحقيقة و هو يشجع كافة الناس أن تتكلم عن الاقتصاد بدون تحفظات فهذا مطلب للديمقراطية الحقيقية في المجتمعات.  و يجب هنا التفريق بين الاقتصاد و السوق فالسوق هو مكان لتبادل البضائع أما الاقتصاد فيتطلب إنتاج وإدارة هذه البضائع. 
يعرّف الكاتب الاقتصاد ،بمعناه الأساسي القديم، بأنه قانون إدارة البيت و لكن بما أن معظم ما ينتج الأن يتم في مصانع ضخمة لتصديره لأسواق عالمية  فهذا لا ينطبق عليه قوانين الاقتصاد البيتي بل الأدق - إذا أردنا - إطلاق اسم السوق أو قوانين السوق. 
ينتقل الكاتب لسرد تاريخ الاقتصاد منذ بداية تطور الزراعة قبل حوالي 12 ألف عام وتحديدا عند بداية ظهور الفائض خاصة في الحبوب و المواد التخزينية الطويلة الأمد. هذا الفائض أدى لظهور و تطور كثير من الأمور منها: الكتابة (لكتابة حصص وحقوق المزارعين في المخازن المشتركة)، النقود (صكوك للعمال و أصحاب الحبوب تظهر مدى ملكيتهم أو حصصهم)، أنظمة الحكم والملك(جهة محايدة لتصديق الصكوك – كريديت باللغة اللاتينية تعني ليصدق)، الجيش (لحراسة المخازن)، الكهانة (لتثبيت الحكام و إقناع الناس بهم)، التقنية(أدوات الزراعة) و حتى الحروب البيولوجية(حيث أن ظهور البكتيريا في التجمعات الضخمة من بشر و حيوانات حول مخازن الحبوب وتأقلمهم معها ثم انتشارهم و انتقال الأمراض المعدية المميتة معهم)  إضافة لغيرها من العوامل. ثم يشرح الكاتب الفرق بين البضائع (السلع) والأشياء الغير مسلعة أو التي لا ثمن لها فعلى سبيل المثال التبرع بالدم هو غالبا ليس سلعة للبيع و عندما تم تحويله لسلعة في بعض البلاد  قل مقدار المتبرعين عن السابق و للأسف في خلال القرنين الماضيين تم تحويل الكثير من الأمور لسلع تباع و تشترى بعد أن كانت غير ذلك ووصل هذا التسليع (التشييء) العالمي حتى إلى حليب و أرحام الأمهات.  لكن لماذا تحولت المجتمعات التي لها أسواق إلى مجتمعات الأسواق وأصبح كل شي سلعة؟
عند تطور الشحن البحري تسارعت التجارة العالمية بشكل كبير و كان الصوف و الحرير و البهارات من أكبر السلع العالمية و ظهر طبقة غنية جديدة من التجار فأراد الإقطاعيين من الطبقة الغنية القديمة اللحاق بهم بسرعة وتحولوا لتربية الخراف من أجل الصوف و استغنوا عن الكثير من العمالة الزراعية التي أصبحت تبحث عن عمل وتتنافس لتبيع جهدها بأقل الأثمان و هذا ما حول تلك العمالة لسلعة بعد ان كان أغلبها بضاعة مملوكة (سواء عبيد أو عمال ضمن النظام الإقطاعي) و حول الأراضي أيضا لسلعة للإيجار لتربية المواشي و هذا ما بدأ بتسليع الكثير من الأمور بعد ذلك مما أدى لتناقض غريب بين الغنى الفاحش و بين المعاناة الجسيمة الجديدة لطبقات العمال و العبيد الذين تم تسريحهم و الاستغناء عنهم في ذلك الوقت. و زادت نسبة عدم المساواة بشكل أكبر عند عامة الناس التي تأثرت بعدم وجود عمل أو تحوله لسلعة زهيدة جدا. 
من الملاحظات المهمة التي ذكرها الكتاب أن تطور الربح من القروض (الربا) حوّل السعادة بالمساعدة و مبدأ التعاون إلى عقد ربحي بحت وهذه الديون خلقت طبقة فاحشة الثراء و أغلبية مدقعة الفقر. مع الإشارة أن هذه القروض الربوية كانت محرمة في الكاثوليكية حتى أتت البروتستانتية و ساهمت في إباحتها لمسايرة الثورة الصناعية. 
نتابع في الجزء الثاني ما يقوله يانيس عن البنوك و البنكيين و كيفية تأثيرهم في دورات الاقتصاد و توقفها و ما هي علاقة الاقتصاديين المعاصرين  بالكهنة و المنجمين و السحرة في العصور القديمة؟

