الأحد، 23 أغسطس 2020

أسطورة العنف الديني - ويليام كافانو

هل هناك فعلا عنف ديني لا عقلاني وعنف غير ديني عقلاني ومبرر؟ هذا ما يناقشه كتاب الأستاذ ويليام كافانو مع تنبيهات مفيدة وأمثلة توضح وتدلل على كلامه الذي يهدف لتفكيك أسطورة العنف الديني من أجل تحرير العقل والدراسات الأكاديمية عن التصورات المغلوطة التي انتشرت في أوروبا والغرب الحديث.


في الفصل الأول بعنوان تشريح الأسطورة يقول كافانو أن الفكرة القائلة أن للدين نزعة تشجع على العنف هي فكرة رائجة ولكن معظم من قال ذلك لم يعرِّف الدين بشكل دقيق لأن أيديولجيات كثيرة يطلق عليها علمانية، كالقومية على سبيل المثال، لديها نفس طقوس وأفكار ومعتقدات ما يسمى بالدين، كما يكون لدى المؤمنين بها حقيقة مطلقة في مخيلتهم وادعاء أنها خير مطلق. وكما يطلق على الدين، فإن هذه الأيدلوجيات العلمانية تسبب الإنقسامية (نحن وهم) والإقصائية وتخضع القومية لأفعال لاعقلانية أحيانا مثل الحماسة والحمية والتعصب ولها طقوس مثل تحية العلم والنشيد الوطني وقد يتحول أتباعها للقتل أيضا من أجل الدولة القومية. يؤكد المؤلف بأن الحدود الفاصلة بين الدين والقومية العلمانية غير واضحة وأن "القومية العلمانية هي دين" وتخضع لكل ما يخضع له الدين.

لقد استولت الدولة الناشئة على المقدس لتصبح هي نفسها نوعا جديدا من الدين، وقد ترافق ذلك مع انزياح في القيم التي يقاتل البشر من أجلها.  ففي الدولة القومية، تم تأسيس عنف مختلف كالموت في سبيل الوطن. 

بناء على ما ذكر فإن وصف العنف بعلماني أو ديني لا يملك قيمة تحليلية على الإطلاق، بل هو مضلل وخادع وينبغي تجنبه. 


في الفصل الثاني يشرح الكاتب لفظ معنى ديني  Religio ما قبل الحداثة وكيف أنها كانت من المفردات التي تدور حول مفهوم الطاعة الاجتماعية في روما القديمة وكيف تطورت الكلمات حتى القرون الوسطى وكيف أن العلاقات بين الكنيسة والسلطة المدنية كانت معقدة ومتغيرة باستمرار عبر تاريخ العالم المسيحي. 


أما حول العالم فذكر عدة أمثلة على كيفية تحول بعض المسميات لدين. فالهندوسية مثلا كان اسما يطلق على جميع من في الهند، ولكن تم تحويلها لاحقا لدين. والبوذية كذلك تم اختراعها كدين من قبل الأوروبيين لتطلق على مجموعة تعاليم وعبادات متعددة تأملية وطقوسية مرتبطة بالعرافة وغيرها. مع أنه لا يوجد في البوذية مفهوم للإله يوازي ذلك المفهوم المسيحي للإله، ولكن صنفها الأوروبيون كدين لمقارنتها مع المسيحية وتحييدها إلى المجال الخاص وإتاحة المجال العالم لسيطرة الدولة العلمانية. وكذلك حصل مع الشنتو اليابانية والكونفوشية الصينية والطاوية وغيرها.

يسرد الكاتب تعريفات وظيفية للدين مثل تعريف دوركهايم : "الدين هو نظام موحد من الاعتقادات والممارسات المرتبطة بالأشياء المقدسة ،أي الأشياء المتمايزة عن غيرها والمحاطة بحرمة" ويؤكد أن الوظيفيين (مقابل الجوهرانيين) محقين بالقول أن الظواهر العلمانية كالرأسمالية والقومية هي ظواهر دينية بامتياز كما يذكر أقوال ل Robert Bellah وWill Herberg وHayes وتعريفهم للأمريكانية ونمط حياتها كدين.

يتساءل كافانو أنه اذا كانت القومية دينا فلماذا ننكر ذلك؟ والجواب لأنه يعرضها للتحدي ويجعلها نظيرة لبقية الأديان غيرها وبذلك نحميها ان تكون عرضة للمنافسة وهكذا نطبق نفس القاعدة القديمة بألا نلفظ أو نمس بعض القدسيات.

