الخميس، 31 مارس 2016

في اللاحزبية الدينية السياسية

في اللاحزبية الدينية السياسية
محمود الجسري

هل تم عرض أحد الأحزاب أو المجموعات المغطاة بصبغة دينية عليك و تم ترغيبك للانضمام لهم مؤخرا؟ ربما حصل هذا سابقا و ربما سيحصل لك مستقبلا و في ما يلي بعض الأفكار العامة لتقليبها و التفكر بها لمعرفة التصرف و الاختيار الأمثل لك أو لمن يهمك أمره.  
يجب التنبيه في البداية أن الموضوع لا يحدد أو يستهدف حزب معين بذاته أو يركز على فئة معينة  و لا هو ضد العمل الجماعي  بل هي مجموعة أفكار عشوائية لا تستهدف أي أحد و تشجع الجميع على التفكير عدة مرات قبل الارتباط بأي جهة و هذا شيء يفترض أن يكون جيدا لجميع الأطراف
و للتوضيح المقصود هنا بالحزب السياسي الديني هو: 
"مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون أهداف وآراء سياسية متشابهة بين بعضهم ذات صبغة أو غلاف أو تغطية تحوي تفاسير دينية (ليست بالضرورة متوافقة كليا مع ما اجتمع عليه مجلس أعلى لعلماء الأمة) وقد اتفقوا عليها لتبرير تصرفاتهم و أهدافهم (ممكن بعض هذه التبريرات خاصة بهم و تفسر بطرق مختلفة عند غيرهم)  و هم يعتقدون أنهم أصح من ما تجمع عليه الأمة أو أكثر وعيا من غيرهم بالسياسة و بالدين و تفاصيله ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية أو استقطاب المزيد من الأشخاص لدعمهم و تطبيق ما يؤمنون به حتى لو  خالف تيار الاجتهاد الإسلامي و مصالحه و خالف اتفاق بقية المجموعات حتى لو كانت ذات صبغة دينية أو قائمة في الحكم أو أكثر منهم عددا.

في بدايات معظم الأديان (و منها الإسلام) لم يكن هناك تحزبات متعددة من نفس الدين بل كان الجميع ينتمون للدين نفسه و يجتمعون على الأفكار أو "الفكرة" الأولى الرئيسة فقط و في المقالة التالية سنركز على موضوع التحزبات في الدين الإسلامي للتفكر و أخذ العبرة و ربما الوصول لنتيجة تساعد الشباب في اتخاذ قرار بهذا الخصوص.
و يجب أن نذكرهنا أنه كان هناك وجود ل قبائل وأطياف مثل قريش وبنى هاشم وبني أمية و يوجد المهاجرون والأنصار و طبعا لم يكن أحدها -في البداية- ينعزل عن الأخر أو يتعالى عليه أو يختلف معه بل كانت كلها تصنيفات قبلية أو مكانية أو مبنية على أحداث معينة و لم تكن تحزبات دينية أو سياسية (بمعنى لم يكن هناك سعي للمنافسة على القيادة بينها في وجود الرسول عليه الصلاة و السلام) و لم يكن هناك تفسيرات وتأويلات مختلفة بل كانت فكرة العقيدة واحدة عند الجميع
و بعد هذه البداية الأولى يمكن ملاحظة أن التكتلات الحزبية السياسية الدينية المنفصلة عن التيار العام أو الأمة الكاملة بدأت بالظهور بشكل خاص بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان وهي أشبه بما يتعارف عليه اليوم بالأحزاب أو الجماعات أيضاً وكان الجامع بين تلك الجماعات هو الموقف السياسي وتصور الحل الإسلامي للخروج من الوضع الحرج الذي وصل إليه حال الأمة الإسلامية آنذاك ، فظهرت عدة فرق في ذلك الوقت و استمرت في التتابع و التزايد و الانقسام حتى وقتنا هذا و لا أدرى الإجابة لسؤال أحد الأصدقاء:
- هل ظهور الأحزاب هو الذي أدى إلى الفتنة أم ظهور الفتنة هي التي أدت إلى ظهور الأحزاب؟
و لكن الفتنة الأولى و الفتن اللاحقة كلها ارتبطت بطريقة ما بمثل هذه التجمعات و ربما كانت أحد أسباب التدافع أو ربما هي من أسباب إنهيار الأمم و هذا ما يدل عليه التاريخ عادة بشكل أوضح

