الخميس، 29 نوفمبر 2012

طريق الحرير الحديث


طريق الحرير الحديث
محمود الجسري

في عالم الإنترنت يعرف جهاز السيرفر (بعض التعريبات تطلق عليه الخادم) بأنه عباره عن جهاز حاسب ألي (كمبيوتر) بمواصفات عالية متصل بشبكه الإنترنت بسرعه و بشكل مستمر على مدار الساعه.
و قد يحتوي السيرفر على عشرات أو مئات المواقع المختلفة أو موقع واحد يزوره الألاف أو الملايين من الزوار و المتصفحين يقومون باستخدامات مختلفة على مدار الساعه منها تخزين و إرسال صفحات فيها بيانات و أخبار أو بريد أو حساب موقع جغرافي أو القيام بتشفير إتصال ما أو نقل فيديو وصوت وغيرها الكثير من الأمثلة والتطبيقات سواء الشخصية - الثقافيه - التجارية - العلمية أو حتى الحربية  لما تقوم به السيرفرات من أعمال.
في الوقت الحالي هناك ملايين السيرفرات منتشره حول العالم سواء لشركات مختلفة الأحجام أو حتى أفراد فعلى سبيل المثال بعض التقارير تشير أن جوجل تجاوزت سيرفراتها المليون سيرفر منذ سنة و أن فيس بوك تجاوز الأربعين ألف سيرفر منذ فتره و هذه السيرفرات تخدم ملايين أو حتى مليارات الأشخاص حول العالم و في نفس الوقت تقوم بجني الأرباح لهذه الشركات سواء عن طريق الإعلانات وبيع البضائع أو جمع المعلومات أو غيرها من القيام بملايين او مليارات العمليات الحسابية كل ثانية و دقيقه مما دائما يجعني أتفكر بقوله تعالى "و هو أسرع الحاسبين" بطريقة ربما لم يعهدها جميع المفسرين في العصور السابقة.
وجميع هذه السيرفرات تحوي بطبيعة الحال بيانات وهذه البيانات تنتقل عبر شبكات ضخمة مختلفة منها سلكية و لاسلكية وأسرعها السلكية و هذه تنقسم لكوابل (أسلاك) برية و كوابل بحرية ولكل مساوئ و محاسن سنأتي على ذكرها لاحقا و لكن أسرع أنواعها التي عرفها الإنسان هي كوابل الألياف الضوئيه حيث أن الضوء يستطيع الانتقال و الدوران حول الأرض 7 دورات في كل ثانيه أي قبل أن يرتد طرف أي من القراء. هنا نأتي لأحد أهداف هذا المقال وهي إنتقال البيانات و المحتوى وكيفيته و لكن سندخل في موضوع جانبي يريح القارئ هنيهة من الأمور التقنية ثم نواصل الفكره.

عرف الصينيين صناعة الحرير من أكثر من 4500 سنه و برعوا فيه و أتقنوا هذه الصنعه حتى أصبح الحرير في ذلك الزمن من الأشياء المطلوبة بشدة و كانوا يستبدلون الجيد منه بالأحجار الكريمه و ازدهرت تجارته حتى أصبح التجار ينقلوه للدول المجاورة مع بقية البضائع و لقي رواجا كبيرا في الدول المجاورة وفي القرن الخامس  قبل الميلاد ابتدأ تكون شبكة طرق تجارية من الصين إلى دول الشرق الأوسط و غيرها و من أهم البضائع المنقولة كان الحرير الصيني الطبيعي وأطلق على هذا الطريق في ما بعد إسم طريق الحرير الذي استمر لألف و خمسمائة عام في كل عام كان تتم رحلات صيفية و شتوية لنقل البضائع و التجاره و لكن الأهم أنه كانت تنتقل مع البضائع المعلومات و الطبائع و العادات و الثقافات و حتى العلوم و الديانات.
و خلال هذه السنوات تم حدوث تغييرات إقتصادية - إجتماعيه - ثقافيه و دينيه كثيره في العالم بسبب طريق الحرير.
مع الوقت تم اكتشاف العديد من الطرق البحرية وطرق بديلة لنقل البضائع فاندثر طريق الحرير و بقي منه ما تغير و انتقل من أديان و عادات و ثقافات و بعض الأثار و الأخبار و بقي أيضا  الأرض التي لا يمكن أن يعادلها البحر في مزايا كثيره و هنا نعود لفكرة البداية.

ذكرنا سابقا أن أفضل الطرق لنقل البيانات هي كوابل الألياف الضوئيه لأنها سريعه جدا و تستطيع نقل كميات كبيره من البيانات و تفضل البرية منها على البحرية لسبب مهم جدا و هو أنه في حال حصول إنقطاع أو الحاجة لصيانه فيمكن أن يتم ذلك بوقت قصير براً و لكن الكوابل البحرية تحتاج أيام لعمل ذلك و تكلفة أعلى بكثير سواء للصيانة أو التمديد.
و الجدير بالذكر أن 95% من تواصل الشرق الأقصى و أسيا مع أوروبا يتم عن طريق كابل يمر بالبحر الأحمر و أن الشرق الأوسط ككل يعتمد بشكل كبيرفي اتصالاته على الكوابل البحريه. وفي عام 2010 حدث اجتماعين مهمين لمجموعة شركات اتصالات عملاقة للتعاون على انشاء و تمديد كابلين أرضيين في الشرق الأوسط و نتج عن هذين الإجتماعين مشروعين ضخمين إسمهما: 
RCN (Regional  Cable Network) and JAID
تكلفة أحد هذه المشاريع هي 500 مليون دولار أمريكي و من المخطط أن تصل هذه الكوابل الأرضية بين المدن التاليه وبالطبع ما حولها : الفجيرة (الإمارات) - الرياض (السعوديه) - عمان(الأردن) - طرطوس(سوريا) - اسطنبول(تركيا)  ثم إلى أوروبا و يقدر عدد الناس التي ستتصل أو تشترك بهذه الخطوط العالية السرعه يتجاوز المليارين نسمة وبالتالي ستكون هذه الخطوط بمثابة طريق الحريرالجديد (أو طريق الألياف الضوئيه) الذي سيدر أرباحا خيالية لكل من يتاجر فيه و في نفس الوقت سيقوم بنقل الكثير بين القارات و الدول و المدن بلمح البصر ولا أدري ما سيكون تعليق ابن خلدون إن وجد بيننا على التغييرات الاجتماعيه و العصبية التي يحدثها هذا التواصل و لكن بالتأكيد سيكون مبهورا جدا بما نحن فيه.
لم يتم الإنتهاء من هذه المشاريع حتى اللحظه بسبب أوضاع المنطقة و لكن الموضوع مهم جدا لكل سوري أن يعرفه من الأن خاصة من سيقود البلد في المرحلة القادمه وبالله التوفيق.