أهم المشاكل في أسطورة العنف الديني ليس في أنها تدين أنواعا معينة من العنف وإنما في أنها تنحي أنظارنا عن تفحص الأنواع الأخرى من العنف. العنف الموصوف بالديني يستحق اللوم دائما أما الموصوف بالعلماني فهو عنف ضروري تارة أو يستحق المديح والتمجيد تارة أُخرى. 


في الفصل الثالث بعنوان أسطورة الخلق، يسرد الكاتب الأسطورة المهمة التي يعتمد عليها الكثير كسردية للعنف الديني. تقول الأسطورة: انقسم المسيحيون لطوائف دينية متنازعة واقتتلوا فظهر خطر الدين ولحل المشكلة صعدت الدولة الحديثة وتم تهميش الولاء الديني وأصبح من الواجب كبح الشعور الديني في المجال العام واتحد الجميع على اساس الولاء للدولة ذات السيادة والمحايدة دينيا .  هذه القصة التأسيسية شبهها بسفر التكوين الخاص بالدولة العلمانية الحديثة وهي تحمل بعدا خلاصيا من الخطر القاتل. 


من شروط هذه السردية أن يكون المتقاتلين على خلاف ديني (كاثوليك ضد بروتستانت مثلا) والحقيقة أن هذا لم يحصل، فقد تقاتلت معظم الفرق الدينية مع بعضها أو ضد بعضها وشكل بعض المنتسبين إلى بعض الطوائف تحالفات مع طوائف أخرى. يذكر الكاتب أمثلة متعددة لذلك. ومن الشروط أيضا أن يكون سبب الاقتتال هو الدين وليس السياسة أو الاقتصاد  وأن تكون الأسباب الدينية منفصلة تحليليا عن السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا أيضا لم يحصل، فكثير من الحروب كانت سياسية أو اقتصادية قبل أن تكون دينية. والشرط الأخير هو أن صعود الدولة الحديثة لم يكن سببا للحروب، وهذا أيضا دلل عليه بأن بناء الدولة كانت عملية خلافية وصراعية في جوهرها ومبدأ السيادة يتطلب دمج وتركيز جميع السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت سيادة الحاكم. إنتصار الدولة كان بسبب القدرة العسكرية التي نشأت نتيجة القدرة على الوصول لرأس مال مدني وعبر إكراه دافعي الضرائب. إن صعود الدولة الحديثة ساعد في تعزيز الخلافات وإقناع الناس بإسطورة العنف الديني. 

في الفصل الأخير يشرح كافانو استعمالات الأسطورة ولماذا تم نشرها ثم ما فائدة التخلي عنها. 

تم استعمال هذه الأسطورة لعمل التالي: 

- تبرير نشر الأشكال الغربية من الحكم وتبرير العنف ضد الفاعلين الدينيين على أساس أنه عنف عقلاني في مواجهة عنف لا عقلاني. 

- شرعنة الإخلاص للدولة القومية وتدعيم النظام العلماني وتهميش الفاعلين الموصوفين بالدينيين من الحيز العام وتهميش الخطابات والممارسات الموصوفة بالدينية.

- تشكيل وصياغة السياسات المحلية وشرعنة ترتيبات معينة للسلطة في الغرب الحديث.  

- تشكيل وصياغة المواقف الغربية تجاه المجتمعات غير الغربية، وتشكيل إجماع داخلي بشأن السياسة الخارجية. 

- الأسطورة توهم المؤمنين بها وتحثهم على وصف الأخرين بلاعقلانيين -عنيفين او غير طبيعيين. 

- هذه التصورات كلها تخلق نقطة عمياء في التفكير الغربي حول مدى تورط الغرب في العنف ويصبح من غير الضروري تفحص علاقة الغرب بالعالم غير الغربي بشكل عميق وحقيقي.

- فوائد التخلي او تنحية هذه الأسطورة الخاطئة:

1 - تحرير الأعمال والأبحاث والكتابات والتجارب القيمة حول العنف ومعرفة الأسباب الحقيقية له والتخلي عن السبب الوهمي. 

2- رؤية طبيعة العلمانية الغربية باعتبارها مجموعة ترتيبات اجتماعية وليست حلا كونيا.

3- سيتخلص الغرب من أهم العقبات لفهم العالم غير الغربي ولتبني مقاربة اكثر انفتاحا مع الجميع.

4- نزع الشرعية والتبريرعن أعمال العنف التي تدعي أنها عقلانية ضد العنف الموصوف باللاعقلاني.

5- التخلي عن هذه الأسطورة سيساعد المواطنين في أمريكا على التخلص من أبرز عوائق النقاش العمومي الجدي حول أسباب معادات السياسات الأمريكية في الخارج.



العنوان الاصلي للكتاب: 

The Myth of Religious Violence: 

Secular Ideology and the Roots of Modern Conflict










الأربعاء، 5 أغسطس 2020

مفارقات شارع الواتساب

إن شبهنا أو تخيلنا أن مجموعة واتس "عامة" ،تحوي مائة شخص أو أكثر، بأنها حي أو شارع ففي ما يلي بعض ما  يحصل يوميا في هذا الشارع من مواقف وطرائف بعضها يحتاج للتفكر قليلا:

- أحدهم يخرج من نافذة بيته ليصبح أو يمسي على جميع من في الشارع. 
- يلحقه أخر بعد عدة ساعات ليصبح أيضا أو يمسي على الجميع نظرا لاختلاف الوقت لديه. 
- شخص يلقي نكته عبر مكبر للصوت ليسمعه جميع أهل الحي (وغالبا تكون سمجة بالنسبة لبعض سكان الشارع الأخرين نظرا لتفاوت الأمزجة والأوقات والظروف). 
- بعد ساعتين  يضحك صديق الذي ألقى النكته أمام الجميع ويرسل "ستيكر" ضاحك. 
- شخص يبيع أو يسوق لعمله وبضاعته ومحله وأخر يسأله عن السعر وربما يفاصله أمام الجميع. 
- أحد سكان الشارع يدخل في حالة طرب ويشارك الجميع بمقطع لفنان منكر الصوت يقوم ببعض الحركات الغريبة.
- جاره الذي يسكن في أخر الشارع يكون في حالة خشوع وتعبد ويرسل رسالة تحوي مقاطع أيات من القرأن الكريم أو أحاديث. 
- عطار الشارع يوزع وصفات مجانية على الجميع تشفي كل العلل بما فيها الأرق وتجعل الكهل شابا وتقوم النائم وتهديء الذي به صرع وتشفي من البواسير والمواسير ومتوفرة بكل بساطة في الخل والبقدونس والفول والبصل والثوم وبعضا من اليانسون وغيرها ولكن يجب ان تتبع خلطته بالتفصيل. 
- شخص جائع يفكر بالعشاء يرسل وصفات أو مقاطع فيديو لبوراك أو ما شابهه تحوي مناظر طعام لذيذة لإثارة الشهوات والرغبات وتحريك المعدة عند البقية. 
- صاحب محل شاورما في شارع قريب يقوم بإرسال دعاية مع عرض خاص للجميع. 
- شخص يتمشى بصمت في الشارع ويتفرج بدون إصدار أي صوت. 
- مخبر الحي يتابع أيضا بصمت لمعرفة من يتكلم في السياسة وتصنيفه ثم كتابة التقارير عنه. 
- شاب متحمس جدا لكل خبر سواء سياسي أو حوادث يجري كحامل الجرائد يصرخ في الشارع ويشارك تلك الأخبار كل عدة دقائق. 
- الحكيم الذي يلقي حكما على سكان الحي أغلبها قص ولصق وصلته من أصدقائه. 
- صاحب "الجمعة المباركة" الذي يظهر كل  يوم جمعة ليعلنها مباركة للجميع ثم يختفي. 
- صديقان في حوار خاص بصوت عالي امام الجميع أو عدوان يتشاجران أمام الجميع أيضا.  
- "بلطجي" أو "مشكلجي" الحارة الذي يعارض كل الأشخاص  في الشارع ويفتعل جدالا أو شجارا. 
- الشخص الشاعري الذي يرسل قلوب وورود للجميع تعليقا على ما قالوه. 
- حوار عائلي تم إذاعته على الشارع كله بالخطأ. 
- محلل سياسي لا يترك كبيرة أو صغيرة حول العالم إلا ويحللها لأصحاب الحي. 
- عابر سبيل يتمشى بصمت في الشارع ولكنه لا يتفرج على اي شيء مما يجري حوله. 
- شخص يحاول أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة لكه غالبا لا يلقى اهمام من أغلبية الحي لانشغالهم بزحام الشارع. 
- أحدهم يشارك نعوة أحد الأشخاص في حي قريب والجميع يبدأ بالتعزية (حتى بدون وجود ذوي المرحوم معهم)
- في الشارع يوجد ذلك الشخص الذي يحب مشاركة صوره مع جميع أعضاء الحي كل يومين. 
- أحد سكان الشارع يعرض فيدوهات لا معنى لها ولا فائدة منها قد تحوي صور ومقاطع لحيوانات تقوم بأعمال غريبة أو أصوات خراف وماعز مع موسيقى ظنا منه أنه يضيف محتوى ولإظهار أنه مشارك نشيط أمام المختار. 
- الجالس في قهوة الشارع يرسل صورة فنجان القهوة مع وردة او صينية مذهبة وقطعة شوكولا كل ما شرب قهوته وجاره في الطاولة المجاورة كهل متقاعد يحرص أن لا يترك أي خبر او رسالة تمر عليه إلا ويرسلها لكل سكان الشارع وحتى الشوارع المجاورة قبل مغادرة المقهى في  أخر اليوم وهو مرتاح البال. 
- المحفز النفسي الذي يرسل مقاطع بها موسيقى هادئة وأقمار وبحار وأنهار ونصوص تخبرك ان كل شيء سيكون على ما يرام وأنك تستطيع التغلب على كل مصاعب الحياة بعد مشاهدة المقطع كاملا. 
- مختار الحي (الأدمن) إما يحاول ضبط الشارع وربما سيخسر بعض الصداقات لحزمه أو يكون ضمن أحد الفئات المشاركة أعلاه وربما يشارك في تشتيت انتباه الحي وإضاعة وقت جميع السكان متجاهلا المسؤولية الدينية والاجتماعية ومحابيا لأصدقائه حتى لو شاركوا أتفه أنواع المحتوى. 
- درويش الحي يضع مقاطع وأدعية غير مدققة وأحاديث ملفقة واذا جرفه الحال وضع فيديو لأخر"حضرة" لشيخه وأصحابه. 
- صاحب الجريدة الحكومية في الشارع الذي همه ،حسب الأوامر، إشغال الناس بما فعلته الحكومة الكريمة من إنجازات أوالتحول لذباب الكتروني وإشغالهم بأي أخبار لتشتيت فكرهم عن أخطاء الحكومة ومشاكلها وفسادها. 
- شخص يخاف على نفسه وماله في الحي يهاجر تاركا الشارع كله لأن أحد المارة كان قد شتم الديكتاتور الحاكم. 
- شخص أخر غادر بسبب أنه تلقى عرض مختار (أدمن) في شارع أخر منافس. 
- حكواتي الحي يوزع قصصا حقيقية وخيالية على الجميع. 

