الأحد، 31 ديسمبر 2017

قمع و ممانعة - قصة قصيرة


== جميع الشخصيات و الأحداث وهمية و أي تشابه هو بمحض الصدفة ==

ذات صباح شق هدوء القرية صيحات عالية و جلجلة عظيمة. خرج صلاح مع بقية الأهالي لمعرفة ما يجري واتجه كما هو معتاد لساحة القرية البسيطة. و في طريقه شاهد جيرانه و ألقى التحية على بعض الاصدقاء و استفسر عما يجري.
 لم يجد جوابا شافيا سوى أن طراد السنوري عاد إلى القرية مع مجموعة من الرجال الأشداء و عنده أخبار خطيرة بخصوص أمن القرية و سلامة سكانها.

وصل الجميع بعد دقائق لمركز القرية و شاهدوا طراد يقف في وسط الساحة فوق صندوق سيارة نقل قديمة و بيده مكبر صوت و حوله أربعة رجال مسلحين. و بعد اجتماع أكبر عدد ممكن من أهالي القرية بدأ طراد بالكلام قائلا: 

- أهل قريتي الأعزاء...
 لمحبتي لكم و عشقي الشديد لهذه البلدة تركت ما بيدي من أعمال هامة في الجوار و عدت بأقصى سرعة بعد معرفتي بهجوم عصابة الفتوات الزرق على القرية المجاورة و استيلائهم عليها و قتل و تشريد بعض سكانها. و لخطورة الوضع استنجدت ببعض الأصدقاء و جلبت لهم أسلحة من مالي الخاص حتى يتسنى لنا الدفاع عن هذه القرية التي عاش و مات فيها أبائنا و أجدادنا و التي نعيش من خيرها. و أنا الأن أضعكم في الصورة بدون إخفاء أي شيء عنكم و الأعداء  قريبين جدا و هم يتصيدون الأخبار لمعرفة نقاط ضعفنا. و لذلك يجب أن نقف صفا واحدا و نمنع هذا العدو من استلاب أرضنا و حقوقنا و كرامتنا ورزقنا و كل شيء له قيمة لدينا. 

سرت همهمات و بعض العبارات بين أهالي القرية منها تشجيعية و منها استفهامية و غير ذلك.
 برز أشرف المعروف بمشاكساته مع الجميع إلى الساحة و اقترب من طراد صارخا: "و لكن يا سيد طراد الموضوع يجب أن يتم التشاور به و التناصح ثم يقرر تجمع القرية ما الذي يجب العمل بشأنه بعد التواصل مع القرى المجاورة." 

رمقه طراد بنظرة نارية و كاد الشرر يخرج من عينيه ثم صرخ: "أيها المعتوه الوضع لا يحتمل أي تشاور و قد يصل الأشرار في أي لحظة" فقاطعه أشرف.. "و لكن الأصول .." 

و قبل أن يكمل أشرف كلامه كان طراد قد غمز أحد رجاله فأخرج ذلك الرجل جهاز صعق كهربائي و صعق به أشرف الذي شعر كأنه قد أًصابه برق من السماء، و بدأ جسمه بالاهتزاز و أحس أن قلبه قد توقف عن الخفقان و سقط أرضا..
حاول النهوض و لكنه لم يشاهد الرجل الاَخر الذي ضربه بتلك الهراوة الغليظة التي كان يعلقها على جانبه، و أكتمل المشهد أمام سكان القرية بسقوط أشرف على الأرض فاقدا للوعي مضرجا بالدماء. 

و صرخ طراد في مكبر الصوت.. "لا مجال للتأخير أو المماطلة. الخطر داهم و يجب أن نقف كلنا صفا واحدا، و هذا الشاب الجاهل لقي جزاءه الاَن، و سنتحتفظ به عندنا لإقناعه بالحسنى، و سأخصص لإقامتي مع هؤلاء الرجال المخلصين منزول الضيوف في وسط القرية، و من أراد منكم أن يتطوع لمساعدتنا في الدفاع عن القرية يجب عليه أن يقابلني بعد ساعتين من الاَن في صالة المنزول و عليكم بالذهاب و التجهز للمعركة القادمة الأن." 

تفرق أهالي القرية و كل شخص منهم في حال بين مستغرب أو خائف أو مشجع أو لائم أوغيرها من الحالات المختلفة.

لم يضيع طراد وقته فقد كان مستشاره الخاص فريد قد جهز له كل شيء بحكم خبرته السابقة في هذا المجال. ابتدأ طراد بطلب رجال الدين في القرية، و كانوا ثلاثة رجال اجتمع بكل واحد منهم على انفراد و رهبهم و رغبهم، تماما كما نصحه فريد ووعدوه بالوقوف معه لممانعة العدو الغاشم. 

ثم طلب تجار القرية، و كانوا أربعة و فرض على كل منهم حصة مالية ليدفعها، و إلا فربما ستقتله عصابة الأعداء و يخسر كل شيء، و بدافع الخوف وعدوه أيضا بالتعاون معه. 