الجزء الثاني 

- في كتاب "أتحدث إلى ابنتي عن الاقتصاد" يؤكد الكاتب أن الاقتصاد الحديث  - مثله مثل اي نظام بيئي - يحتاج لإعادة تدوير مستمر ولكن عند توقف هذه الدورة يمكن للمراقب أن يلاحظ دور البنوك واالبنكيين في هذا التوقف. للتوضيح يسرد المقارنات التالية:  البنكيين كانوا سابقا يستثمرون نقود المدخرين بإقراضها لمستثمرين بفائدة  أما البنكيين الحاليين فهم ،إضافة لما سبق، يستثمروا نقود غير موجودة أصلا عبر إدخالها في النظام البنكي بشكل شبه افتراضي وتستمر هذه العملية (الدين والإقراض) بالتكرار. سابقا كان البنكيين يتأكدون بدقة من قدرة المدين على رد الدين ولكن بعد الثورة الصناعية قل ذلك لحاجة الشركات والمصانع للديون بشكل كبير وبسبب تقسيم القروض وبيعها على اجزاء لمستثمرين أخرين وهذا يؤدي لتضخم القروض والإهمال في منحها مما يؤدي أيضا لتهرب بعض المقترضين وإذا زاد ذلك بشكل كبير تبدأ البنوك بالخسارة وينتشر ذلك بين الناس فيقوموا بسحب النقود منها  فتخسر البنوك أكثر وتتوقف القروض وتغلق بعض المصانع ويتسرح العمال وقد يتكرر هذا الأمر حتى يحصل انهيار شامل وفوضى وتضطر الحكومة للتدخل بإصدار ديون للبنوك الخاسرة من البنك المركزي الخاص بالدولة وبعد دخولها السوق مرة أخرى تعود تلك البنوك لسيرتها السابقة في جدلية مستمرة. ثم ينتقل الكتاب لعلاقة السياسيين السيئة أو الفاسدة بالبنكيين فمعظم البنكيين ينتقدون الدولة لجلب مصالح أكثر لهم في الأوقات الجيدة ومن ثم يصرخون طلبا لمساعدتها في الأوقات الصعبة و لمداراة أخطائهم. مما يلفت النظر في الكتاب النظرة للفترة الحالية في عصر الأتمتة والذكاء الاصطناعي والتقنية فنحن نعيش في عصر انعكاس Reversal مشابه لفترة الانعكاس التي حصلت بين عصر الزراعة والثورة الصناعية وهذا قد يجعل الانسان ضحية أوقد يخلصه أيضا وشبه الأتمتة بمثل ايكاروس، الذي طار بأجنحة واقترب من الشمس ثم ذاب الشمع وسقط ،  فالأتمتة تزداد تدريجيا وتتسارع بشكل خطير مع الزمن وهذا سيؤدي ل 1- إنخفاض التكلفة  2- قلة أوعدم ربح المصنعّين أكثر بسبب التنافس 3- إنخفاض الطلب لأن الروبوتات ،المؤتمتة، لا تنفق نقودا لشراء ما تنتجه مثلما يفعل البشر. جميع هذه العوامل ستخفض الأسعار لدرجة قد تسبب توقف السلسلة أوالعملية كلها. وهذه هي لحظة سقوط ايكاروس التي قصدها. إحدى الحلول التي يقترحها الكاتب ،لحل المعضلة السابقة، هو توزيع جزء من ملكية الشركات للماكينات و عوائدها على الناس ليستفيد الجميع وتبقى دورة الاقتصاد فاعلة. ينتقل الكتاب لتبسيط بعض الأفكارالاقتصادية بضرب مثال حقيقي عن تحول السجائر لعملة في مجتمع اقتصادي مصغر في أحد معتقلات الحرب العالمية الثانية، وكيف أن زيادة حصص السجائر في بعض الأشهر سببت تضخم أوحصل انكماش بسبب ندرتها ومن الطريف أن كل شيء كان يتغير سواء بزيادة أونقصان القيمة أوحتى انعدامها في حالة وصول أخبارعن انتهاء الحرب أوأنها مستمرة لفترة أطول.
 يعود الكتاب لعلاقة الاقتصاد بالسياسة ويؤكد أنه عندما يستقل البنك المركزي فقراراته تبقى سياسية كما هي قبل استقلاله ولكنها الأن تكون لأشخاص غير منتخبين أغنياء و بنكيين وليس للبرلمان والشعب كما كان قبل استقلاله والأحرى أن الحكومة والشعب يجب أن يتحكموا بمصادر النقد وبطريقة ديمقراطية. الحل الحقيقي لمشاكل الاقتصاد الرئيسية هوالديمقراطية الحقيقية ومن وجهة نظر المؤلف أن نظام التسليع والتشييء والمجتمع السوقي - الذي تكلمنا عنه في الجزء الأول- سيفشل لأن النظام الحالي هونظام اشباع رغبات وطلبات فقط مع صنع ما يطيل هذه الرغبات ويجعلها مستمرة. (التسوق  - الميديا – الاقتصاد ودائرة كاملة لصنع وإطالة الرغبات).
مما يذكره الكتاب أيضا أن الذين يكتبون بشكل ممتاز عن الاقتصاد عادة يستعيرون أفكارهم من الفنانين والكتاب والعلماء وأن دورة الاقتصاد كدورة التاريخ بعد كل كارثة يستمرالإنسان بالعمل والصعود من جديد. 
ويختم دكتورالاقتصاد كتابه أنه كلما فكر أكثر بما يفعله الاقتصاديين الحاليين يستنتج أنهم منجمين وكهنة العصر الحديث (مقارنة بمنجمين وكهنة العصور القديمة التي تكلمنا عنها في الجزء الأول).
نصائح أخيرة يوجهها لإبنته وهي: ضرورة الانسحاب من مؤكدات المجتمع وعاداته والابتعاد والتأمل كل فترة. كما يؤكد على التمسك بالحرية التي تأتي من فهم كيفية عمل السوق والاقتصاد لمعرفة من يعمل مع أوضد من ومعرفة ما يجري حولك وحول العالم.




