السبت، 30 يناير 2016

هل الثقافة رفاهية؟

هل الثقافة رفاهية؟ 
محمود الجسري

لمعرفة الإجابة يجب أولا أن نضبط المصطلحات ونعرف معنى الثقافة ومعنى الرفاهية المقصودين في عنوان المقال. 

أما الثقافة بالمعنى العام في معجم  اللغة العربية المعاصر فتعني "علوم ومعارف وفنون يدركها الفرد" وفي معجم الغني الثقافة العامة هي " مُجْمَلُ العُلُومِ وَالفُنُونِ وَالآدَابِ فِي إطَارِهَا العَامِّ " ويوجد تعاريف أشمل يمكن تطبيقها على وصف المجتمع وتستخدم عند الكلام عن الحضارات والعلوم الاجتماعية منها تعريف الثقافة بأنها "مجموعة من القيم المشتركة بين مجموعة من الناس ، بما في ذلك السلوك المتوقع والمقبول من الناس ، والأفكار ، والمعتقدات ، والممارسات ." ويوجد تقسيمات وتعريفات إضافية تخصيصية خارج الإطار العام مثل "ثقافة علمية وثقافة وطنية وثقافة مهنية وغيرها..".
و لضرورة التركيز مع سياق المقال ولعدم تشتيت القارئ في تعاريف كثيرة سنبقى مع التعريف المكرر في أكثر من مصدر وهو أن الثقافة بالنسبة للفرد هي "علوم ومعارف وفنون يدركها الفرد".

أما المعنى العام  لكلمة رفاهية في معجم المعاني الجامع  فهي "رغد العيش" وفي المعجم الغني كلمة رفاهية تعني "في عَيْشٍ نَعيمٍ ، رَغيدٍ ، سَعَةُ الرِّزْقِ". 
و يوجد معنى دارج عامي شعبي يلمح لمعنى رفاهية بإنها شيء غير أساسي ومن الكماليات التي يجب أن لا تكون على سلم الأولويات وربما حصل بعض الخلط عندهم في معنى الرفاهية ومعنى الترف الذي يدخل في إشباع الحاجات غير الضرورية. أما نعيم العيش ورغده فيشمل الكثيرمن الضروريات وليس الماديات فقط بل تشمل السعادة والهناء.

بعد التمهيد أعلاه وضبط المصطلحات يمكن أن نسأل أنفسنا الأن هل الثقافة رفاهية؟ وإذا وضعنا التعاريف المذكورة يتم تحويل جملة السؤال إلى:
 هل العلوم والمعارف والفنون  -حتى لو كانت عامة غير متخصصة-  التي يدركها الفرد هي من مسببات رغد العيش وسعته؟  

لا أظن أن الكثير سيختلف في الإجابة الإيجابية على السؤال ولكن للمزيد من التوضيح يمكن القول أن غير المتخصص في أي علم سيحتاج للثقافة العامة حتى يعلم ما يهوى ومايريد تعلمه من العلوم وأي طريق هو الأنسب له ليتخصص به وإذا كان لا يريد التخصص أصلا بسبب تعلقه بتجارة او مهنة فالمزيد من  العلوم والفنون والمعارف  ستفيده على الأقل للتواصل مع غيره إن لم تفده في تطوير عمله وتجارته أما الشخص المتخصص فهو يحتاج للثقافة العامة ليصل إلى عيش أكثر رغدا وسعة وقد تكون ضرورة ليتوسع في علمه ومداركه ويحقق أهدافه  بشرط أن لا تصرفه عن إكمال وإتمام تخصصه. ويوجد أيضا شرط أخر لغير المتخصص وهو أن يكون قد حقق حاجات البقاء الأساسية -التي سنذكرها لاحقا- ونجح في تخصيص بعض الوقت لاكتساب هذه الثقافة.

 ويمكن طرح الأمثلة التالية للمقارنة:
عالم متخصص بالفيزياء وثقافته ضعيفة يلقي محاضرة مقابل عالم متخصص في نفس مجاله مع ثقافة عالية وعلم في فن الخطابة والأدب واللغة وغيرها. أيهما ستكون محاضرته أجمل وأكثر تماسكا واقناعا؟ 
ولنقارن بين عالم متوسط المعرفة في علوم الدين وفي نفس الوقت هو مثقف من طراز رفيع مع عالم ديني أخرعلامة في الدين ولكن ثقافته العامة ضعيفه ويريد أن يدعو ويكلم طلاب العلوم التقنية أو الطبيعية أو العلوم السياسية أو الاجتماعية والفلسفية بدون أن يعلم كيفية تفكيرهم أو أي شيء عن علومهم وثقافتهم. النتيجة الطبيعية أن الأول سيصل لنقاط تلاقي كثيرة والثاني ربما أوجد نقاط خلاف بدل الإقناع لأن معرفة طريق وحيدة للنقاش غالبا ما تؤدي لتعنت وعناد ومن ثم خلاف وجفاء.

في الماضي (و حتى بعض الحاضر) كان الكثير من المجتمعات المتخلفة عن ركب الحضارة تعتبر الدراسة والمدرسة ترفا من الكماليات وأن الأولى هو العمل في الحقل أو المصنع لإنتاج ما هو ملموس وفعلي بدون الانتباه أن تطوير العقل ،غير الملموس والحسي على المدى القصير، يختصر ويحقق الكثير عند وصوله لمرحلة الوعي المناسب للبيئة والمجتمع. 
ومن المفيد هنا أن نذكر ترتيب حاجات الإنسان حسب ما صنفها  هرم ماسلو للحاجات الإنسانية وهي 
1- الحاجات الفسيولوجية مثل التنفس والطعام والنوم ...
2- حاجات الأمان مثل الأمن والسلامة الجسدية ....
3- الحاجات الاجتماعية ومنها علاقات الأسرة والصداقة
4- الحاجات الذاتية والتقديرو منها الثقة والاحترام والقوة 
5- الحاجة لتحقيق الذات وهي استخدام المهارات والعلوم والقدرات المكتسبة لتحقيق أكبر ممكن من الإنجازات. 
و بشكل طبيعي لا يمكن الوصول للتقدير وتحقيق الذات بدون العلم والمعرفة والثقافة وتقدير الجمال لذلك وضع الباحثون بناء على ما ذكره ماسلو في أبحاثه درجات إضافة على هذا الهرم قبل درجة تحقيق الذات وهي: 
- الحاجات الإدراكية ومنها المعرفة والعلم ومعرفة المعاني
- الحاجات الجمالية ومنها تقدير الجمال (الطبيعي - الفني - الخ..)
بالإضافة للاحتياجات الروحانية على قمة الهرم والملفت للنظر أنه لكي تنتقل من مستوى احتياج معين إلى مستوى أعلى يجب تلبية الاحتياج الذي قبله.  (صورة هرم الاحتياجات مرفقة أدناه)

و للعودة للموضوع الأساسي والسؤال الأول في هذا المقال بخصوص الثقافة والرفاهية يمكن القول أن الثقافة هي حاجة إنسانية أساسية لتحقق الرفاهية ورغد العيش وضرورياته وليست من الترف أو الكماليات وأن من الواجب على كل إنسان مدرك وواعي ومستطيع أن يعمل لزيادة ثقافته ومعرفته.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق