---------------------
محمود الجسري
محمود الجسري
منذ ألاف السنين -أكثر من 10 ألاف سنة- كان أغلب البشر يعيشون من مصادر الصيد وجمع النباتات والفواكه ثم بدأت الثورة الزراعية الأولى بتجمعات قليلة وتدريجيا بدأت بالانتشاروالتوزع حتى وصلت لنسبة عالية من سكان الكرة الأرضة تقدر بحوالي 90% في حدود القرن الثامن عشر وذلك لما توفره الزراعة من ميزات للناس لم تكن تساعد عليها مرحلة الصيد والتجميع التي قبلها ومنها تأمين مصادر غذائية ثابتة تساعد على التخطيط وبناء جيوش للدفاع أو الغزو وما يلي ذلك من أمن واستقرار ثم بحث وتطورعلمي وغيرها من العوامل التي ساعدت في تطور البشرية والمعرفة.
وأتى القرن التاسع عشر مصاحبا للثورة الصناعية التي أيضا بدأت بنخب قليلة هنا وهناك وبدأت المكنات تحل محل العمل اليدوي بسرعة في مناطق في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان وفقد الكثير من المزارعين عملهم لوصول الألات وتغطيتها أجزاء كبيرة من الأراضي التي كانت تحتاج مئات من المزارعين للعمل عليها وتقلصت تلك الحاجة إلى عشرات أو أقل وبدأت الدول الصناعية في تلك المرحلة بالسيطرة والتهام الدول الزراعية التي لم تلحق الركب الصناعي وأصبحت إلى حد ما متخلفة علميا وصناعيا فابتلعت أوروبا معظم أفريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وهيمنت اليابان على الصين وقد حصل كل ذلك في سنوات قليلة جدا (أقل من 200 سنة) مقارنة بعمر المرحلة الزراعية التي استمرت ألاف السنين وبدأ سباق ومحاولات للحاق بالركب الصناعي وقد تعثرت بعض الدول بعض الشيء ولكنها لحقت به وتخلفت بعض الدول الأخرى في ذلك فبقيت في عصر الزراعة ودول أخرى طغى عليها الاستبداد والطمع لم تستطع حتى الحفاظ على الزراعة وأصبحت تعيش في عصور خاصة بها مغلقة حتى اليوم وتدور في فلك زعمائها المستبدين وعصاباتها فقط.
و من نتائج الثورة الصناعية وتطور العلوم ظهر الحاسب الألي والانترنت وهنا بدأت ثورة جديدة يدعوها البعض بالثورة الصناعية الثالثة (الثانية كانت عند التحول من الألات البخارية الى الطاقة الكهربائية).
ويمرالعالم حاليا بثورة جديدة وتحول لا يشعر به الكثير من الناس ويطلق عليه البعض "الثورة الصناعية الرابعة" ولكن المصطلح الأفضل الذي أميل إليه هو "الثورة التقنية" وهي مرحلة ظهور وتطور الذكاء الاصطناعي وتعليم الألات والتحكم في الجينات والتقنيات الحيوية والبيانات الضخمة وغيرها.
رافق كل مرحلة من المراحل أعلاه تغير كبير في أشكال العمل وتعداد العمال المطلوبين فعند الانتقال من المرحلة الزراعية إلى المرحلة الصناعية خسر ملايين البشر أعمالهم في المجال الزراعي لكن كان هناك طلب كبير في الفترة الأولى لعمال المصانع وساهم هذا في نزوح الكثير من القرى للمدن الكبيرة ثم بدأ هذا الطلب يتقلص تدريجيا وتزيد نسبة العاطلين عن العمل في أوقات لاحقة.
و رافق ذلك أيضا تغير في طبقات المجتمع ففي المرحلة الزراعية كان هناك طبقة الاقطاعيين والنبلاء والأمراء وفي المقابل طبقة المزارعين وفي بدايات المرحلة الصناعية كان هناك طبقة برجوازية من أرباب العمل وأصحاب المصانع والتجار وفي المقابل طبقة العمال التي تتراوح بين المتوسطة والفقيرة .
و الحكمة أن نعتبر من التاريخ ونعلم أن الثورة التقنية التي بدأت فعلا ستغيرقريبا جدا من عالم العمل والوظائف وربما تظهر طبقات جديدة مختلفة عما عهدناه سابقا وإن أطلقت لنفسي حرية التفكيروالتوقع - الذي قد يبدوا خياليا للبعض - فأستطيع القول أن ملايين البشر ستخسر وظائفها وأعمالها والقليل هو من يستطيع الدخول في عالم العمل الجديد الذي سيتطلب مجهودا فكريا ومهارات أعلى من ما طلبته الثورة الصناعية من عمال المرحلة الزراعية.