الخميس، 3 يناير 2019

الأزمة الدستورية - خلاصة كتاب

كتاب الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية هو دراسة تفصل ما حدث من تناقضات بين القيم الإسلامية وبين الواقع التاريخي الإمبراطوري الذي عاشه المسلمون سياسيا وأدى لكثير من التبعات والسلبيات التي لا زالوا يعانون نتائجها حتى اليوم. هذه المفارقة نتج عنها صراع على الشرعية وتوتر دائم بين النصوص وأعباء الواقع المختلف عن تلك النصوص وأنتجت أيضا تشاؤم مضمر عبر القرون وتأثير سلبي على الوعي بالذات والعلاقة بالغير. باختصار هي دراسة عن أزمة حضارة كاملة.

يبدأ الكتاب بسرد بعض التعريفات والأفكار ويفرق بين "التأمر في الأمير" وهو تحكم الشعب في حكامهم واختيارهم ومشاركتهم ومحاسبتهم وعزلهم وهذا ما يفترض أن يكون الوضع الطبيعي وبين "التأمر عن غير إمرة" وهو الوضع الغير طبيعي وينبغي أن يكون استثنائيا في حالات طارئة فقط. لكن الذي حصل منذ 1400 عام واستمر في الحصول هو أن بعض الفقهاء ولأسباب كانت مبررة ثم فقدت تبريرها ضحوا بشرعية "التأمر في الأمير" في سبيل الحفاظ على وحدة الأمة ثم تبعهم علماء تورطوا في تشريع الاستبداد والقهر ومنحوا السلطة غير الشرعية حقوق شرعية من طاعة ونصح ونصرة بسبب ارتفاع الخوف من فقد الوحدة وتحوله لهاجس. بعد استمرار هذه الهواجس والتضحيات بالشرعية السياسية في سبيل المصلحة (التي تمت في البداية بحسن نية) لمئات السنين كانت النتيجة أن ضاع المبدأ والمصلحة وخسر الجميع الشرعية والوحدة وتطورت لدى الشعوب القابلية للاستعمار كما يقول بن نبي أوحصل الموت الطبيعي كما ذكر هيغل " الشعب لا يمكن أن يموت ميتة عنيفة إلا عندما يموت في ذاته ميتة طبيعية ". ينتقل الكاتب لقيم البناء السياسي كالعدل الذي يتفرع منه الحرية والمساواة وذكر الشورى (الديمقراطية) كأم القيم السياسية والطاعة المشروطة بالأمانة والعدل ثم شرح مبادئ الأداء السياسي. وقارن بين توماس هوبز وروسو في تحليلات النفس البشرية ثم تطرق للهرمية الفرعونية ( ديكتاتور– بطانة سياسية - المال والتجار – جنود الديكتاتور – مرتزقة إعلام) وكيف أن مبادئ الإسلام ترفض هذه الهرمية وتعتبر أصلا أن الأمير أو الرئيس هو أجير الشعب لكن عبر القرون فرض الملوك أنفسهم فوق القانون.

كما يؤكد ويدلل على المساواة السياسية بغض النظر عن الدين والجنس والعرق في الدولة العقارية ويذكر أن الفترة الإمبراطورية والتأثر الكبير بالثقافة الفارسية والملكيات المجاورة خاصة الساسانية (عهد أردشير تم اتخاذه كدليل عملي للسياسة كما ذكرت دراسة لليونسكو ودلائل من كتابات تلك الفترة) كل هذا خلق تفرقة وعدم مساواة ودخلت قيم قهرية كسروية ووثنية سياسية مما ليس له أصل في المبادئ والقيم الإسلامية الأساسية.

من النقاط المميزة ذكر أن الطغيان السياسي يضغط على البناء الاجتماعي حتى يتصدع وينهار عبر الزمن ويفقد روحه الدافعة. وأن الاستبداد السياسي يخرج من عباءة الفوضى الاجتماعية وتخرج الفوضى الاجتماعية من عباءة الاستبداد السياسي.

الخاتمة تشرح عن الثورات التي حصلت خلال الثلاث قرون السابقة (إنجليزية – فرنسية – أمريكية) وأوجه الشبه بينها وبين الربيع العربي ورأي مفكرين مثل فوكوياما، مايكل ريتشارد وكرين برينتون والسنهوري والكواكبي وبن نبي وكيف أن الخروج من هذه الأزمة يكون بالثورة على الاستبداد ورفض كل ما ثبتته تلك الامبراطوريات من قيم فاسدة وقد بدأ هذا بالربيع العربي الذي جوهره هو طموح الإرادة الإنسانية للعدل والحرية. يلي ذلك تحليل أراء المزيد من المفكرين والكلام عن الدساتير الحديثة ومرجعياتها التي هي نتيجة مطالب شعبية والتأكيد على أن حكم الشعب الديمقراطي الصالح نتيجته العدل وأي طريق استخرج بها العدل فهي من الدين وليست مخالفة له. أما بالنسبة للخروج من الأزمة فيتلخص بالخروج من فقه الضرورات وهواجس الخوف من الفتنة إلى المبدأ والثورة وتحويل القيم الأصلية لمؤسسات وإجراءات دستورية معاصرة ولا عودة للاستبداد فعبرة التاريخ تدل أن الاستبداد ليس أخف الضررين بل هو أصل الفتنة وجذرها وسببها وهو حرب أهلية مؤجلة فالواجب هو نفي اليأس وتعزيز الأمل والإيجابية والعمل المستمر.