هناك طبعا الكثير غيرهم من الأمثلة الإيجابية ولكن وجب التنبيه على الأمثلة التي يجب الانتباه لها والانتباه منها وطبعا المسؤولية الأولى ،من وجهة نظري، هي على إدارات هذه المجموعات التي تسمح بضياع وقت الناس وتشتيتهم وأذكرهم أنهم محاسبون يوما ما.
هناك مسؤولية أيضا على من يعرف أضرار ومفاسد هذا التشتت والضياع ولا ينبه سكان الحي عليه ويفضل الهروب من هذه المجموعات بدل البقاء وإدامة التذكيربهذه المضار. 
 قالوا قديما "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت" وأضيف لذلك الأن "أرني مجموعاتك أقل لك من أنت". 
دائما ما نصحني جدي ،رحمه الله،  بالابتعاد عن الشوارع واللعب بها وربما كان هذا أحد أسباب التزامي وحبي لقراءة الكتب التي لاحظت وتأكدت بعد تجربة أنها تفيد في تعميق الأفكار والاستفادة من الوقت اكثر بكثير من قراءة كل تعليقات الواتس والضياع في "ماجرياته" وتشتيت الوقت والذهن والعقل والنفس لذلك أنصح كل عزيز بالابتعاد عن الشوارع كل ما اتيحت الفرصة ومحاولة تصفح كتاب للحصول على صفاء ذهني أكبر وربما سعادة اكثر. 

<br/>