الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

كيف سيتغير العالم.

كيف سيتغير العالم
محمود الجسري 

منذ فترة ليست بعيدة - أقل من عشرين سنة - كانت الرشوة سهلة جدا في بلاد كثيرة و كان العديد من الموظفين خاصة في القطاعات الحكومية لا يدعون الكثير من المعاملات و الطلبات تمر بدون إكرامية أو هدية أو أي مسمى مختلف للرشوة. 
و في تلك الفترة أيضا كانت بعض المعاملات تأخذ أياماً طويلة وربما أسابيع و شهور تتنقل بين الدوائر المختلفة و الموظفين و ربما تضيع أو تفقد لبعض الوقت ثم تنتهي بعد لأي و جهد و تصل لسعيد الحظ صاحب الطلب.
كان الحصول على معلومة ما سواء حكومية او تجارية أو علمية يستهلك الكثير من الوقت و الجهد في الإتصالات و البحث عن المراجع و ربما القيام بزيارة المصادر المعلوماتية كالمكاتب الحكومية و المكتبات و الجامعات و غيرها. و في ذلك الوقت كان التخلص من مخالفة سواء مرورية أو بنائية أو حتى أخلاقية سهلا بإظهار ما خفي من رزم النقود و عرضها على ذلك الموظف الذي ربما يكون جشعا طامعا أو حتى فقيرا معدما مسكينا لا يجد مصدر رزق إلا تلك "الإكرامية" لتمشية الأمور و التغاضي عن المحظور. 

بدأ العالم يدخل بعد ذلك في طفرة الثورة التقنية و بدأت بعض الدوائر الحكومية في الدول المتقدمة أولا ,و تبعها غيرها,  تنتبه أن استخدام التقنية يمكنه أن يلغي الكثير من الروتين و يقضى على فئات كثيرة وكبيرة من معاملات الرشاوي و المخالفات. و بدأ جمهور كبير من المثقفين المصلحين الذين لهم تصرف و مناصب معينة بتطبيق التقنيات الحديثة على كل ما هو ممكن سواء من أتمتة المعاملات المكتبية أو جدولة المهام الروتينية و انتهاء بتوثيق المعاملات التي تحتاج لدفع مبالغ و تحويلها لطرق بديلة عن النقد المباشر لتفادي الرشوة و التلاعب. و بدأ الجمهور العالمي يقيم الشركات و المنتجات على صفحات الانترنت ويكشف الغش و الغشاشين و لم يعد يكفي شهرة الشركة المنتجة وحدها بل أصبح الكثير يرجع لتقييم الجمهور قبل التعامل مع خدمات الشركات أو اقتناء منتج معين.
ثم ظهرت مراحل إضافية منها كشف الاستبداد عبر وسائل التواصل و حرية التعبير و مقارنة الشعوب بعضها ببعض و مقارنة المستوى المعيشي في كل بلد و ارتباط ذلك بالحكم السياسي و غيرها الكثير من النقاط و القضايا التي تحتاج كتبا كاملة لشرحها و التي كانت سابقا حكرا على مؤسسات محددة و مفكرين محدودين و وصل الأمر حتى لتهريب الأسرار الاستخباراتية و التجارية  وتم كشف الكثير من المستور. 

تنقلت التقنية بعد ذلك في عدة مراحل و لا زالت تتنقل و تغير الكثير سواء بشكل مباشر أو غير مباشر و سواء عرف البعض ذلك و لاحظوه أم تم بهدوء و بدون ملاحظة مباشرة. 
وفي خطاب الرئيس الأمريكي أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس 28 سبتمبر/أيلول 2015 ذكر عاملا مهما من عوامل التغيير في العالم و هو عامل التقنية وهذا العامل لم يعد يصبح من العوامل الخفية او التي يمكن تجاهلها فقد بدأ العديد من الكتاب و المحللين منذ سنوات بسرد عامل الدفع التكنولوجي كأحد أهم عناصر دفع القوى المحركة لتطور المجتمع الإنساني التي يمكن تلخيص معظمها في العوامل التالية : 

- عامل الدفع التقني / التكنولوجي و يمكن تقسيمه لعدة أقسام أهمها من وجهة نظري المعلوماتية. 
- عامل دفع العولمة.
- دفع القوى الإقتصادية.
- دفع القوى السياسية.

و يأتي بعد هذا التمهيد السؤال المهم لكل شخص و هو كيف أغير العالم للأفضل؟ وربما الجواب حسب سياق المقال هنا بتشجيع العامل التقني على جميع مراحله و استخدامه ما أمكن و محاولة تصعيده و تطويره و المطالبة به. 

فإن كان القاريء في منصب إداري لخدمة مجموعة كبيرة من الناس فيمكنه تغيير العالم للأفضل بإدخال أي تقنية تسمح بخدمة هؤلاء الناس بشكل أجود وأسرع و أوفر. 
و إن كان مواطنا عاديا لاحظ أمرا يمكن تطويره فمن الواجب أن يطالب بذلك و يحرض أصدقائه على المطالبة بالتطوير لتوفير خدمة أفضل. 
و من المهم جدا لمن هو في موقع التوجيه ووضع القوانين أن يبقي الموضوع التقني في ذهنه عند كل حركة و قرار و خاصة ما يتكرر و يهم المجموعات الكبيرة من المواطنين. 

أظهر لنا التاريخ القريب و البعيد وجود أشخاص انتهازيين و مرتشين و غيرهم ممن ظهروا و انكشفوا و منهم من لم يظهر للناس و لكن ظهرت نتائج أعمالهم وقد أثبتت العديد من الدول القضاء على الرشوة و الفساد في نواحي كثيرة عند تطبيق الأنظمة المناسبة التي بالتالي وضعت حدا للكثير من أولئك الانتهازيين و المرتشين.  
 بالتأكيد لم تنتهي هذه المشكلة تماما و لكن تطور التقنية يحجمها و يقللها بشكل كبير و أعتقد أنه ما زال في جعبة التقنية الكثير لتظهره لنا في المستقبل وبالتالي يستمرالتغييرفي العالم.