وبالنسبة للطبقة الجديدة المستقبلية الموازية للإقطاعين والنبلاء أو الطبقة البرجوازية فقد تكون من نخبة تم اختيار جينات معينة فيهم عند الولادة أو تم التعديل عليهم بعد الولادة مما يعطيهم أعمارا أطول وأمراضاً أقل وذكاء وقوة وميزات أفضل من معظم عامة الناس وهذا الشيء سيغير الكثير من المفاهيم الانسانية - الاجتماعية - الليبرالية وربما حتى الدينية وغيرها بطرق قد تكون مخيفة أحيانا. أما في المقابل فالطبقة الأكبرفي المستقبل من الممكن أن تكون طبقة من الناس العاطلين عن العمل وقد وصفهم أحد المؤرخين بطبقة الناس غيرالمفيدة أو عديمة النفع(Useless Class) أو من الممكن أن يكون نفعهم الرئيسي لبعض الشركات هو الاستهلاك. وبعض المفكرين وحتى الحكومات تخطط لما يسمى (Guaranteed minimum income) أو الراتب الأدنى لكل شخص أو عائلة كنظام اجتماعي في المستقبل.
و من الأمثلة على التغييرات القادمة والتي غالبا سيشهدها الكثير ممن لم يتجاوز الخمسين عاما من عمره التالي:
- المركبات ذاتية القيادة.
- "الدرونز" والأجهزة الذكية والروبوتات وتفاعلها مع البشر بشكل يومي.
- الأنظمة الضخمة التي جمعت وتجمع المعلومات والبيانات الضخمة عن كل شيء بداية من البشر إلى معلومات الطقس والبيئة والحيونات والحشرات والطاقة وغيرها وتعالج هذه المعلومات وتستنتج منها نتائج ومألات قد لا يتنبه لها حتى العبقري بمفرده.
- الذكاء الصناعي الذي سيحلل جميع تلك البيانات ويخبر الناس عن معلومات تهمهم سواء صحية او اجتماعية او غيرها مما يعلموه أو حتى لا يعلموه عن أنفسهم.
- تطور في التقنيات الحيوية والتعامل مع الكائن الحي (ربما حتى الإنسان) كخوارزميات وتطور علم الجينات وتعديلها.
و من الوظائف المعرضة للخطرفي المراحل الأولى على سبيل المثال لا الحصر: السائق - وظائف المصانع القابلة للأتمتة - الكاشير - مساعد المحامي - بعض الوظائف الصيدلية - الطيار- التدريس - الحراسة - وكلاء السفر.. وتطول القائمة التي قد تحوي الكثير من المفاجئات.
أما الوظائف التي سيكون عليها طلب فقد تكون الوظائف التقنية التي تعنى بتطوير وإصلاح البرمجيات والمكائن ووضع الخوارزميات لها - الوظائف المهنية التي تحتاج مهارة بشرية عالية وتفكير من الصعب وضع خوارزميات مباشرة له - التخصصات المخبرية وخاصة علوم الجينات - الأعمال التي تصلح أن تكون على شبكة الأنترنت (أونلاين) إضافة ل أي عمل إبداعي وفني.
الثورة التقنية قطعا تسارعها سيكون أعلى من الثورة الصناعية التي هي أصلا أخذت وقتا أقل بكثير من تطور الزراعة. هذا التسارع الشديد سيكون من الصعب تكهن نتائجه وأتمنى أن تكون هذه المقالة قد أوصلت الفكرة وغطت بعض جوانب هذا الموضوع الذي يجب التفكير فيه سواء للتخطيط الشخصي أو الأسري والنظر للأعمال والتسارع في المستقبل.
مقال رائع ..
ردحذفنحن نحتاج ان نتحرر أولا. طالما مكثوا هؤلاء الأوباش فوق صدورنا فلن نخطوا خطوة الى الامام .
مقال بديع، ويستهدف الغالبية العظمى من بني جلدتنا، واختصره الله جل وعلى بقوله الحكيم: ولن يغير الله مابقوم ختى يغيروا مابانفسهم، وذاك ان لله سننا لا تتبدل ولا تتغير ، فالتغيير مستمر والانسان وهب الملكة التي اورثته الارض دونا عن كل مخلوقات القدير، وتلك ملكة العلم ! وهنا مغزى استخلافنا في الارض، بوركت اخي
ردحذفمقال رائع مختصر ومفيد
ردحذفمقال رائع وجميل صديقي العزيز
ردحذففعلا و ب اختصار المستقبل سيجعل الروبوتات مكان الإنسان في الكثير الكثير من الوظائف كما تفضلت أهمها
السائقين والمحاسبين و المحامين والكاشير واتوقع الصيادلة
وربما يتأخر هذا الموضوع قليل في بعض البلدان في آسيا وأفريقيا..
والناس تحتاج لبذل جهود كبيرة للعمل في مجال التقنية..
بوركت اناملك اخي محمود
ردحذفمقالة جيده وأود ان أضيف هنا ان التطور في مجال الأسلحة وخاصة الالكترونية منها تتسارع بشكل أكبر من المجال الخدمي أو الصناعي وقد تتسبب في تدميرها بطرفة عين ومثال القنبلة المغناطيسية غير بعيد وهو سلاح يصيب كافة الدارات الالكترونية بالعطب الدائم مايعني عودة الانسان الى الصناعات اليدوية والزراعة البدائية وحتى الى السيف والرمح بالمعارك
نادر حماميه