الملفت للنظر أيضا أن بعض هذه التجمعات يرفض أن يكون ما يطرحه اجتهادا بل يزعم أنه الحق المطلق و بالتالي فإن جميع التجمعات الأخرى هي على خطأ و من الملفت أيضا أن بعض التغطيات الدينية للمسميات أصبحت مبالغا بها بشكل كبير منذ تسميات بعض الخلفاء في نهاية العصر العباسي  مرورا بفترة ضعف الأندلس ثم فترة  "االحاكم بأمر الله"  الفاطمي و نهاية ب أحزاب تقرن اسمها بالله في عصرنا الحالي و تساعد المستبدين في قتل الأبرياء و هذا أصلا يتنافي مع الدين كله و مثال صارخ على تعارض المصالح مع الدين بل و تقديم المصالح على الدين
و في سياق هذه المبالغة نذكر بالوزير والشاعر الأندلسي ابن عمار في قوله:  
مما يزهدني في أرض أندلـس  --- أسـمـاء معتضـد فيها ومعتـمـد
ألقاب مملكة في غير موضعها --- كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

الفكرة الأولى  لهذا المقال هو أنه لا ينتبه أو ربما لا يريد أن ينتبه معظم مصنعي وقادة الأحزاب الدينية الإسلامية إلى أنهم ربما يخالفون السنة النبوية الشريفة و سنة الخلفاء الراشدين (في موضوع تقسيم الأمة الواحدة) و ربما حاولوا ايجاد الحجج الكثيرة جدا لتبرير إنشاء الأحزاب السياسية الدينية -المعرفة في أول الموضوع-  و لكن الأمثلة واضحة في الأمر بالتمسك بسنة الرسول و الخلفاء الراشدين و النهي عن الإنقسام و التقسيم (التي هي نتيجة طبيعية قد تكون مباشرة أو غير مباشرة لنشوء الأحزاب) و للتبسيط المختصر يمكن القول أن الانقسام الأول حصل عندما انشئ حزب جديد و لم ينضم منشئه للحزب الذي قبله و تستمر هذه الحركة في الحصول و التكرار مع وضوح مخالفتها لأوامر و تعليمات الدين.

الفكرة الثانية: الحزب الديني السياسي يجب أن يكون ضمن أهدافه طلب الدنيا -وهذا حق- ولكن المشكلة أنه غالبا ما يحصل التعارض بين الأهداف الدينية و الدينيوية سواء شاء هذا الحزب أم لم يشأ و الأمثلة عبر التاريخ كثيرة منها ما هو في بدايات التاريخ و ما قاله عمرو بن العاص لمعاوية بعد توليه الخلافة طالبا لولاية مصر :" يا معاوية، قد أحرقت كبدي بقصصك، أترى إن خالفنا عليا لفضل منا عليه، لا والله ! إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها، أما والله لتقطعن لي من دنياك أو لانابذنك، فأعطاه مصر" و منها ما نراه حاليا في جري و تبعية بعض الأحزاب الدينية السياسية خلف المستبدين أو الدول الظالمة لمجرد أنها تدعمها بالمال و غيره على حساب كلمة الحق و أمثلة إضافية من قتل بعض الأحزاب الدينية السياسية لمسلمين أخرين لمخالفتهم الرأي أو الاتجاه السياسي أو المصالح
طبعا عند اتباع المصالح و تقديمها عن قول الحق يلام الجميع سواء كان الحزب ديني او لا ديني و لكن اللوم يكون مضاعفا على الحزب السياسي الديني كونه خدع و نافق الكثيرين من مؤيديه للوصول لما يصل إليه هذا مع إضافة أنه يشوه فكرة الدين و ينفر الكثيرين منه عند تقديمه لمصالح قد تتعارض مع المبادئ

