الأحد، 4 أكتوبر 2020

حبيس الكلمات ورهين التسميات.

الموقف الأول: 

- عندما شاهد حيوانا يحاول الدفاع عن نفسه ،يقفز هاربا من الأسر ويستشرس في الخروج من حصاره ويهاجم من يحاول حبسه ، قال: هذه غريزة طبيعية. لكن عندما شاهد إنسانا يفعل نفس الشيء ويدفع الظلم عن نفسه قال: هذا لا يجوز أن يثور على حاكمه. لأنهم أخبروه أن ذلك المظلوم قد ثار وربطوا كلمة الثورة بشيء سيء وبرمجوه على ذلك فنظر للكلمة وتجاهل الفعل وسببه. 
نعم أطلقت وسائل الإعلام عبر التاريخ الحديث كلمة "الثورة" بقصد أو بغير قصد على الخروج لدفع الظلم الواضح ضد المستبد المجرم واستخدم وعاظ الجهالة وعلماء السلاطين ومطبليهم ذلك الربط في الكلمات شر استخدام في وأد أي محاولة لرد الظلم ودفعه أو حتى شجبه. وكان هذا الفعل ،كعادة أفعال المستبدين وأعوانهم، ضد الإنسان وحريته بل هو مما ساهم في تكوين الجماعات الإرهابية لعدم استطاعة المجتمع التعبير عن نفسه وفضح ظالميه. 

الموقف الثاني: 

- عاد ذلك التاجر الغني المستقر من سفره وقال ما فعله هؤلاء الثوار الجهلاء غير مخطط وهو تسرع وقد أفسدوا كل شيء بسبب إنخفاض مصادر دخله وتقلص ثروته وهو الذي لم يعاني الظلم الذي عاناه أولئك الضعفاء وإن حصل واقترب منه بعض ذلك الظلم كان يشتريه برشوة الظالمين بالمال الوفير الذي لديه ولم يكن أغلب المجتمع يستطيع فعل ما يفعله ذلك التاجر الغني.  نعم لقد تسرعوا ولم يخططوا ولكنه أيضا كان أنانيا في رشوته للظالم ليحمي نفسه غير ملتفت لما يحصل لغيره.

الموقف الثالث: 

- قال دنيء الهمة: "كنا عايشيين" وقد كان راضيا بأن يأخذ الأخرين حقه (وهو ربما لا يدري أن المال العام حقه وحق المواطنين أصلا) أو ربما كان لديه مناعة من منظومة الظلم بحكم قرابة أو علاقة ولا يستطيع استيعاب عدم رضى الأخرين بما رضي به. نعم "كان يعيش وكذلك كان يعيش الأرنب في جحره".

الموقف الرابع:

- "خربوا البلد" ذلك المهاجر الذي يعود للبلد ليصيف كل عدة سنوات ويقضي شهرا ممتعا في ذلك "المصيف" حيث يشتري رضا الظالمين ورفاهيته وبعض السعادة المؤقتة وحتى رضا أٌقاربه ومعارفه ببعض الأموال والهدايا ويعود لهجرته بدون أن يعيش فترات الظلم والمعاناة اليومية. نعم لقد خربوا له مصيفه المفضل. 

الموقف الخامس: 

قالت: "زيوان بلدي ولا قمح الغريب" وقلت لها ولكن في البلد يوجد قمح فاخر يسرقه البعض ويأكلوه فلماذا أقنعوكي بالزيوان وتحاولي إقناع الأخرين به؟ 

--------------------

في كل موقف من هذه المواقف هناك كلمات ومصطلحات وتعبيرات تخذيلية أو تمويهية أو تشتيتية. سمها كما شئت ولكن انتبه لها.                       

كلنا نصبح رهائن لبعض التسميات ولكن إذا نظرنا بعمق وتجاوزنا التسميات والكلمات فربما نرى الصورة الكاملة وسنرى أن ذلك المظلوم المتسرع الذي عمل المستبد على تجهيله وتطويعه عبر عقود وساهم أولئك التجار على إفقاره وبرمجه المعلمين والوعاظ بشكل خاطيء وعلموه بعض العلم وأخفوا عنه البعض الأخر. ذلك المظلوم وصل لأخر ما يمكن أن يتحمله من ظلم حتى بلغ السيل الزبى ولم يبق أمامه إلا الذل والموت فاستحضر غريزة القطة المحاصرة واستجاب لفطرته كإنسان وصرخ صرخته متألما ثم خرج طالبا للحق محاولا دفع الظلم عنه بما يعلمه وبما يستطيعه وبقدراته المحدودة وعلمه البسيط وتسرع بحكم عمره وتأذى لقلة خبرته ولكنه خرج غير أبها بالنتائج التي نريده أن يحسبها ونلومه إن تسرع وقد نتعجب ونتجادل في مدى خبرته.

السؤال الأخير والموقف الأخير هو موقفك: لقد جرى ما جرى وذلك المظلوم قد صرخ فمع من ستقف؟ هل ستبقى دائرا في دائرة لومه وتبرر للظالم؟ هل ستبقى رهين التسميات وحبيس الكلمات؟ أم ستنصره ضد الظالم ما استطعت؟