و خلال ساعات حصل على خمسة متطوعين من العاطلين عن العمل، و كان مجموع عدد شباب القرية بحدود تسعين شابا. و لكن عدد المتطوعين الجدد، إضافة لمن معه، كان كافيا له لمعرفته بعدم حيازة البقية على أي سلاح يذكر. 

وصرف للمتطوعين أسلحة و مكافأت مادية ووعدهم بالمزيد من كل شيء، و شدد على قوله: "كل شيء" مع ابتسامة صفراء.  

بعد عدة أسابيع عصيبة كانت القرية تحت سيطرة طراد السنوري و مجموعته، و قد كانت تلك الأسابيع عصيبة، لأن أحد التجار الذي ماطل مرة في الدفع قد وجد أرضه محروقة و ضاع عليه محصول تلك الأرض. كما خُطف أبن أحد رجال دين في القرية، إضافة لخطف إحدى القرويات.  و قد وجه طراد جميع تلك التهم لعصابة الفتوات الزرق ووعد الجميع بارجاع حقوقهم إليهم عندما يحين الوقت المناسب.

و قد هرب خلال تلك الأسابيع عدد من المزارعين مع أسرهم من القرية وحُكم عليهم بالخيانة العظمى ومُنعوا و جميع من خرج معهم من العودة للقرية. بل إن طراد أرسل أحد الأشخاص ليقتل زوجة أحدهم بعد أن علم أنه استقر في قرية غير بعيدة و ذلك حتى يجعله عبرة لغيره. 

و مرت السنون و الشهور ووُسّع السجن الذي أصبح عدد ساكنيه يزيد عن الثلاثين شخصا بما فيهم أشرف. كما زادت مصاريف طراد بحجة الممانعة حتى فرض على التجار ربع أرباحهم و فرض على جميع سكان القرية مشاركة شهرية كتبرعات لحفظ قوة الممانعة، و دعمها إضافة للصرف على المباني و السيارات و الأجهزة الدفاعية ضد عصابة الفتوات الزرق المعتدين على القرية المجاورة. و الأهم من هذا كله يمنع على أي منهم أي نقاش يتعلق بإدارة أمور الممانعة لأن الوضع خطير و لا يحتمل أي نقاش أو تغيير. 
و كان كل شيء متاح و مباح لمجموعة مقاتلي طراد، كونهم من المدافعين عن أهالي القرية، و بالمقابل كان على الأهالي تقديم كل ما يطلب منهم سواء بالرضا أو بالغصب  و بالإذلال. 

كان صلاح يرى ما يحدث و قلبه يتشقق ألما على ذلك الذل الذي وصل له أبناء قريته. فقد سجن منهم الكثير و هاجر أو هرب جزء أكبر، و تم إيذاء عدد كبير منهم بشكل يتجاوز كثيرا ما حدث للقرية التي هاجمتها تلك العصابة. 

و ذات صباح لم يعد صلاح يستطيع صبرا، فذهب ووقف في ساحة القرية و بدأ يصرخ: 

"طراددددد ألا يوجد ممانعة بدون ذل؟ ألا يمكن أن نمانع بدون أن نسحق؟ ألا يمكن أن نقاوم بدون أن نسجن؟ "

"لقد أذيتنا و قتلت و هجرت منا أكثر بكثير مما فعلته عصابة الفتوات الزرق.. عليك اللعنة أيها الظالم..... عليكم اللعن...." و أتت رصاصة غادرة لم تمهله ليكمل جملته. 

و بعد قليل خرج طراد السنوري يحمل مكبره و حوله مجموعته ليقول: 
"حصل هجوم من عصابة الفتوات الزرق و سنرد في الوقت المناسب." 
ابتسم رجال طراد و المقربين منهم.
....و لا زال بعض القرويين البسطاء يصدقون ممانعة طراد و أعوانه.

*** لم تنته القصة لأن لكل ظالم نهاية و الدنيا دوارة و لكن في كل دورة تبقى دماء الأحرار في رقاب الظالم و أعوانه جميعا ***


محمود الجسري

12-2017

هناك 3 تعليقات:

  1. قصة جيدة ولكن تمنيت أن تكون نهايتها غير ذلك بحيث نهاية تعطي شيء من الأمل بالتخلص من الظلم والقمع. نهاية قصتك أخي محمود مبتورة بحيث انتهت بالوضع الذي أوجده طراد وحزينة بالوضع الذي آلت إليه هذه القرية الآمنة .
    على كل حال شكرا لك

    ردحذف
  2. 😂😂😂 سمعان هالقصه كتير وشايف عنها أفلام بس مدرب وين 🤔

    ردحذف
  3. قصدك أخي نادر عايشينها بكثير في مايسمى بلاد...
    جهد طيب أخي محمود

    ردحذف