الفكرة الثالثة - محور الانعزال و البعد عن مجموع الأمة و هذا سيحصل عاجلا ام اجلا لكل حزب فالكثير من الأحزاب الدينية انعزلت عن المجموع العام بتأثيرات كثيرة منها محاربة بعض الكارهين لها او استبداد المستبدين أو حتى استمالة بعض الجهات الحاكمة لهم لاستخدامهم في أجندات و أهداف خاصة أو ضعفهم في التسويق و إظهار من يعاديهم لهم بمظاهر شيطانية معينه و غيرها الكثير جدا من الأمثلة القديمة و المعاصرة و هذا االانعزال يجعل الحزب يعمل بشكل تدريجي لا شعوري في اتجاه مصلحة أفراده الخاصة فقط و يبعده عن العمل باتجاه الصالح العام و يخلق إما نظرة علوية عند أفراده أو نظرة تخوف منه عند عامة الناس

الفكرة الرابعة - أثبت التاريخ أن معظم هذه المجموعات و الأحزاب غالبا ما تفرخ أو ينتج عنها بعض الأفراد "المتحمسين جدا" لتطبيق أفكار مجموعاتهم حتى لو خالف هذا التطبيق جميع مبادئ الدين و الإنسانية بمعنى أن الغاية تبرر الوسيلة و يندفع هؤلاء الأفراد المنشقين لعمل الكثير من الأفعال التي تثير غضب الشارع العام و يفتحوا عشرات الجبهات على بقية أفراد الحزب بشكل يسبب أذى و ضرر كبير لفئات كبيرة من الناس حولهم و لأخوتهم السابقين في الحزب نفسه و هذا الموضوع خطير لأنه يشوه صورة الأمة كلها و ليس ذلك الحزب فقط خاصة في العصر الحالي الذي أصبح من الممكن لأي خبر صغير في قرية نائية أن يعم أرجاء المعمورة في دقائق

الفكرة الخامسة هي أنه عند استحضار تاريخ جميع الأحزاب الدينية فسنلاحظ الفشل و زيادة الفرقة و الضعف لدى الأمة فقد حصل المزيد من الانقسامات و كثرت الاختلافات في الرأي و قد خلق هذا عداوات كثيرة لم تحل لا بالنقاش و لا بالسلاح و قد حصل أن يقتتل أفراد الحزب الواحد مع بعضهم أو مع غيرهم و هم جميعا يقولون باعتقاد نفس العقيدة و لكن يختلفون في التفاصيل و قد أدى هذا لانقسام وتعدد الكثير من الأحزاب الدينية و كل حزب أو فرقة عندهم شيوخ و فتاوي جاهزة و بالطبع سيقول عن نفسه أنه هو الأصح و الأخرين أقل صحة أو اتبعوا أهوائهم و يحضر الأدلة على ذلك

السؤال الذي يرد هنا هو لماذا غالبا يعطي كل حزب الأولوية لزيادة عدد أفراده و تكبير حجم الحزب لينافس الأخرين بدل أن تناظر هذه الأحزاب بعضها البعض و يُحًكموا أطرافا خارجية مشهور لها بالعدل و الإنصاف و من ثم فإن الحزب الأقرب للحق هو من يضم الأخر (خاصة في بدايات التأسيس) و بذلك  تبدأ العودة لصف واحد بدل عشرات و ربما مئات الفرق؟  و الجواب الذي يرد هو أنهم لا يريدون فعل ذلك ربما لمصالح خاصة أو للتنافس على الدنيا و المكاسب بدل تقديم المبادئ أو غيرها من الأمور التي لا تخفى على قيادات هذه الأحزاب

و نلفت الانتباه هنا أن حال معظمهم هو كحال من يفشل في مخاطبة الجمهورثم يهرب لمخاطبة الأفراد وهذا أصلا عكس ما حدث في بدايات الدعوة حين تم مخاطبة الأفراد أولا ثم انتقلت الدعوة لمخاطبة الجمهور و قد يقول قائل و هذا ما تفعله الأحزاب و لكن للمتأملين عن قرب من السهل معرفة أن كل حزب يركز على أفراده أكثر بكثير من تركيزه على مخاطبة الأمة كلها و يسعى ل أدلجتهم بما يتوافق مع أصول و قوانين ذلك  الحزب و يخاطب الأمة في حالة التسويق لنفسه و ليس الإصلاح العام لهم و الخلاصة هنا أن الفشل في مخاطبة الجمهور كله يؤدي الى الهروب لمخاطبة افراد محددين فقط
و للمزيد من التوضيح لنفرض أن حزبا يرفض حكم الجمهور ويريد فرض  فكره و دستوره ولكنه مرفوض من قبل أغلب الجمهور و الإشكالية هنا ان الجمهور هو من أباء و أبناء و أخوة و أقرباء أعضاء هذا الحزب و الحلقة المفرغة هنا أن اللوم الرئيسي في عدم وعي هذا الجمهور بفكرة الحزب يقع على عاتق أعضاء الحزب نفسهم و أقرب تشبيه لذلك هو أن شخصا  ترك أولاده و أقربائه و جيرانه لسلوك طرق الفساد و خرج يلوم المجتمع كله على فساده و نسي أو تناسي مسؤوليته الأساسية وهي نشر الفكرو العلم قبل لوم المجتمع و قبل وضع مئات المشاريع لحزبه و إهماله المشروع الأول و الأهم و هو وعي و علم وفكر الناس.  
من البديهي إذا أن يكون نشر العلم و الفكر للمجتمع كله أولى من نشر فكرة مجتزأة و الدفاع عنها أو فرضها على الناس كنظام شامل عليهم جميعا وبعد تشرب الجميع ذلك الفكر و الرقي به يمكن الطلب من كافة الناس في المجتمع اختيار النظام و الدستور المطلوب و بطبيعة الحال لن يكون هناك وجود لخلافات رئيسية  لتوافق الجميع أو الأغلبية العظمى على الفكرة.
و لكن إذا تم العكس فهذا سيكون مجرد إثارة فتن و خلافات و دفع لمزيد من الانشقاق و التفرق و هذا ما وقع فيه معظم الأحزاب و الفرق

الفكرة الأخيرة هي عن لعب السياسة و السياسيين مع الدين و قد تم استغلال الكثير من الأحزاب من قبل سياسيين لكسب أصواتهم و ركوب الموجة و لم تعتبر هذه الأحزاب أو غيرها من هذا التاريخ بل أن بعضها انسجم في لعبة المصالح و خلط المبادئ مع الفوائد و أصبح الكثير من الأفراد المثقفين الواعين لما يدور في حيرة من أمرهم

في الختام أقول أن من يهمه فعلا  أمر المجتمع و يريد الصلاح له و يريد اثبات نفسه  فيمكنه ذلك بالعديد من الطرق و طبعا أهمها ما يكون عملا جماعيا متخصصا يساهم في تطويرالتعليم مثلا و المساهمة في عمل الجمعيات التي تبني الانسان و فكره و ثقافته و علمه و بناء الثقة بين الناس و مساعدة المحتاجين لعمل او تطوير ذاتي (كمثال منظمات المجتمع المدني) و الكثير جدا من الطرق التي تثبت أن هذه المنظمة أو المجموعة هو فعلا جهة فاعلة للخير مع جميع المجتمع و هذا هو ما يؤدي للتغير و إيمان الناس به و لا ننسى هنا ضرورة الوقوف ضد الاستبداد و المستبدين و التوعية المستمرة له.

الذي أنصح به نفسي -و من يهمني أمره- أن يساعد المجتمع في ما سبق ذكره و يبقى بعيدا عن أي تحزب مغطى بشعارات عاطفية أو معاكسة للمنطق و التطور و الاجتهاد و الأهم من هذا كله الأحزاب التي لا تخاطب الجميع مع كونها منهم و فيهم في نفس الوقت و تعزل نفسها عن كامل المجتمع و لا تضمن عدم الاستبداد الذي دمر أمما كثيرة عبر أمثلة التاريخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق